خليجان يحرسهما قمر واحد – من أزمنة لا تموت رحلة تأملية بين فاليتا وشنغهاي

مظهر محمد صالح
2025 / 10 / 15

لا تخلو العلاقات المالية بين الأمم من صدفٍ حياتية نادرة تجمعك مع جمال الليل والبحر وهدوء الطبيعة.
فخلال العقدين الأخيرين، كانت فاليتا (Valletta) — المدينة التاريخية الواقعة على الساحل الشرقي لجزيرة مالطا الرئيسة — محطتي الأولى.
تُعد فاليتا من أصغر العواصم الأوروبية مساحةً في وسط البحر المتوسط ، لكنها من أغناها تراثًا وثقافةً، وقد أدرجتها اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي.

كانت زيارتي الاولى إليها في منتصف صيفٍ ساخن من عام 2003 لمتابعة شأنٍ رسمي مهم، وانتهى بي المساء إلى جولة بحرية في قاربٍ يشبه الجندول، يُسمّى “اللوزّو” (Luzzu) — القارب المالطي التقليدي المصنوع من الخشب والمزيّن بالألوان الزاهية.
تُرسم على مقدمته عادةً عين أوزوريس أو عين حورس، رمز الحماية من الأرواح الشريرة.

لفَّ “اللوزّو” ساحل الجزيرة الشرقي ليلًا تحت ظلال القمر، وكان نسيم البحر المتوسط يحاكي مشاعرنا نحن أبناء هذا الشرق المائي، الذين لا ندهش إلا من همس القمر وهو يعكس جماله على سطح الماء. توقفت الأمواج العالية فجأة، وكأن الطبيعة علمت أننا قادمون من بلادٍ أنهكتها عواصف الحروب والصراعات، فلم نكن نطلب إلا وصفةً من السكينة.
كانت تلك الليلة من أجمل ليالي التجوال البحري، تحت حراسة القمر الكوني الواحد.

مرّت سنوات طويلة، وتبدّلت المهام الرسمية، فإذا بـ شنغهاي — المدينة الصينية العظيمة الواقعة على بحر الصين الشرقي، أحد أهم المسطحات البحرية في آسيا والعالم — تكون وجهتي الجديدة.
ذلك البحر، الذي يشكّل جزءًا من المحيط الهادئ، يربط الصين بموانئ اليابان وكوريا وتايوان، ويمنح شنغهاي موقعها التجاري الفريد.

في إحدى الليالي، كنا في قاربٍ صيني تقليدي ينساب بهدوء في خليج شنغهاي، تحفّه الأبنية المعمارية الباذخة التي أخجلها ضوء القمر حين انعكس عليها.
كانت الموسيقى الصينية ترافقنا بألحانٍ لم أفهم لغتها، لكني شعرت أن لحنها يخاطبني:

“إطلالتك عليَّ في خليج فاليتا، لا تختلف عن إطلالتك عليَّ في خليج شنغهاي ،
فالزمان مكانٌ سائل، والمكان زمانٌ متجمّد.”

سألتُ القمر:
– هل لديك رحلة فوق خليج مالطا في ليلتك هذه؟
فأجابني بصمتٍ خاشع:
– إنك ستغادرني الآن، لكني سأكون فوق خليجك في المتوسط حين يحلّ الظلام على بحار بلادك، أيها الرجل القادم من الرافدين.

نظرت إليه، فلم أجد من همسه إلا إيحاءاتٍ تخاطبني:

“ما زلتُ محافظًا على شبابي، أما أنت، فكهولتك منحتني ضياءً جديدًا.
لقد انعكس نوري على خيوط شعرك الأبيض بلمعانٍ كمعادن البلاتين…
ماذا دهاك أيها الرجل من هموم الدنيا؟”

فأجابني ظلي من فوره:
“لا تيأس أيها الرجل، فبين الشعر الأسود والشعر الأبيض، انعقدت صداقةٌ مع ضياء القمر فوق مياه بحارٍ اختلفت جغرافيتها،
لكن القمرَ يبقى ضياؤه واحدًا،
لأن أجمل (التاريخ … ) كما قال شاعر من بحرنا المتوسط …(كان غدًا )…!!!!

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي