بعض ملاحظات حول وثيقة برنامج الحزب الشيوعي العراقي للمؤتمر العاشر

صباح قدوري
2016 / 4 / 28

د.صباح قدوري

يبدو جليا ان التزام الحزب بقرار عقد مؤتمراته في مواعدها المحددة بعد سقوط الديكتاتورية عام 2003، اي منذ المؤتمر الثامن للحزب في عام 2006، يعتبرأمر إيجابي، يستحق التثمين.
ان الوثيقة المطروحة للمناقشة للمؤتمر العاشر للحزب المزمع انعقاده خلال العام الحالي، هي نفسها برنامج الحزب الذي اقره المؤتمرالوطني التاسع في عام 2012، مما يتطلب دراستها بإمعان وإعادة النظر في كثير من بنودها بعد الأخذ بنظر الاعتبار المتغيرات السريعة التي حدثت خلال السنوات الأربع الماضية على الساحة العراقية. وعليه، ارى ضرورة إعادة تقييمها واغناءها بالملاحظات البناءة والموضوعية، بهدف استخلاص نتائج ايجابية من طروحاتها لتكون وثيقة ملائمة للمناقشة في المؤتمر العاشر، واقرارها حسب الاصول من قبل مندوبي المؤتمر.
ملاحظاتي حول بعض بنود هذه الوثيقة، يمكن أجمالها في المحورين التالين، السياسي والاقتصادي

أولا: المحور السياسي

1ـ ان التوصيف الذي يرد في الوثيقة لايدولوجية الحزب والنظرية المعتمدة في نضاله الطبقي، لا يكفي وحده، فلابد أيضا أن يشخص الحزب آليات وأدوات فعالة وموضوعية لترجمة اهدافه المصاغة فيها الى الواقع العملي الملموس، ولكن الوثيقة لم تشيرالى ذلك بوضوح. ان ذلك التشخيص يتحقق من خلال التاكيد على الممارسة النضالية في الحياة اليومية واكتساب الخبرة منها، بلاسناد على مبدأ الديمقراطية الحقيقية والاعتماد على أوسع قاعدة جماهرية في عملية اتخاذ القرارات المهمة.
2ـ بلورة رؤية واضحة وواقعية لتوصيف خصائص وملامح المرحلة الراهنة، واهداف الحزب النضالية ومحاولة صياغة شعار منطقي ملائم للمؤتمر، يعتمد كأساس لرسم السياسة النضالية للحزب على مختلف الصعد. وكمثال، يمكن تبني الشعار (مؤتمر التجديد وترسيخ الديمقراطية في الحياة الحزبية وتقوية التنظيم الحزبي). أو اي شعار اخريمكن ان يتبلورعلى ضوء الملاحظات التي تقدم من المندوبين.
3ـ تقييم الحزب، بروح من المسؤولية العالية مسيرة مشاركته في العملية السياسية منذ سقوط الديكتاتورية. وعلى ضؤ ذلك، ينبغي على الحزب إعادة النظر في سياساته بهدف معالجة الاخطاء والسلبيات التي واجهها، واستخلاص النتائج الملموسة والاستفادة منها في رسم سياسة الجديدة للمرحلة القادمة، مع تثمين وتعميق السياسات الصحيحة وتطويرها.
4ـ يمتلك الحزب الشيوعي العراقي تاريخا مجيدا وتراثا غنيا يجعله في طليعة قيادة الجماهير والدفاع عن حقوقها ومصالحها، ويتعايش مع كل معاناتها، التي سببتها حكومات المحاصصة الحزبية والطائفية والاثنية، ونزاعاتها من اجل السلطة والمال والنفوذ، والتي اوصلت العراق الى ما هو عليه الآن. وكل ذلك يتطلب من الحزب المساهمة الجادة في صنع الاحداث، بدلا من ان يكون خارجها أو ذيلا لها، كما هو عليه الآن.
5ـ التاكيد على علمانية الدولة والنظام السياسي، والتعددية في تداول السلطة، ومبدأ فصل الدين عن الدولة. وتثقيف وتوعية أوسع الجماهير بهذه المبادئ المهمة.
6ـ هناك محاولات تجري بين حين وأخر من الاطراف الاقليمية والدولية هدفها تقسيم العراق على اساس طائفي وإثني. فعلى الحزب ان يعير أهتمامه لموضوع الفيدرالية والادارات اللامركزية وتطبيقاتها على ارض الواقع في الظرف الحالي والمستقبلي للعراق، وهي من المواضيع المهمة المقر في الدستور. والاستفادة منها للتاكيد على وحدة العراق وسيادته.
7ـ بخصوص التحالفات اليسارية، على الحزب ان يبادرباصدار نداء الى كل الفصائل المتواجدة على الساحة العراقية، وخاصة الفصائل الشيوعية والكوادر المخلصة التي غادرت الحزب لأسباب مختلفة. واتباع اسلوب الحوار والنقاش الهادئ للوصول الى نتائج إيجابية في تحريك البلاد سياسيا وفكريا والى دفع الحركة الديمقراطية الى الأمام. على ان يجري التفاهم مع هذه الفصائل على أساس التحليل العلمي للواقع وللتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلد.
8ـ الاهتمام الجدي بالعمل مع منظمات المجتمع المدني والجمعيات والنقابات المهنية كالطلابية والشبيبة والمرأة والبيئة والتيار الديمقراطي العراقي وغيرها. أن دور الحزب في تحريك هذه المنظمات لايزال ضعيفا وليس بمستوى طموحات وامكانيات وخبرات الحزب في هذا المجال، ويتطلب ذلك تطوير آليات وأدوات عمل فعالة ومتنوعة لتحريك الجماهير ودفعها للدفاع والمطالبة بحقوقها المشروعة.
9ـ الاعلام بمختلف فروعه هو احدى الوسائل المهمة التي يستعين بها الحزب في نضالاته اليومية. وما يلاحظ اليوم بأسف شديد ضعف أداء المنظمات والهيئات الحزبية في هذا المجال. وهذا يتجلى بشكل خاص في إدارة مناقشات الصراع الفكري وفق الأسس المعرفية والعلمية، وفي المنتديات والندوات، وتوسيع وسائل التواصل الاجتماعي، وفي تطوير جريدة الحزب اليومية " طريق الشعب" والدوريات الاخري، وموقع الحزب على الأنترنيت من حيث السعة والتصميم والمحتويات والمعلومات والمقالات المنشورة فيه وتحديث الصفحة. أن كل ذلك يحدث في الوقت الذي يمتلك فيه الحزب القدرات والأمكانيات والمهارات الكبيرة، ونخبة جبدة من المثقفين والكتاب والباحثين، مما أضطر بعضا منهم لترك إعلأم الحزب بسبب موقفهم الفكرية و/أوالتعارض مع بعض طروحات وشعارات الحزب تجاه الأحداث المحلية والدولية و/أو التضيق على كتاباتهم وعدم نشرها إلآ حسب قناعة الحزب بها.
10ـ هناك ترابط عضوي بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني، فهما حزب واحد على الصعيد السياسي ( من حيث المحتوى والشعارات والبرامج والاهداف الاستراتيجية)، وحزبان على الصعيد التنظيمي، مما يتطلب التنسيق والتعاون والعمل المشترك بينهما بأكثر مما هوعليه الآن، وخاصة في المسائل المهمة.

ثانيا: المحور الأقتصادي

1ـ أصلاح النظام الأقتصادي من خلال تبني استراتيجية واضحة وواقعية لعملية التنمية الأقتصادية والأجتماعية، على ان يحدد الدور الذي يمكن وينبغي ان يوديه القطاع الحكومي، خاصة وان هناك، منذ بداية التسعينات وحتى الان ميلا واسعا ومتشددا لانكار هذا الدور وحصره باضيق الحدود. كما أن من الضروري الاستفادة من الإمكانات (أفكار، قدرات تنظيمية، رؤوس أموال) التي يمتلكها القطاع الخاص، وبخاصة في مجال انتاج السلع في قطاعات الزراعة والصناعة التحويلية والبناء السكني والسياحة والخدمات الأنتاجية. ويمكن للقطاع الأجنبي ايضا ان يقدم أستثمارات معينة لتكملة دور كل من القطاعين الحكومي والخاص.
2ـ فشل الحكومات المتعاقبة بعد سقوط الديكتاتورية في تقديم الخدمات الأساسية من الماء والكهرباء والتعليم والصحة وغيرها للمواطنين، وهي خدمات ضرورية وملحة ويجب على الحزب التاكيد عليها في كل مناسبة لغرض تأمينها للشعب.
3ـ التاكيد على تحقيق درجة ما من العدالة والرفاه لهذا الجيل والأجيال القادمة ( من خلأل ضمان الحق بالتعليم والعلاج والتامين والضمان الأجتماعي واصلاح وتطوير البطاقة التموينية)، وهو من اساسيات وواجبات الدولة في كل مكان، وهذا لا يتم عبر انتهاج سياسة اقتصاد السوق فقط. ومن هنا تأتي ضرورة التاكيد على تدخل السلطات الحكومية لتحقيق وضمان تلك الحقوق.
4ـ معالجة البطالة المتفاقمة من خلأل اعادة هيكلية القطاعات الصناعية والزراعية والخدمات الأنتاجية. تامين فرص العمل اللائقة للجميع، والقضاء على الفقر وتقليل الفوارق الطبقية، من خلال تامين فرص تشغيل اكثر وخاصة للطبقة الوسطى وتقليص حجم الفئة الفقيرة وتلك التي تعيش تحت خط الفقر.
5ـ إصلاح النظام المالي والنقدي، من خلال إستخدام معايير علمية ومنطقية في تبويب واعداد الموازنة العامة، تعتمد على قياس كفاءة الأداء والانتاجية، والتحكم العقلاني بالموارد المالية المتاحة على اسس الاهداف والبرامج الحقيقية، وذلك عن طريق البنك المركزي، الجهة الوحيدة المستقلة والمتخصصة في رسم السياسة النقدية لتامين الاستقرارالنقدي، وبخاصة استقرار الأسعار، والحفاظ على الرصيد الاحتياطي من العملات الاجنبية، ومتابعة أداء البنوك والمصارف والرقابة عليها. لابد أيضا من معالجة الضعف الواضح في أداء التشريعات المالية وفي تطوير النظام الضريبي والمؤسسات المالية، وتفعيل قانون منضومة الرسوم الجمركية رقم (22) لسنة 2010.
6ـ تفعيل دور كل من هيئة الرقابة المالية وهيئة النزاهة المستقلة وأعادة تشكيلهما على اسس الكفاءة والخبرة والنزاهة والاخلاص بعيدا عن المحاصصة الطائفية والحزبية الضيقة وذلك لكي تأخذا دورهما الحقيقي في توعية الجماهير للمشاركة الفعالة في عملية الرقابة الشعبية ومحاربة الفساد المستشري في المفاصل الحكومية والحزبية.
7ـ ضروة التاكيد والاسراع في تشريع قانون النفط والغاز وإعادة تشكيل شركة النفط الوطنية في الدورة التشريعية الحالية، لتكون بمثابة الاطار الاساسي الذي تبنى عليه السياسة النفطية المستقبلية للعراق وذلك بغيته ادارة القطاع النفطي بشفافية عالية، ومحاربة الفساد، وحسن استخدام عائداته في خدمة التنمية الوطنية المستدامة.

ختاما، نرجو للمؤتمر العاشر ان يحقق كل النجاحات. ويكون مؤتمرا للتجديد نحو تعزيز دور الحزب وحجمه الحقيقي في العملية السياسية في العراق، عبر تعميق الممارسة الديمقراطية في الحياة النضالية، وتوسيع قاعدته الجماهرية. كما نرجو الخروج بنتائج وقرارات مهمة تخدم العملية السياسية، وتحقق آمال العراقيين، والانتصارعلى( داعش) وكل المنظمات الارهابية، وتعزيز الامن والاستقرار، وبناء عراق جديد مزدهر تتحقق فيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة لخدمة مصالح الجماهير الكادحة وكل مكونات الشعب العراقي.




حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي