|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
أكد الجبوري
2025 / 10 / 17
موسيقى:
بإيجاز:(75) بيتهوفن: غرفة في المنزل الإسباني الأسود: ملاذ بيتهوفن الأخير/ إشبيليا الجبوري - ت: من اليابانية أكد الجبوري
… تابع
- غرفة في منزل الإسباني الأسود: ملاذ بيتهوفن الأخير؛
بحلول شتاء عام 1827()، انزوى لودفيغ فان بيتهوفن في ما سيكون الفصل الأخير من حياته المضطربة: شقة قاتمة مظلمة في منزل الإسباني الأسود بفيينا. وهو دير سابق متقشف سُمي على اسم الرهبان الإسبان ذوي الرداء الأسود الذين سكنوه(). كان المبنى نفسه يلوح في الأفق الكئيب فوق حي ألزرغروند()، الذي اتسم أصلاً بسمعة كئيبة()، وتردد في داخله صدى صمت رهباني وبرودة صلوات منسية.()
كان مسكن بيتهوفن متواضعاً إلى حد الخراب(). كانت غرفته تقع في الطابق الأول - مساحة طويلة ضعيفة الإضاءة، بنافذة ضيقة وحيدة تُطل على فناء()، تحجب معظم ضوء النهار. صرّ خشب الأرضيات تحت الأقدام، والجدران، التي كانت مطلية بالجير الأبيض، قد اكتسبت لوناً باهتاً. عُلِّقَ صليبٌ قرب السرير - بسيطٌ، كاثوليكيٌّ()، صامتٌ - ولعلّ وجوده كان رمزيًا لمن حوله أكثر منه لبيتهوفن نفسه، الذي ازدادت معتقداته الدينية غموضًا ()وشخصيةً على مرّ السنين.
كانت الغرفة مُفرَشةً: سريرٌ ثقيلٌ ذو إطارٍ حديديّ مُغطّى بأغطيةٍ صوفيةٍ سميكةٍ للحماية من البرد المُستمرّ؛ وطاولةٌ خشبيةٌ مُبعثرةٌ عليها قصاصاتٌ من ورق المخطوطات والمراسلات؛ وبيانوٌ مُتهالكٌ، صامتٌ الآن، مفاتيحه سليمةٌ إذ لم يعد بيتهوفن يسمع أو يستجمع قواه للعزف(). وفي الجوار، كان هناك رفٌّ يحمل أغراضًا شخصيةً صغيرةً - مرآةٌ، ومجموعةُ حلاقةٍ()، وزجاجةُ نبيذٍ، وربما بعضُ النوتات الموسيقية الثمينة لباخ وهاندل وموتسارت(). كان وجودُ هؤلاء الأساتذة مصدرَ راحةٍ له، حتى في صمته.
كانت دفاتر بيتهوفن للمحادثات، التي كانت يومًا ما وسيلةً لا غنى عنها للحوار مع الأصدقاء والزوار، مُهمَلةً في معظمها.() وسرعان ما خارت قواه في هذه الأسابيع الأخيرة(). كان كاتب الأفكار والنقاشات والنكات والخطط، الذي كان مفعمًا بالحيوية()، يستريح الآن مغمض العينين لفترات طويلة(). وعندما كان يتحدث، كان يتحدث بصعوبة - صوته منخفض، أجش، وبطيء(). أحيانًا، كان يكتفي بالإشارة أو إيماءة خفيفة، بريق وعي في عينيْه اللتين كانتا تتوهجان يومًا بحماسة.
خارج بابه، كان الأصدقاء والزوار يأتون ويذهبون - ربما زاره أو استفسر عنه شيندلر (1795-1864)()، وأنسيلم هوتنبرينر(1794-1868)()، وممثلو دار (بريتكوف وهارتل) [= دار نشر موسيقية ألمانية. تأسست عام 1719 في لايبزيغ.]()، وحتى فرانز شوبرت (1797-1828)()، الذي كان يسكن بالقرب منه. أحضر بعضهم الطعام، والبعض الآخر الدواء، وقليل منهم جلب الأمل - لكن الجو كان أشبه بمراقبة الموت. كانت رائحة الصوف الرطب والحطب والمقويات المرّة التي أعدها طبيبه، الدكتور أندرياس فاوروخ (1782-1842)()، الذي لاحظ تليف الكبد المتقدم والاستسقاء لدى الملحن مع يأس متزايد. في تلك الغرفة المعتمة بمنزل الإسباني الأسود، صمدت روح بيتهوفن الشامخة. لم يعد ذلك الرجل المتمرد ذو الشعر الأشعث في "حصار البطولة"()، ولا "بروميثيوس المنهك"() في سوناتا "المطرقة"(). كان رجلاً أعزلاً من القوة البدنية، لكنه بلا كرامة - رجل عاش من أجل الموسيقى، ولم يعد يسمعها، ومع ذلك كتب بعضًا من أعمق أعمال حياته خلال هذا الانحدار بالذات.
يتبع...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيــو ـ 10/17/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).
|
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |