|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

عاتية سلام
2025 / 10 / 15
..
وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَنَا سِوَى صَمْتٍ بَارِدٍ، يُخَيِّمُ عَلَى مَا تَبَقَّى مِنَ الحِكَايَةِ كَغَيْمَةٍ رَمَادِيَّةٍ لَا تُمْطِرُ، وَلَا تَرْحَلُ.
كَانَ بَيْنَنَا حَدِيثٌ لَا يَنْتَهِي، نَظَرَاتٌ تَشْتَعِلُ بِلُغَةٍ لَا يَفْهَمُهَا سِوَانَا، وَهَا نَحْنُ الْآنَ... غُرَبَاءُ نَتَقَاسَمُ الْمَسَافَاتِ.
اِنْطَفَأَتْ تِلْكَ النَّظَرَاتُ الْمُلْتَهِبَةُ، كَشَمْعَةٍ أَطْفَأَهَا الاِنْتِظَارُ، وَتَبَعْثَرَ حَدِيثُ الأُمْنِيَاتِ كَمَا يَتَنَاثَرُ الرَّمَادُ فِي وَجْهِ الرِّيحِ؛ هَشًّا، ضَائِعًا، بِلَا وِجْهَةٍ.
وَطَالَ الزَّمَانُ، وَبَاتَتِ اللَّحَظَاتُ تَمْتَدُّ كَأَنَّهَا دَهْرٌ ثَقِيلٌ لَا يَرْحَمُ، يُرَاكِمُ الغِيَابَ فَوْقَ الغِيَابِ.
وَامْتَدَّ البُعْدُ بَيْنَنَا كَصَحْرَاءَ قَاحِلَةٍ، لَا ظِلَّ فِيهَا، لَا مَاءَ، لَا خُطًى مَأْلُوفَةً... فَقَطْ صَمْتٌ شَاسِعٌ، وَسَرَابٌ يَعْكِسُ مَلَامِحَ ذِكْرَى كَانَتْ يَوْمًا حَيَاةً، كَانَتْ دِفْئًا وَسَكَنًا.
وَرَغْمَ كُلِّ هَذَا الْخَرَابِ...
لَا زِلْتَ أَنْتَ الأَوَّلَ فِي زَلَّاتِ لِسَانِي، تَسْبِقُنِي بِاسْمِكَ حَتَّى فِي صَمْتِي، وَكَأَنَّكَ مَحْفُورٌ فِي نَبْضِي.
لَا زِلْتَ أَوَّلَ مَنْ يَخْطُرُ بِبَالِي عِنْدَمَا يَرِنُّ الْهَاتِفُ بِصَوْتٍ خَافِتٍ يُشْبِهُ رَجْفَةَ الاشْتِيَاقِ، تِلْكَ الرَّجْفَةُ الَّتِي تُرْبِكُ الْقَلْبَ، وَتُعِيدُهُ لِلَحْظَةٍ ظَنَّ أَنَّهُ نَجَا مِنْهَا... وَمَا نَجَا.
كيف لي أن أمحوك من فكري، وأنت خلاصة أفكاري؟
كَيْفَ أَنْسَى هَمَسَاتِكَ الَّتِي تَسْرِقُ مِنِّي اِنْتِبَاهِي، كُلَّمَا مَرَرْتُ بِأَحْمَرِ الشِّفَاهِ عَلَى شَفَتَيَّ، أَوْ رَتَّبْتُ
شَعْرِيَ الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ فِي اِتِّجَاهٍ؟
أُدْرِكُ الْآنَ، بَعْدَ فَوَاتِ الأَوَانِ، كَمْ تَجَاهَلْتُ نَبْضَ قَلْبِي الَّذِي كَانَ يَصْرُخُ بِصَمْتٍ، وَكَمْ مَزَّقْتُ أَحْلَامِي بِيَدَيَّ، بِكَلِمَاتٍ وَرَقِيَّةٍ خُدِعْتُ بِبَرِيقِهَا، وَوُعُودٍ بَاهِتَةٍ لَمْ تَكُنْ سِوَى دُخَانٍ مُلَوَّنٍ، زُيِّنَتْ بِأَحْلَى الْعِبَارَاتِ لِتُخْفِي هَشَاشَتَهَا.
قَايَضْتَنِي بِمَشَاعِرِي، صَادَرْتَ دِفْئِي، وَرَبِحْتَ كُلَّ شَيْءٍ... رَبِحْتَ قَلْبِي وَثِقَتِي وَصِدْقَ اِنْتِظَارِي، ثُمَّ مَضَيْتَ... مَضَيْتَ دُونَ أَنْ تَلْتَفِتَ، كَأَنَّنِي لَمْ أَكُنْ سِوَى مَحَطَّةٍ عَابِرَةٍ فِي طَرِيقِكَ الطَّوِيلِ.
وَبَقِيتُ أَحْتَضِنُ صَدْرِيَ الْمُتَجَمِّدَ تَحْتَ وَطْأَةِ الْبَرْدِ وَالْوَحْدَةِ، أَرْتَجِفُ كَغُصْنٍ يَابِسٍ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ. أَلْتَفِتُ فِي كُلِّ اِتِّجَاهٍ، تَتْبَعُ عَيْنَايَ خُيُوطَ الضَّبَابِ الْمُتَرَاقِصَةَ فِي الأُفُقِ، أَبْحَثُ عَنْ ظِلِّكَ بَيْنَ اِلْتِوَاءَاتِ الْهَوَاءِ... حَتَّى لَوْ كَانَ سَرَابًا، يَكْفِينِي أَنْ أَرَاهُ، أَنْ أَتَوَهَّمَكَ، وَلَوْ لِلَحْظَةٍ تَسْكُنُ هَذَا الْفَرَاغَ الثَّقِيلَ.
وَبَقِيتُ مُتَمَسِّكَةً بِخَسَارَتِي، تُوَجِّعُنِي مَرَارَتُهَا... وَيُوَجِّعُنِي الأَمَلُ الَّذِي رَسَمْتُكَ بِهِ.
أَشَدُّ مَا يُؤْلِمُنِي، هُوَ هَذَا الْحَنِينُ الَّذِي لَا يَنْتَهِي، يَغْرِسُ أَنْيَابَهُ فِي قَلْبِي، كُلَّ لَحْظَةٍ، وَيُعِيدُنِي إِلَى وَجْهِكَ الطُّفُولِيِّ، وَنَظَرَاتِكَ الثَّاقِبَةِ الَّتِي لَا تَنْكَسِرُ.
أَنَا الَّتِي صَنَعْتُ حُلْمًا مِنْ وَهْمٍ، وَصَدَّقْتُهُ حَدَّ التَّعَلُّقِ، جَعَلْتُهُ مَلَاذِيَ الْوَحِيدَ، وَكَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ لَا تَقْبَلُ النِّسْيَانَ
ا ليتني لفظتُ أنفاسي، قبل أن تُنهكني نظراتك، وتحوّلني إلى العدم
لكنّي ما زلتُ هنا، أكتبك في الهامش كقصيدةٍ لم تكتمل،
أزرعك بين السطور كشجرةٍ بلا ظلّ،
أُفلتُ منك في الحروف وأبقى أسيرة حنينك في المعنى.
وربّما في يومٍ ما، حين تبهتُ الذكريات وتذوبُ الأسماء،
لن أبحث عنك في الضباب،
لن أفتّش عن سرابك في الهواء،
سأمشي خفيفةً على وجعٍ صارَ ترابًا،
وأتركُ خلفي هذا الحنين المتوحّش،
كما تُتركُ يدٌ كانت تُمسك يدًا
ثم تواصل السير إلى الضوء
سأواصل السير الى النور.
|
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |