العراق ... اغتيالات وقتل, ودولة عاجزة عن حماية مواطنيها

خالد الخفاجي
2018 / 10 / 10

مع انحسار التهديدات الإرهابية في العراق تصاعدت وتيرة جرائم التصفيات الجسدية لشخصيات مختارة بدقة, تعددت أسبابها بين اغتيال سياسي وجرائم جنائية, ولكن أصابع الاتهام دائما تتجه لمليشيا الأحزاب السياسية سواء تلك التي زجت بالقوى الأمنية وظلت على ولائها لأحزابها ومنفذة لأوامرها, أو تلك التي مازالت ترتبط ارتباطا مباشرا بأحزابها, وفي كلتا الحالتين. لا يمكن إنكار وجود دولة عميقة تسيطر على مجريات الأحداث, وإذا كان الشائع عن الدولة العميقة إنها تساهم في تقوية وترسيخ حكم الدولة الشرعية, فان الدولة العميقة في العراق نادرا ما ترتبط بالحكومة الشرعية وفي الغالب الأعم يكون ارتباطها بالأحزاب أو بشخصيات سياسية أو القوى الإقليمية والدولية المهيمنة على الساحة السياسية في العراق, وساهمت بفاعلية في خلخلة الأمن والسلم المجتمعي.

واحدة من السمات المميزة للتصفيات الجسدية, هو إنها شملت جرائم قتل لشخصيات هي ليست جزءًا من الواجهة السياسية للنظام, على عكس الأنواع الأخرى من الاغتيالات السياسية التي يشكل ضحاياها تهديدا مباشرا للنظام، ولكنها ارتبطت بشكل او بآخر برموزه, حيث تشكل المليشيات المرتبطة بالسلطة أو برجالات السياسة اليد الضاربة والخطيرة في تنفيذ جرائم القتل والاغتيال, ومثلت انتهاكاً صارخاً لهيبة الدولة وقوتها وانتكاسة لمؤسساتها الدستورية والقضائية ورصانة نظامها الديمقراطي، فالحكومة إذاً, تتحمل بشكل مباشر أو غير مباشر مسؤولية تقويض القانون وتوفير أدوات القوة والدعم وإطلاق يد هذه المليشيات للعبث بالأمن الوطني والمجتمعي.

وفي ظل ديمقراطية صورية, تعد جرائم الاغتيال السياسي محاولة شائعة لإسكات المعارضين والتخلص من تهديدهم للنظام السياسي, فهي تعد تكتيكا إرهابيا حكوميا منظما, يهدف إلى إرهاب المعارضين وإشعارهم بعجز هذه الحكومة عن توفير الحماية لهم من بطش الأوغاد والمنفلتين, وبالتالي سيكون عليهم فهم الرسالة جيدا للحفاظ على أرواحهم بالانزواء أو مغادرة الساحة السياسية لصالح السلطة وأحزابها, حتى وان قادت هذه الاغتيالات إلى التسليم بان هذه السلطة لا تتحكم بمجريات الأحداث وإنها اضعف من فرض هيبة القانون.

من المعلوم إن إحدى المهام الرئيسية للدولة, هو في تحملها مسؤولية خلق الاستقرار في البلاد لإجهاض أية محاولة لنشوء معارضة تستثمر حالة اللااستقرار لزيادة قوتها, ولكن عادة ما تكون مكونات النظام السياسي لاعبا رئيسيا في ارتكاب العديد من هذه الجرائم عندما تتسبب في إفشال الحكومة من تحقيق الاستقرار. وبالنتيجة, فان البيئة السياسية الفوضوية توفر مساحة واسعة لظهور المعارضة القوية, وبالتالي، لا ينبغي لنا أن نفاجأ بأن يكون المعارضون الناشطون هم الأكثر عرضة للاغتيال, مع منح الحكومة مليشيا النخب السياسية الحاكمة شرعية اتخاذ تدابير قمعية لمنع نمو "المعارضة القوية" وحماية النظام السياسي, ولو تمعنا في تأثير الاغتيالات المختلفة، نلحظ إنها قد أحدثت تراجعا مخيفا في الطبيعة الديمقراطية للنظام السياسي, ورفعت من وتيرة العنف المجتمعي وحالة اللااستقرار, وقد يبدو إن اغتيال قادة المعارضة له تأثير محدود على طبيعة النظام السياسي في ظل حماية القوى الدولية المؤثرة وتأييدها له، ولكن هذا لا يمنع من أن تؤدي حوادث الاغتيال إلى زيادة الاضطرابات العامة والعنف المجتمعي, حيث غالبًا ما تتبع الاغتيالات اضطرابات عامة, وهذا واضح من خلال المظاهرات المتنامية المناهضة للنظام السياسي وتأثيرها السلبي في شرعيته.
وثمة نتيجة أخرى تزيد من عمليات التصفيات الجسدية, وهي أن تعدد مراكز القوى ضمن النظام السياسي الواحد يرتبط بعلاقة طردية مع زيادة حوادث الاغتيال, حيث إن تخلي الحكومة عن صلاحياتها كقوة شرعية, وفقدان زمام سيطرتها أمام سطوة المليشيات, يقود الى محاولة كل قوة إزاحة منافسيها عن طريق الاغتيالات لتعزيز نفوذها وتكريس وضعها كحكام شرعيين وحيدين للنظام السياسي, وهذا بالنتيجة يؤدى الى إطلاق يد مليشيات هذه القوى كأفراد فوق القانون, مع كل ما تحتويه من قتلة مأجورين وأرباب سوابق, وهذه هي العناصر المطلوبة لتنفيذ جرائم الاغتيال والقتل الجنائي.

من البديهي إن نظاماً سياسياً يفتقر إلى الأخلاق السياسية, ويعد من افسد الأنظمة في العالم. ويستند الى ثلاث ركائز هشة مرفوضة من الشعب هي (الشراكة- التوافق- التوازن) تسببت في انهيار الولاء الوطني وشيوع الولاءات الفرعية. ان يكون قابل للانهيار في أي وقت ما لم يستمر رعاة هذا النظام بتوفير الحماية له بالطرق غير الشرعية, وإجهاض مسعى المعارضون او الجماعات المضطهدة سياسياً ودينياً واجتماعياً في تنظيم أنفسهم في معارضة قوية, وان احتمال شن الهجمات الغادرة ضد المعارضين يتصاعد يوما بعد آخر. ويمكن العثور على أحد الأمثلة الأكثر وضوحًا لهذه الديناميكية مع ما شهدته البلاد مؤخرا من اغتيالات واعتقالات طالت العديد من الشخصيات المعارضة وشخصيات هامشية أخرى وظف مقتلها لإلهاء الشارع وإبعاد تركيزه عن الأهداف الحقيقية المستهدفة الى ظل الأهداف لحماية الحكومة والنظام السياسي، وبما أن حالة اللااستقرار السياسي والاضطرابات تميل إلى الظهور بشكل أساسي في أوقات العمليات الانتخابية وتسبق تشكيل الحكومات او بعيد تشكيلها، فلا ينبغي للمرء أن يدهش إلى أن هذه الفترات تتميز بزيادة ملحوظة في العنف المجتمعي وتكون فيها البلاد أكثر عرضة للتصفيات الجسدية.

رئيس الرابطة الوطنية للمحللين السياسيين

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي