حين يفكر القلب ويتكلم الجمال

محمد بسام العمري
2025 / 10 / 15

نزار قباني، الشاعر السوري المعروف برومانسيته الفائقة وشاعريته الرقيقة، يعبر في هذا الاقتباس عن الجانب الفلسفي للعاطفة. فهو يرى أن الحب ليس مجرد مشاعر متبادلة، بل هو قدرة على منح الآخر مكانة استثنائية تعكس الحب والتقدير. هذه الفكرة تتجاوز الأبعاد التقليدية للحب لتصل إلى مفهوم أكثر عمقًا يتجلى في إعطاء الحبيبة اسمًا خاصًا يعبر عن خصوصية العلاقة.
"المرأة التي تحبها، اجعل لها اسمًا جميلاً مختلفًا لا يناديها به أحد غيرك". هذا الاقتباس يعبر عن مفهوم خاص للعاطفة والحب، حيث يرمز الاسم الجميل والمختلف إلى التميز والتفرد في العلاقة، ويعكس رغبة الشاعر في منح المحبوبة مكانة خاصة لا ينافسه فيها أحد.
ويليام شكسبير: في مسرحيته "روميو وجولييت"، نجد أن الاسم يلعب دورًا كبيرًا في الحب. يقول روميو: "ما هو الاسم؟ ما نسميه وردة بأي اسم آخر ستظل رائحته عطرة." هنا، يبرز شكسبير فكرة أن الحب يتجاوز الأسماء والألقاب، ولكنه في الوقت نفسه يمنح الحبيب تميزًا وتفردًا.
جون كيتس: الشاعر الإنجليزي الرومانسي، في قصيدته "إلى الحورية"، يعبر عن جمال الحب في تفاصيله الصغيرة، حيث يمنح المحبوبة أسماء وصفات تعبر عن جمالها وتفردها في عينيه.
مارسيل بروست: في روايته "البحث عن الزمن المفقود"، يتناول بروست فكرة الحب والتفرد في العلاقة من خلال منح الشخصيات أسماء وصفات خاصة تعبر عن مكانتهم الفريدة في قلب الراوي.
الفلسفة تعمق مفهوم التفرد في الحب من خلال تحليل العلاقات الإنسانية وتأكيد أهمية التميز والخصوصية في تعزيز الروابط العاطفية. الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر يناقش في فلسفته الوجودية أن الحب الحقيقي ينبع من الاعتراف بالآخر ككيان مستقل وفريد. ومن خلال منح الحبيبة اسمًا خاصًا، يعبر الشاعر عن هذا الاعتراف بالتفرد والخصوصية.
الاقتباس من نزار قباني يحمل بين طياته رسالة عميقة عن الحب والتفرد. منح المحبوبة اسمًا جميلاً ومختلفًا يعبر عن مكانتها الفريدة في قلب المحب، وهو تعبير عن الاعتراف بخصوصية العلاقة وتقدير الفردية. تتجلى هذه الفكرة في الأدب العالمي والفلسفة، مما يبرز أهمية الخصوصية والتفرد في تعزيز الروابط العاطفية والإنسانية.



فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً
فالصمتُ في حَرَم الجمال جمالُ
كَلِماتُنا في الحُبِّ تقتلُ حُبَّنَا
إن الحروف تموت حين تُقالُ
قصص الهوى قد أفسدتك .. فكلها
غيبوبةُ .. وخُرافةٌ .. وخَيَالُ
الحب ليس روايةً شرقيةً
بختامها يتزوَّجُ الأبطالُ
لكنه الإبحار دون سفينةٍ
وشعورنا أن الوصول محال
في البيت الأول، يشير نزار قباني إلى أن الصمت أمام الحسن هو في حد ذاته جمال. هذا المعنى يعكس عمقًا فلسفيًا يشبه فكرة إيمانويل كانط حول الجمال، حيث يرى كانط أن الجمال ليس شيئًا يمكن التعبير عنه بالكلمات، بل هو تجربة شعورية تتجاوز التعبير اللغوي. الصمت هنا ليس مجرد غياب للكلام، بل هو تجسيد للحظات تأملية يعيشها الإنسان أمام عظمة الجمال.
في هذا السياق، يمكن أيضًا استحضار فكرة الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور الذي قال: "الموسيقى تبدأ حيث تنتهي الكلمات" ليعبر عن أن هناك جوانب من التجربة الإنسانية لا يمكن التعبير عنها بالكلمات، والصمت أو الفن يمكن أن يكونا وسائل للتعبير عن هذه الجوانب.
في البيتين التاليين، يقول نزار إن الكلمات في الحب تقتل الحب، وإن الحروف تموت حين تُقال. هنا يمكننا أن نستحضر فلسفة لودفيج فيتجنشتاين، الذي يعتقد أن حدود لغتنا هي حدود عالمنا، وأن ما لا يمكن التعبير عنه بالكلمات يجب أن يُصمت عنه. في هذا السياق، يرى قباني أن الحب هو من الأمور التي تعجز اللغة عن احتوائها أو التعبير عنها بشكل كامل، وأن محاولة صياغة الحب بالكلمات يمكن أن تؤدي إلى تحطيم جوهره الحقيقي.
يمكننا أيضًا أن نتذكر مقولة الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا الذي أشار إلى أن "كل كلمة هي خيانة"، مشيرًا إلى أن الكلمات قد تفتقر إلى القدرة على نقل المعنى الكامل للتجربة الإنسانية، وخصوصًا في حالات الحب العميقة والمعقدة.
نزار قباني يرى أن قصص الهوى التي تروى قد أفسدت مفهوم الحب الحقيقي، مشيرًا إلى أن تلك القصص ليست سوى غيبوبة وخرافة وخيال. يمكن مقارنة هذا الفكر بالفيلسوف الفرنسي جان بودريار، الذي يتحدث عن مفهوم "الواقع الفائق" (Hyperreality) حيث تصبح النسخ أو التمثيلات الخيالية أكثر واقعية وتأثيرًا من الواقع نفسه. القصص الرومانسية قد تخلق توقعات غير واقعية عن الحب، مما يؤدي إلى خيبة الأمل عند مواجهة الواقع.
في البيتين الأخيرين، يصف نزار الحب بأنه ليس رواية شرقية بختامها يتزوج الأبطال، بل هو الإبحار دون سفينة، وشعور بأن الوصول محال. هذا التشبيه يعكس فلسفة الوجودية، كما يراها جان بول سارتر، حيث يعتبر أن الحياة هي رحلة مليئة بالتجارب والبحث المستمر عن المعنى دون وجود ضمان للوصول إلى غاية نهائية. الحب هنا هو تجربة وجودية تتجاوز المفاهيم التقليدية، رحلة مستمرة تتسم بعدم اليقين والبحث الدائم.
نستطيع أيضًا أن نستذكر الفيلسوف الصيني لاو تزو الذي قال: "الحياة هي رحلة يجب أن تعيشها، ليس مجرد مشكلة يجب أن تحلها"، مشيرًا إلى أن التجربة الإنسانية هي رحلة بحد ذاتها وليست مجرد هدف يجب الوصول إليه.
أبيات نزار قباني تحمل في طياتها تأملات فلسفية عميقة حول الجمال، والحب، والصمت، واللغة. عبر استخدامه للغة الشعرية العميقة، يعبر قباني عن رؤى فلسفية تلامس الفكر الإنساني العالمي، مما يجعل قصائده ليست فقط عملًا أدبيًا، بل تأملات فلسفية تتجاوز حدود الثقافة والزمان. من خلال استحضار أفكار كانط، شوبنهاور، فيتجنشتاين، دريدا، بودريار، سارتر ولاو تزو، يمكننا أن نرى كيف أن تأملات قباني تتناغم مع الفكر الفلسفي العالمي وتفتح لنا أبوابًا جديدة لفهم الحب والجمال واللغة.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي