المؤسسة الملكية في المغرب وديناميات الأزمة الاقتصادية: مقاربة تحليلية

فريد بوكاس
2025 / 10 / 16

ألمانيا: فريد بوكاس، صحفي باحث و ناشط سياسي

ملخص

يهدف هذا البحث إلى تحليل العلاقة بين البنية السياسية للمؤسسة الملكية في المغرب والأزمة الاقتصادية التي تعرفها البلاد خلال العقود الأخيرة. يرتكز التحليل على قراءة نقدية للتداخل بين السلطتين السياسية والاقتصادية، مع محاولة تفكيك آليات صنع القرار وتأثيرها على التنمية والعدالة الاجتماعية. يعتمد المقال على منهج وصفي تحليلي، ويستند إلى تقارير رسمية ودراسات أكاديمية مغربية ودولية.

مقدمة

تُعتبر المؤسسة الملكية في المغرب محور النظام السياسي وضامن استمراريته، إذ يشكل الملك رأس الدولة ورمز وحدتها، كما يحتفظ بسلطات تنفيذية ودينية وتشريعية واسعة. غير أن هذا التمركز السلطوي يثير تساؤلات عميقة حول أثره على الأداء الاقتصادي للدولة.
فمع تصاعد مؤشرات المديونية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، يتزايد الجدل حول ما إذا كانت البنية السياسية المركزية للمؤسسة الملكية تساهم في إعاقة التحول الاقتصادي، أم أنها تمثل عامل استقرار ضروري لتفادي الانهيار الاجتماعي.
ينطلق هذا المقال من الإشكالية التالية:

إلى أي حد يمكن اعتبار طبيعة المؤسسة الملكية في المغرب أحد الأسباب البنيوية للأزمة الاقتصادية الراهنة؟

أولًا: البنية السياسية والاقتصادية للمؤسسة الملكية

تتمتع المؤسسة الملكية في المغرب بصلاحيات دستورية واسعة تجعلها تتجاوز الدور الرمزي إلى ممارسة سلطة تنفيذية فعلية. فرغم دستور 2011 الذي نصّ على مبدأ فصل السلط، ما تزال المؤسسة الملكية تحتكر المبادرات الاستراتيجية، خصوصًا في المجالات الاقتصادية الكبرى.

1. الدور الاقتصادي للهولدينغ الملكي

تُعتبر مجموعة المدى (التي كانت تُعرف بـ"الشركة الوطنية للاستثمار") أحد أهم الفاعلين الاقتصاديين في المغرب، حيث تمتد استثماراتها إلى قطاعات حيوية كالبنوك والطاقة والاتصالات والعقار والمناجم.
هذا الحضور الاقتصادي الواسع يجعل من المؤسسة الملكية فاعلًا اقتصاديًا مهيمنًا، مما يطرح إشكالية تضارب المصالح بين الدور السياسي كمنظم للسوق، والدور الاقتصادي كمشارك في المنافسة.

2. أثر التمركز السلطوي على السياسات العمومية

القرارات الاقتصادية الكبرى غالبًا ما تُتخذ في إطار توجيهات ملكية أو مبادرات شخصية للملك (مثل الرؤية الإفريقية، المخطط الأخضر، النموذج التنموي الجديد).
ورغم ما تحققه هذه المشاريع من نتائج جزئية، إلا أنها تغيب عنها آليات المساءلة والمراقبة البرلمانية، مما يؤدي إلى ضعف الشفافية وغياب تقييم موضوعي للأداء.

ثانيًا: مؤشرات الأزمة الاقتصادية وبنيتها الهيكلية

تشير المعطيات الرسمية إلى أن الاقتصاد المغربي يعاني من هشاشة بنيوية، تتجلى في:

ارتفاع الدين العمومي إلى أكثر من 70٪ من الناتج الداخلي الخام؛

بطء النمو الاقتصادي (بمعدل لا يتجاوز 3٪ في العقد الأخير)؛

اتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية؛

اعتماد مفرط على التحويلات الخارجية والاستثمارات الأجنبية المباشرة.

يُرجع عدد من الباحثين هذه الأوضاع إلى نموذج تنموي ريعي يقوم على التحالف بين السلطة السياسية والنخب الاقتصادية المرتبطة بها، حيث تُوجه الموارد نحو مشاريع غير إنتاجية تخدم استقرار النظام أكثر مما تخدم التنمية الشاملة.

ثالثًا: المؤسسة الملكية بين الشرعية التاريخية ومتطلبات التحول

من الناحية التاريخية، شكلت الملكية عامل تماسك وطني في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. إلا أن الشرعية التاريخية لم تعد كافية في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة.
فالمجتمع المغربي بات يطالب بمزيد من الشفافية والمحاسبة وفصل المصالح الاقتصادية عن القرار السياسي.

وهذا يتطلب، وفق عدد من المفكرين المغاربة، إعادة تعريف دور المؤسسة الملكية باعتبارها ضامنًا للتوازنات الدستورية لا فاعلاً مباشراً في السوق الاقتصادي.

خاتمة

تُظهر القراءة التحليلية أن الأزمة الاقتصادية في المغرب ليست نتاج سياسات حكومية قصيرة المدى، بقدر ما هي نتيجة لبنية سلطوية متمركزة في يد المؤسسة الملكية التي تجمع بين السلطة السياسية والهيمنة الاقتصادية.
لكن في المقابل، تمتلك المؤسسة الملكية القدرة والإرادة لقيادة تحول حقيقي نحو نموذج تنموي أكثر عدلًا واستدامة، شرط أن يتم الفصل بين أدوارها الرمزية والاقتصادية، وتفعيل آليات المحاسبة والمراقبة الديمقراطية.
إن بناء اقتصاد قوي ومستقل في المغرب يمر أساسًا عبر إصلاح العلاقة بين السلطة والثروة، وتحرير القرار الاقتصادي من منطق الولاء السياسي.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي