اللامنتمي والانعتاق من القطيع: بحثٌ في هُشاشة الانتماء وصراع الفردانية

ثائر ابو رغيف
2025 / 3 / 28

ظاهرة "اللامنتمي" – أو الفرد الذي يرفض الانصهار في الهُويّات الجَماعيّة – تُشكّل تحدياً للأنظمة الاجتماعية والسياسية والدينية التي تُؤسس سلطتها على تجانس المجموع. أما "الانعتاق من القطيع"، فيعني تحرر الفرد من قيود الانتماءات المُسبقة، سواءً أكانت قوميةً أو طائفيةً أو حتى عائلية، بحثاً عن ذاته المُستقلة. هذا الثنائي (الرفض/التحرر) يُثير أسئلةً وجوديةً حول معنى الحرية، وحدود الهُوية، وإمكانية العيش خارج الأطر المُقدَّسة للجماعة
اللامنتمي ليس بالضرورة شخصاً معزولاً، بل هو "المُتمرّد على التصنيفات الجاهزة" برفضه أن يكون رقمًا في معادلة القطيع، حتى لو كلفه ذلك العزلة, فهو يشكك في السرديات الكبرى التي تَفرضها الأديان، الأيديولوجيات، أو القبائل و يُعيد تعريف الانتماء كمُمارسة يومية اختيارية، لا كإرثٍ مُسَلَّمٍ به
مثالٌ تاريخي للامنتمي: "ديوجينز" الفيلسوف الكلبي* اليوناني، الذي عاش في برميل ورفض قيود المجتمع، بحمله فانوساً بوضح النهارقائلاً أبحث في روما عن إنسان شريف. *ألفلسفة ألكلبية أو الفلسفة التشاؤمية Cynicism ينتمي لهذه ألمدرسة ألكثير من الفلاسفة من أشهرهم في قروننا القريبة شوبنهاور.
يختار الإنسان اللاانتماء لإسباب عديدة مثل فقدان الثقة في القطيع أو عندما تتحول الهُوية الجَماعية إلى أداة قمع (كالقومية المتطرفة أو الطائفية)، يصبح الانفصال عنها شكلاً من المقاومة الوجودية
ففي زمن ألعولمة ألحالي يكمن عالمٍ تُذيب فيه الحدودُ الثقافية، يشعر الفرد بغربة مزدوجة: لا هو مُنتمٍ تماماً إلى ماضيه، ولا مُندمجٌ في العولمة السائلة
الحداثوية الفردية رفعت شعار "كن نفسك"، مما خلق تناقضاً مع البُنى التقليدية التي تُقدّس "النحن"

جوانب اللانتماء الإيجابية تتلخص في تحرر الفرد من وصاية القطيع على أفكاره وقراراته و إمكانية بناء هُوية مرنة تتجاوز الحدود الضيقة للانتماءات وأق واسع للإبداع
اما الجوانب السلبية تتمثل ب الاغتراب الوجودي: كما صوره كافكا في رواية "المسخ"، حيث يصبح الفرد غريباً حتى عن جسده, هناك أيضاً فقدان الحماية الرمزية: القطيع يمنح الفرد إحساساً بالأمان، فانتفاؤها يجعله عُرضةً للقلق ألوجوديAngst

من ألفلسفات ألتي دعت إلى "قتل القطيع" داخلك:
الوجودية (سارتر وكامو) إذ تؤكد ألوجودية على أن الإنسان يُخلق حراً، وأن عليه أن يختار وجوده دون أعذار جماعية. تطرقت في مقال سابق عنوانه فصل في الجحيم قول سارتر بإن ألجحيم هوالآخرون
النزعة الفردية (نيتشه) دعا إلى تفكيك القِيَم القطيعية وولادة "الإنسان المتفوّق" الذي يخلق معناه بنفسه
الفلسفة الكلبية (ديوجين) التي رفضت الملكية والتبعية الاجتماعية، واعتبرت الاكتفاء الذاتي طريقاً للحرية
ولكن هل اللاانتماء ممكن حقاً؟ نجد أشرس المتمردين على القطيع ليسوا جزراً منعزلة فاللغة نفسها تُوريث جماعي: فكيف تُفكر خارج المفاهيم التي صنعها الآخرون؟ ايضا قد يقود الهروب من قطيع إلى قطيع جديد: كالمُثقفين الذين يشكلون "قبيلة اللامنتمين"
إذن اللامنتمي لا يرفض الانتماء بشكل مطلق، بل يرفض الانتماء المُغلق الذي يُجمّد روح الفرد. ربما يكون انعتاقه بحثاً عن انتماءٍ أكثر شمولاً: إلى الإنسانية جمعاء، أو إلى ذاته بوصفها كوناً قائماً بذاته. لكن هذا المسار ليس للجميع؛ فهو يتطلب جرأةً لمواجهة الوحدة، وإصراراً على ألّا يكونَ نسخةً مكررةً من وعي القطيع.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي