طفيليات المجتمع 4 : الأطباء والصيادلة ومختبرات التحليل

صادق جبار حسين
2025 / 3 / 23

يعاني القطاع الصحي في العراق من مشكلات متجذرة باتت تهدد حياة المواطنين وتمثل استنزافًا ماليًا ونفسيًا لهم حيث تحول العلاج إلى تجارة مربحة تديرها شبكة من الأطباء والصيادلة وأصحاب مختبرات التحاليل الطبية الذين ينسقون فيما بينهم لتحقيق أرباح طائلة على حساب المرضى مستغلين حاجتهم للعلاج وانعدام الرقابة الحقيقية على أدائهم .
تبدأ رحلة الاستغلال هذه منذ لحظة دخول المريض إلى العيادة الطبية إذ يجد نفسه أمام طبيب لا يهتم بتشخيص حالته بدقة بقدر ما يسعى إلى تحويله إلى مصدر دخل ، حيث كثير من الأطباء يكتبون وصفات طبية لا يستطيع المريض قراءتها لأنها مكتوبة بطريقة مشفرة لا يفهمها سوى الصيدلية التي يتعامل معها الطبيب وهو أمر متعمد لضمان أن يحصل المريض على الأدوية من صيدلية محددة غالبًا ما تكون مملوكة للطبيب نفسه أو لأحد أفراد أسرته مثل الزوجة أو الأخ أو حتى شريك تجاري خفي فبعض الأطباء يمتلكون أكثر من صيدلية في مناطق متفرقة لضمان السيطرة على جزء أكبر من السوق .
و تتضمن هذه الوصفات أحيانًا أدوية غير ضرورية لا يحتاجها المريض لكنها تحقق أرباحًا كبيرة سواء بسبب أرتفاع سعرها أو بسبب اتفاق مسبق بين الطبيب والصيدلي على تصريف كميات معينة من الأدوية المستوردة حديثًا كما أن بعض الأدوية توصف بأسماء تجارية محددة رغم وجود بدائل محلية أو أرخص سعرًا لكنها لا تحقق الفائدة المادية للطبيب والصيدلي كما أن بعض المرضى يُجبرون على شراء كميات كبيرة من الأدوية دون حاجة حقيقية لها فقط لضمان ربح أكبر للطبيب وشريكه في الصيدلية .
أما في حال أحتاج المريض إلى تحاليل طبية فالمسألة لا تختلف كثيرًا إذ يتم توجيهه إلى مختبر معين يرتبط الطبيب بعلاقة تجارية معه في بعض الحالات يمتلك الطبيب المختبر أو زوجته أو أحد أقاربه لضمان عدم افتضاح أمره أو يتفق بعض الأطباء مع أصحاب المختبرات على تحصيل نسبة من قيمة التحاليل التي يجريها المريض لقاء توجيهه إلى ذلك المختبر .
التلاعب لا يقتصر على فرض تحاليل غير ضرورية فقط بل يصل أحيانًا إلى التلاعب بنتائج التحاليل نفسها حيث تعمد بعض المختبرات إلى تقديم نتائج مبالغ فيها أو غير دقيقة لإقناع المريض بأنه يعاني من مشكلة صحية تحتاج إلى مزيد من الفحوصات والعلاجات مما يجعله يعود إلى الطبيب مجددًا ليبدأ دورة جديدة من الاستغلال المالي
و لإقناع المريض بشراء أدوية مرتفعة الثمن أو لإجباره على إجراء فحوصات إضافية في مراكز أخرى تتبع لنفس الشبكة من الفاسدين .
المعاملات اللاإنسانية التي يتعرض لها المرضى جزء آخر من الأزمة حيث أصبح من المعتاد أن يتعامل الأطباء مع المرضى بتعالٍ وغطرسة وكأنهم مجرد أرقام في قائمة الانتظار يتجاهلون استفساراتهم ولا يشرحون لهم حالتهم الصحية بشكل واضح
المفترض أن الطبيب هو رمز الرحمة والعطا وأن مهنة الطب تقوم على التواضع والإنسانية قبل العلم والمعرفة لكن في العراق تحوّل بعض الأطباء – إلا من رحم ربي – إلى كائنات متعجرفة تتعامل مع المرضى وكأنهم عبيد لا بشر يسعون للعلاج .
حيث الغرور التكبر التعالي وحتى سوء الأخلاق أصبحت صفات ملازمة لعدد غير قليل منهم في ظل غياب المحاسبة واحتكارهم لمهنة لا غنى عنهافي المجتمع .
في العيادات أو المستشفيات يقابل الطبيب المرضى بنظرات الاحتقار أو يعاملهم ببرود وكأنه يتصدق عليهم بعلمه وعمله حتى ان بعض الأطباء لا يكلفون أنفسهم عناء الاستماع للمريض بشكل لائق يجيبون بنصف كلمة أو بنظرة ساخرة و ينهون الكشف في ثوانٍ وكأن وقتهم أثمن من حياة الناس .
ففي المستشفيات الحكومية يعاني المرضى أسوأ معاملة ممكنة حيث بعض الأطباء يتحدثون معهم بطريقة فظة يصرخون يستهزئون بل قد يتجاهلونهم تمامًا . دائمآ ما يتُرك فيها المرضى لساعات دون فحص لمجرد أن الطبيب لم يكن " في مزاج جيد " أو لأن " دوامه انتهى ".
دائما ما يكون الإهمال متعمد لدفعهم نحو العيادات الخاصة حيث ان الكثير من الأطباء العاملين في المستشفيات الحكومية لا يقدمون العلاج الكامل للمرضى بل يطلبون منهم مراجعتهم في عياداتهم الخاصة بحجة عدم توفر الإمكانيات داخل المستشفى الحكومي وعندما يذهب المريض إلى العيادة يجد نفسه مضطرًا لدفع مبالغ مالية كبيرة لقاء فحص بسيط كان من المفترض أن يحصل عليه مجانًا داخل المستشفى الحكومي
لا شك أن هناك أطباء شرفاء لكن لا يمكن إنكار أن الغرور والتعالي أصبحا ظاهرة في القطاع الصحي العراقي وسمه يتصف بها الطبيب العراقي .
ولا يختلف الأمر كثيرأ في عياداتهم الخاصة حيث يمارس بعض الأطباء نوعًا من الاستبداد على المرضى فالمريض يدفع مبالغ طائلة ومع ذلك قد يُعامل وكأنه متسول على باب الطبيب فيقضي ساعات في الانتظار فقط ليدخل بعدها إلى طبيب لا يعيره اهتمامًا يكتب الوصفة خلال لحظات ثم يودّعه دون حتى أن يمنحه فرصة لطرح الأسئلة ومعرفة مرضه .
إلى جانب العيادات الخاصة والمختبرات تشكل المستشفيات الخاصة جزءًا آخر من هذه المنظومة حيث تفرض أسعارًا مرتفعة على العمليات الجراحية والفحوصات الطبية مما يجعل الحصول على العلاج في هذه المؤسسات مقتصرًا على من يملك القدرة المالية .
يعاني المرضى في المستشفيات الخاصة من أستغلال بشع حيث يتم فرض تكاليف غير مبررة على الفحوصات والأدوية ويتم إجبارهم على دفع مبالغ إضافية بحجج مختلفة مثل رسوم استشارة إضافية أو رسوم إقامة مرتفعة في المستشفى كما أن بعض المستشفيات ترفض استقبال الحالات الطارئة إلا بعد دفع مبالغ ضخمة مسبقًا مما يعرّض حياة المرضى للخطر في حال عدم قدرتهم على تأمين المبلغ المطلوب في الوقت المناسب بينما يواجه الفقراء صعوبة في الحصول على العلاج في المستشفيات الخاصة .
الرقابة على هذا الفساد وهذه المنظومة الشيطانية شبه معدومة حيث إن بعض المسؤولين في القطاع الصحي متورطون في هذه الشبكات أو يغضون الطرف عنها مقابل منافع مالية كما أن بعض الصيادلة وأصحاب المختبرات لديهم علاقات وثيقة مع جهات متنفذة توفر لهم الحماية من أي ملاحقة قانونية .
في ظل هذه الفوضى لا يجد المريض العراقي من يحميه من الاستغلال المستمر فالأطباء والصيادلة وأصحاب المختبرات تحولوا إلى تجار يهدفون إلى تحقيق الأرباح حتى لو كان ذلك على حساب صحة الناس ومعاناتهم .
في عالم يُفترض أن يكون فيه الطب رسالة إنسانية نجد فئة من المنتفعين حولته إلى مهنة للربح والاستغلال حيث لم يعد المريض إنسانًا يحتاج إلى عناية وعلاج من اجل التخفيف من معاناته ، بل مجرد فريسة تقع بين أنياب هذه الطفيليات الشريرة التي تعيش على الأمه ومعاناته .
هذه الطفيليات التي تتخفى تحت المعاطف البيضاء والتي تلقب في دول أخرى بملائكة الرحمة تستنزف جيوب المرضى بلا رحمة مستخدمة سلطتها المعرفية لتحقيق مكاسب شخصية .
حيث تحولت هذه المهنة في كثير من الأحيان إلى سوق للربح السريع حيث يجد المرضى أنفسهم ضحايا لمنظومة استغلال متكاملة تتشارك فيها بعض العيادات الطبية الصيدليات ومختبرات التحليل والمستشفيات الخاصة .
فلم يعد المريض يُعامل كإنسان يبحث عن العلاج بل كزبون يُستنزف ماليًا من خلال وصفات طبية مكلفة وأدوية باهظة الثمن وفحوصات غير ضرورية في ظل غياب الرقابة الحقيقية وضعف القوانين الرادعة.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي