أين ذهبت الجمل المضيئة في المسرح العربي؟

حسام موسي
2025 / 10 / 15

بخلاف الشعر والرواية، نادرًا ما يجد القارئ في النصوص المسرحية العربية الحديثة جملةً تُغويه بالاقتباس، أو مقطعًا يتجاوز زمن العرض ليعيش كحكمة أو شذرة في الذاكرة. فبينما امتلأت قصائد نزار قباني ومحمود درويش بعبارات أصبحت أيقونات ثقافية، وامتلأت روايات نجيب محفوظ وغسان كنفاني بسطور تتداولها الأجيال، تبدو كثير من النصوص المسرحية المعاصرة خالية من ذلك الوميض اللغوي الذي يشعل الخيال ويستفز الفكر.

وربما تكمن أهمية "الجملة المضيئة" في المسرح في قدرتها على تخليد لحظة درامية، وتكثيف معنى إنساني يتجاوز حدود العرض إلى فضاء الوعي الجمعي. فهي ليست مجرد عبارة جميلة، إنما ومضة فكرية تلتقط جوهر الصراع الإنساني، وتربط بين المتفرج والحدث بلغةٍ تجمع الشعر بالفكر، والعاطفة بالتأمل. إنها تلك الجملة التي تُقال على الخشبة، فتصبح مرجعًا يُستعاد كلما تكررت الأسئلة نفسها في الحياة.

ربما يرتبط غياب هذا اللمعان اللغوي بطبيعة الفن المسرحي ذاته؛ فالمسرح، بخلاف الشعر أو الرواية، يعتمد على الحدث والصراع والموقف أكثر من اعتماده على الجملة اللامعة. غير أن هذا لا يفسّر وحده التراجع اللغوي والفكري الذي أصاب كثيرًا من الكتابات الجديدة، حيث باتت اللغة اليومية البسيطة، التي تقترب أحيانًا من حدود التكرار والاعتياد، تطغى أحيانًا على عمق الفكرة وجمال التعبير، في سعيٍ نحو الواقعية قد يبتعد عن الوهج الفني. وربما ساهمت في ذلك سياقات الإنتاج المسرحي السريع وضغوطه، التي تدفع أحيانًا لتبنّي لغة مباشرة وسريعة على حساب البعد الجمالي والتأملي.

ومع ذلك، فإن غياب الجملة المضيئة لا يعني أن المسرح العربي لم يعرفها من قبل، وإنما إن تاريخه زاخر بها في مراحل ازدهاره. ففي مسرح سعد الله ونوس نجد جُملاً مثل قوله في الملك هو الملك: «الناس لا يرون إلا ما يُقال لهم أن يروه»، وهي جملة تختصر رؤية فلسفية عن السلطة والتزييف. وفي مسرح محفوظ عبد الرحمن، وتحديدًا في ليالي الحصاد أو حفل للمجنون، نجد لغة تفيض بالحكمة والرمز، حيث تتجاور الجملة الشعرية بالفكرة العميقة دون أن تفقد المسرحية نبضها الدرامي. كذلك كتب ألفريد فرج في الزير سالم: «الدم لا يغسل بالدم، لكنه يجرّ إليه»، وهي جملة تلخّص مأساة الانتقام في عبارة خالدة.

غير أن هذا البعد الفلسفي والبلاغي أخذ يتراجع مع صعود المسرح التجريبي والواقعي الجديد، الذي فضّل أن يتحدث بلسان الشارع لا بلسان الشعر، ففقدت النصوص جزءًا من بريقها اللغوي. لقد انتصر التعبير المباشر على المجاز، والفكرة العاجلة على التأمل البعيد. ومع أن هناك محاولات معاصرة لتجديد اللغة المسرحية والحفاظ على وهجها – كما في بعض أعمال كتاب مثل ليلى سليمان أو وليد علاء الدين – إلا أنها تبقى استثناءً في مشهد عام تطغى عليه الواقعية المفرطة، والتواصل السريع على حساب الكلمة الخالدة.

ولعل السؤال الذي يبقى مطروحًا اليوم:
هل يمكن للمسرح العربي أن يستعيد تلك "الجملة المضيئة" التي تُقال على الخشبة وتبقى في الذاكرة بعد انطفاء الأضواء؟ أم أن زمن البلاغة المسرحية قد انقضى إلى غير رجعة؟

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي