![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
عبدالباقي عبدالجبار الحيدري
2025 / 3 / 22
الغش ظاهرة قديمة، لكنها اليوم أصبحت أكثر انتشارًا وتأثيرًا في مختلف جوانب الحياة، حتى بات البعض يعتبرها جزءًا طبيعيًا من التعاملات اليومية. والمفارقة أن كثيرًا من الغشاشين يؤدون الفرائض الدينية، ويحلفون بأغلظ الأيمان على صدقهم، رغم أن الإسلام، وكافة الأديان، تحرم الغش وتحذر منه بشدة. قال النبي ﷺ: "من غشنا فليس منا"، ومع ذلك نجد أن هذه الظاهرة أصبحت متجذرة في حياتنا اليومية، بدءًا من الأسواق وحتى منابر السياسة والدين.
الغش في مختلف المهن: من التجارة إلى الطب والتعليم
لم يعد الغش مقتصرًا على فئة معينة، بل انتشر في مختلف المجالات، حتى بات من الصعب العثور على قطاع يخلو منه.
1. الغش في الأسواق والتجارة
التجار: التلاعب بالأوزان والمقاييس، بيع منتجات مغشوشة أو منتهية الصلاحية، ورفع الأسعار دون مبرر.
أصحاب المطاعم: تقديم أطعمة بجودة رديئة، أو استخدام لحوم غير صالحة للاستهلاك.
باعة الملابس والأجهزة: بيع السلع المقلدة على أنها أصلية بأسعار مرتفعة.
سوق السيارات: التلاعب بعداد الكيلومترات، وإخفاء العيوب الميكانيكية.
2. الغش في المجال الطبي
الأطباء والمستشفيات: وصف أدوية غير ضرورية لزيادة الأرباح، ورفع أسعار العمليات والخدمات الطبية دون وجه حق.
الصيدليات والمختبرات: بيع أدوية مغشوشة، والتلاعب بنتائج الفحوصات الطبية.
3. الغش في التعليم
الجامعات الأهلية: أصبحت بعض الجامعات تهتم بجمع الأموال أكثر من تقديم تعليم حقيقي، مما يؤدي إلى تخريج طلاب غير مؤهلين لسوق العمل.
الغش في الامتحانات: أصبح الغش جزءًا من ثقافة بعض المؤسسات التعليمية، مما يضعف مستوى الخريجين ويؤثر سلبًا على المجتمع.
لماذا انتشر الغش؟
تفاقم ظاهرة الغش يعود إلى عدة أسباب:
ضعف الوازع الديني: رغم تحريم الغش، إلا أن البعض يفصل بين الدين وسلوكهم اليومي.
غياب الرقابة والمحاسبة: ضعف القوانين، أو عدم تطبيقها بشكل عادل، جعل الغشاشين يشعرون بالأمان.
الجشع وحب المال: تحقيق أرباح سريعة دون مراعاة الأخلاق.
ثقافة "الجميع يفعل ذلك": عندما يصبح الغش سلوكًا عامًا، يجد الأفراد مبررًا للاستمرار فيه.
الغش في الدين: استغلال الإيمان لتحقيق المصالح
من أخطر أشكال الغش، استغلال الدين لتحقيق مكاسب شخصية، سواء في جمع التبرعات، أو استغلال موسم الحج والعمرة، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
1. الغش في جمع الزكاة والصدقات
جمع التبرعات لمشاريع خيرية وهمية، بينما تذهب الأموال إلى جيوب القائمين عليها.
تصوير الفقراء والمحتاجين لاستدرار العواطف، بينما يحصلون على جزء بسيط من التبرعات.
2. الغش في الحج والعمرة
استغلال الحجاج ماليًا، عبر تقديم وعود زائفة بخدمات ممتازة ثم تقديمها بشكل سيئ.
بيع الفتاوى الدينية والتوجيهات مقابل المال، رغم أن الدين يجب أن يكون متاحًا للجميع دون مقابل.
3. استغلال وسائل التواصل الاجتماعي
بعض رجال الدين أصبحوا أكثر اهتمامًا بجذب المتابعين وتحقيق الأرباح عبر تيك توك ويوتيوب.
استخدام قضايا الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة لجذب المشاهدات وزيادة الأرباح، دون مراعاة كرامتهم.
الغش في السياسة: وعود انتخابية زائفة ومصالح شخصية
لم يعد الغش مقتصرًا على التجارة والدين، بل أصبح أسلوبًا متبعًا في السياسة، حيث يطلق السياسيون وعودًا براقة خلال الانتخابات، لكن بمجرد وصولهم إلى السلطة، تتبخر تلك الوعود.
أشكال الغش السياسي
الوعود الكاذبة: تحسين الأوضاع الاقتصادية، توفير الوظائف، وتقديم مشاريع خدمية، لكن دون تنفيذ حقيقي.
شراء الأصوات: استغلال المال أو النفوذ لتوجيه الانتخابات.
إثارة العواطف: استخدام قضايا حساسة لكسب تأييد الناخبين، دون نية حقيقية لتحقيق التغيير.
النتائج الكارثية للغش السياسي
فقدان الثقة بالحكومات، مما يؤدي إلى عزوف المواطنين عن المشاركة السياسية.
تفاقم الفساد والمحسوبية، حيث تصبح السلطة وسيلة لتحقيق المصالح الشخصية.
تدهور الأوضاع الاقتصادية والخدمية بسبب غياب الإصلاحات الحقيقية.
النتائج الكارثية لانتشار الغش
انعدام الثقة في المجتمع: عندما يصبح الغش أمرًا شائعًا، يفقد الأفراد ثقتهم في بعضهم البعض، مما يؤدي إلى تفكك العلاقات الاجتماعية.
تدهور الاقتصاد: الأسواق تنهار بسبب المنتجات والخدمات الرديئة، ويؤثر الغش على التنمية المستدامة.
إضعاف المؤسسات التعليمية والطبية: يؤدي الغش في التعليم إلى تخريج أجيال غير مؤهلة، كما أن الغش في المجال الطبي يهدد حياة الناس.
فساد المنظومة الدينية والسياسية: يؤدي الغش في الدين والسياسة إلى استغلال الناس، وانهيار القيم الأخلاقية في المجتمع.
كيف نواجه الغش؟
تعزيز القيم الدينية والأخلاقية: التذكير بأن الغش حرام، وأنه لا بركة في المال الحرام.
تشديد القوانين والرقابة: فرض عقوبات صارمة على الغشاشين لردعهم.
توعية المجتمع: عبر حملات إعلامية وتعليمية تسلط الضوء على مخاطر الغش.
القدوة الحسنة: إذا التزم أصحاب الأعمال والقادة بالنزاهة، فسيقتدي بهم الآخرون.
محاسبة المسؤولين: سواء كانوا تجارًا، أطباء، رجال دين، أو سياسيين، يجب محاسبة الغشاشين دون تمييز.
عدم الانخداع بالمظاهر: ليس كل من يحلف بالله صادقًا، وليس كل من يصلي أمينًا.
الغش داء مدمر، سواء كان في الأسواق، أو في المؤسسات الطبية والتعليمية، أو حتى في الدين والسياسة. عندما يصبح الغش أسلوب حياة، تكون النتيجة كارثية: مجتمع بلا ثقة، واقتصاد متدهور، ومؤسسات ضعيفة.
لكن رغم انتشار الغش، لا يزال هناك أفراد شرفاء يتمسكون بالقيم الأخلاقية ويحاربون الفساد. التغيير يبدأ عندما يرفض الأفراد المشاركة في منظومة الغش، سواء في عملهم، أو دينهم، أو اختياراتهم السياسية. إذا توقف الناس عن دعم الغشاشين، فإنهم سيفقدون قوتهم تدريجيًا، وسنتمكن من بناء مجتمع أكثر نزاهة وعدالة.
لذلك، لا فائدة من صلاة وصيام وزكاة، إذا كان المرء يغش الناس في أعماله وتعاملاته. الدين الحقيقي ليس تجارة، بل هو أمانة ومسؤولية، ومن يغش الناس فقد خان دينه قبل أن يخونهم.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |