|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

عماد حسب الرسول الطيب
2025 / 10 / 16
يتموضع الإعلام في السودان داخل البنية الفوقية للنظام الرأسمالي التابع كأداة طبقية لإعادة إنتاج علاقات الهيمنة [1]. فالطبقة المسيطرة، منذ تشكل الدولة الحديثة، أدركت أن السيطرة على الوعي الجمعي تمثل ضرورة تاريخية لضمان استمرار هيمنتها المادية. إن وظيفة الإعلام هنا تتجاوز نقل الوقائع إلى صياغة الوعي ذاته، فيتحول من ناقل للأخبار إلى جهاز أيديولوجي يعيد إنتاج التبعية عبر التمثيلات الرمزية والخطاب المهيمن.
تشكل الإعلام السوداني في رحم البنية الكولونيالية، حيث صاغ المستعمر خطابه على أسس عنصرية وثقافية لتبرير مشروعه الاستعماري [2]. ومع الاستقلال الشكلي، لم تقم البرجوازية الوطنية بتفكيك هذه البنية بل أعادت توظيفها لخدمة مصالحها الطبقية الضيقة، فتحول الإعلام إلى حلقة وصل بين رأس المال السياسي والرمزي في عملية متكاملة للهيمنة. وفي مرحلة النيوليبرالية، تداخلت مصالح الرأسمالية الطفيلية مع الأجهزة العسكرية والأمنية في بناء منظومة إعلامية جديدة، تظهر بمظهر السوق الحر بينما تخفي في جوهرها إخضاع الوعي الشعبي لمتطلبات إعادة إنتاج النظام الطبقي [3].
لا يقتصر إنتاج الوعي الزائف على التضليل المباشر، بل يمتد إلى إعادة تعريف المفاهيم الأساسية ذاتها [4]. فالثورة تتحول إلى فوضى، والمطالب الطبقية إلى نزاعات فئوية، والاستقرار يقدم كقيمة مطلقة تعلو على الحقوق الأساسية. هذا التلاعب الدلالي يشكل آلية مركزية من آلات السيطرة الأيديولوجية، حيث يفقد الناس خلالها القدرة على إدراك موقعهم الحقيقي في علاقات الإنتاج، فيتحول الصراع الطبقي إلى مجرد خلافات ثقافية أو هوياتية.
مع صعود الإعلام الرقمي، بدا للكثيرين أن الفضاء الافتراضي سيفتح آفاقاً للتحرر من احتكار السلطة للمعلومة. غير أن البنية الاقتصادية التقنية لهذا الإعلام، القائمة على الخوارزميات التجارية والتمويل الموجه، أعادت إنتاج آليات السيطرة بأشكال أكثر تعقيداً وخفاء [5]. فالمحتوى الثوري يخضع للحجب عبر آليات السوق، بينما تروج الخطابات الإصلاحية التي تفرغ الصراع من مضمونه الجذري. وهكذا تندمج الثورة المضادة في البنية التقنية ذاتها التي بدت للبعض وكأنها حليف للتحرر.
تشكل معركة الوعي الجبهة الأكثر تعقيداً في الصراع الطبقي، حيث يبدأ تحرير الإنسان من تحرير وعيه من الأوهام التي تنتجها أجهزة النظام الأيديولوجية [6]. إن بناء إعلام ثوري لا يعني مجرد إنتاج محتوى بديل، بل يتطلب تفكيك العلاقة البنيوية بين الإعلام ورأس المال، وبناء مؤسسات إعلامية جماعية تعبر عن مصالح الطبقات الكادحة بحق. فالمعركة ضد الوعي الزائف تمثل في جوهرها معركة ضد الشكل الرمزي للهيمنة الطبقية، وهي معركة لا يمكن الفوز فيها إلا حين تلتقي الكلمة مع الممارسة في فضاء التحرر الحقيقي.
"إن السيطرة على العقول هي الشكل الأرقى للهيمنة الطبقية."
النضال مستمر،،
--------------------------
المراجع:
[1] Althusser, L. (1971). Ideology and Ideological State Apparatuses. Verso.
[2] Mamdani, M. (1996). Citizen and Subject: Contemporary Africa and the Legacy of Late Colonialism. Princeton University Press.
[3] Harvey, D. (2005). A Brief History of Neoliberalism. Oxford University Press.
[4] Chomsky, N. & Herman, E. (1988). Manufacturing Consent: The Political Economy of the Mass Media. Pantheon Books.
[5] Zuboff, S. (2019). The Age of Surveillance Capitalism. PublicAffairs.
[6] Gramsci, A. (1971). Selections from the Prison Notebooks. International Publishers.
|
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |