إيران وإسرائيل والملف النووي

نهاد ابو غوش
2025 / 10 / 17

إسرائيل كانت وما زالت حاضرة ومؤثرة على امتداد أزمة المشروع النووي الإيراني، وكانت أبرز محطات هذا الحضور نجاحها في إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى بإلغاء الاتفاق النووي الذي أبرم خلال ولاية الرئيس باراك أوباما، وتجدد هذا التاثير والتدخل خلال ولاية ترامب الثانية، وطوال هذا المسار لا تخفي إسرائيل أهدافها فهي تريد تفكيك المشروع النووي الإيراني برمته أي وفق النموذج الليبي: التخلص من كل المنشآت النووية بما يشمل كميات اليورانيوم المخصب، ومنع التخصيب، والتخلص من أجهزة الطرد المركزي، بل ومن منظومة الصواريخ البالستية التي تدعي إسرائيل أنها جرى تطويرها لكي تتمكن من حمل رؤوس نووية.
وما تريده إسرائيل كذلك هو إقحام الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية مع إيران، وبذلك تضمن تفوقا حاسما ضد إيران بينما من المشكوك فيه أن تتمكن إسرائيل من القضاء على المشروع النووي عسكريا لأن المنشآت النووية منتشرة على امتداد مساحة مساحة إيران البالغة 1648 كم2 ، كما أن الرد الإيراني قد يكون قويا ومؤثرا وقد يطال المصالح الأميركية في المنطقة أو يؤثر عليها – مثل التاثير على إمدادات النفط- وهنا لا بد من الإشارة أن ما يخيف إسرائيل ويقلقها ليس السلاح النووي الإيراني كما تزعم الرواية الصهيونية، بل القدرات الصناعية والعلمية والاقتصادية الإيرانية، التي تجعل إيران خصما عنيدا يهدد أطماع إسرائيل في الهيمنة على الإقليم.
هناك إشارتان قويتان على أن إسرائيل ما زالت تستخدم سبلا علنية مكشوفة، وأخرى غير مكشوفة في التاثير على القرار من بينها، قيام الرئيس ترامب بإقالة مستشار الأمن القومي مايك والتز لكونه يتبنى موقف إسرائيل الذي لم يرق للرئيس الأميركي، والتحذير العلني الذي كشف النقاب عنه من قبل ترامب لنتنياهو بعدم القيام بما يمكن أن يخرب فرص الاتفاق.
المؤشرات تدل على أن ثمة فرصا جدية لإبرام اتفاق أميركي ايراني وهذا يزعج إسرائيل، لكنها لا تستطيع العمل وحدها، صحيح أن هناك فجوة أو فجوات، لكنها قابلة للتجسير بحسب مختلف الشهادات، ويبدو أن العقدة تتركز في حق إيران في التخصيب من عدمه، ومصير الكميات المخصبة حيث تبدي إيران تمسكا شديدا بحقها في التخصيب الذي يعد مفتاحا للمعرفة العلمية والتقنية. علما بأن هناك دولا صغيرة في الإقليم لديها برامج لتطوير استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، ومن هذه الدول الأردن والإمارات العربية وقبرص فضلا عن امتلاك إسرائيل نحو 200 رأس نووي بحسب شهادات مراقبين ومختصين.
لا بد من الإشارة إلى الفارق الجوهري في نظرة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل للموضوع الإيراني، إسرائيل ترى في إيران خصما وجوديا يهدد بقاءها، أو يهدد طموحها للهيمنة، وبالتالي لا ترى إلا خيار القوة، ولكنها ليست قوتها المجردة بل قوة الولايات المتحدة والغرب وحلفائهما الاقليميين. بينما تنظر الولايات المتحدة لإيران كدولة مزعجة أو مشاكسة ولكن يمكن التعامل معها بوسائل عديدة غير الخيار العسكري، ومن ضمن ذلك العقوبات الاقتصادية والحصار وكذلك الإغراءات والحوافز، أميركا استطاعات وتستطيع التعامل مع دول تملك فعليا أسلحة نووية مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية، فضلا عن القوتين الاسيويتين الهند وباكستان.
الخيار العسكري الاسرائيلي يبقى قائما لكنه صعب في ظل غياب ضوء اخضر اميركي، وغياب الرغبة الاميركية في المشاركة، الرئيس ترامب اعلن مرارا أنه يريد انهاء الحروب، وبالتالي الأرجح أنه سيكون ميالا لإبرام صفقات وليس التورط في حروب لا يمكن معرفة نتائجها، صحيح أن التفوق الأميركي حاسم، لكن نتائج الحرب قد تكون مكلفة بالنسبة لحلفاء أميركا وقواعدها العسكرية القريبة من ايران واسعار النفط. التفوق العسكري ليس ضمانة للانتصار وثمة أمثلة كثيرة في التاريخ الأميركي الحديث في افغانستان والعراق ومؤخرا مع جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن.
كما أن القدرات العسكرية الإسرائيلية ليست مضمونة لتحقيق انجاز حاسم، فاسرائيل تستطيع ضرب اهداف ايرانية لكنها لا تستطيع القضاء على المشروع النووي، وهي بحاجة لتسيير عشرات الطائرات ذهابا وايابا لمسافة تتراوح بين 1500-2000 كم، ومع أنها حصلت على طائرات تزويد بالوقود، ولكن بدون محطات وسيطة أو قطع بحرية قريبة من ايران سيكون من الصعب تنفيذ ضربات قاصمة، وسيكون من الصعب كذلك توقع الرد ايراني الذي سيكون بلا شك أقوى عشرات المرات من ضربات الحوثي وحزب الله، ولا سيما وأن اسرائيل وجيشها في حالة من الارهاق والاستنزاف بعد 20 شهرا من الحرب في غزة.
الأوراق الإقليمية متداخلة، ولكن لا يمكن النظر إلى هذه الملفات وكأنها مجرد ملفات إيرانية تستخدمها كما تشاء، فالقضية الفلسطينية والمقاومة قائمة قبل الثورة الإيرانية بعشرات السنين، إسرائيل تدعي أن قوى المقاومة الفلسطينية – كما هو حزب الله وجماعة انصار الله- هي مجرد اوراق ايرانية، لكن الواقع أعقد من ذلك بكثير فحزب الله وانصار الله كل منهما مكون سياسي واجتماعي مهم في بلدهن والمقاومة الفلسطينية هي الرد الطبيعي على الاحتلال، وبالتالي الدعم الايراني للمقاومة – وهو أمر معلن ومكشوف- لا يعني أن المقاومة الفلسطينية ورقة ايرانية تستخدمها ايران أو يستخدمها الآخرون ضد ايران.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي