السوري… الحلم المؤجل والحرية الغائبة

أكرم شلغين
2025 / 9 / 13

لا أكتب عن سوريا كدولة. أو بلد... بل أكتب عنها كجسد مجعد، تنهد في الظلام ويداه مربوطتان خلف ظهره، وعيناه مغلقتان منذ ولادته… لكن قلبه لا يزال ينبض نبضا خافتا.
ليست المآسي في جغرافيتنا استثناء لكنها قاعدة تُنسج خيوطها من حديد ونار؛ لم يكن الماضي مشرقا، ولا يبدو الحاضر أكثر رحمة للسوري. فالتاريخ الذي قرأناه عن الاحتلال العثماني أو الانتداب الفرنسي بدا وكأنه فصل مظلم مضى، لكننا وجدنا أننا نعيش احتلالات أخرى، أشد وطأة وأكثر قسوة، حين يصبح الوطن سجنا لأبنائه، ويُختزل الشعب إلى مجرد أصوات في طوابير الخبز والوقود والدواء.
لم نعش زمن العثماني ولا الفرنسي، لكننا عشنا احتلالا من نوع آخر. احتلالا داخليا جعل من الوطن سجنا كبيرا، تُغلق أبوابه عند المغيب، وتُصفر قضبانه مع كل فجر. لقد ورثنا "الاستقلال" بجسد منقوص الحرية وروحٍ مثقلة بالخوف. بدءا من الأسد الأب، الذي صاغ دولة القبضة الحديدية، وصولا إلى اللحظة الراهنة، حيث لم يتبق سوى أنقاض وطن وشتات شعب.
عشنا سنوات الخوف والانتظار؛ وعرفنا معنى أن يختفي جار فجراً مع "زوار الليل" فلا يعود، ومعنى أن تُفتش البيوت لا بحثاً عن سلاح، بل عن كتاب أو كلمة أو فكرة. سمعنا الشعارات الرنانة التي تملأ الأفق عن القومية والوحدة والحرية، ورأينا في الوقت نفسه شعبا يقف ساعات طوال أمام المؤسسات، ليخرج بحفنة سكر أو أوقية سمن. رأيتُ الناس تتعلق بوعود "زيادة المعاش"، وكأنها معجزة سماوية، فيما الدواء ينقطع عن المريض، والفرح يُسرق من قلب كل بيت.
تكونت أجيال كاملة في سوريا على هذا الإيقاع الموجع؛ أجيال وُلدت وهي تسمع عن فلسطين، لكن فلسطين لم تكن سوى اسم لفرع أمني يثير الرعب. أجيال عاشت حياتها لا تعرف من هو العدو الحقيقي، لكنها عرفت جيداً أن سعادتها مؤجلة، وأن ضحكتها مراقبة، وأن حريتها مقيدة إلى أجل غير مسمى. حتى الطبيعة لم تفتح لها نوافذها: لا ألوان الخريف، ولا زهر الربيع، ولا شمس مطمئنة تشرق على قلوب مطمئنة.
لقد ثار السوريون مرات عدة عبر التاريخ، لكن الثمن كان دوماً باهظاً، والنتيجة أبعد ما تكون عن تطلعاتهم. فالمأساة الأعمق أن الإنسان السوري لم يشعر يوماً أنه يمتلك زمام المبادرة في بلده، أو دفة القيادة في مصيره. وها هو اليوم، بعد عقود من الألم، ما يزال يجر قيوده الثقيلة، مكبلا بين يدي واقع لا يرحم.
السوري هو الإنسان الذي عاش كل أشكال الخسارة: خسارة الوطن والبيت والأمان، خسارة الأحلام الصغيرة قبل الأحلام الكبيرة، وخسارة المعنى في حياة تُساق يوماً بعد يوم إلى الرماد. ومع ذلك، يظل يحمل في داخله ذلك الحلم المؤجل: أن يكون حراً، بسيطاً، عادياً، مواطناً يعرف أن الفرح حق، وأن الحرية ليست ترفاً بل حياة.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي