![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
أحمد عمر النائلي
2025 / 3 / 22
محمد عبدالحميد المالكي عرّاب الدرس السيميائي في ليبيا ، والذي عمل منذ نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي على التعريف بالمدرسة المغاربية في ليبيا ،بعد تعرّفه عليها من خلال اطّلاعه على إنجازات ملتقى علوم النص الجزائري ،هذه المدرسة التي تبنّت الإنجازات الغربية في علوم اللغة مثل لسانيات سوسير وبيرس والبنيوية والسيمائية والتداولية وتحليل الخطاب ، عكس المدرسة العربية المشرقية والتي كانت أكثر التصاقاً بالتراث العربي من اقترابها من الإنجازات الغربية .
المالكي تجاوز مع القلة الاطروحات التقليدية في الدرس السيميائي العربي المتمركز حول لسانيات سوسير أو بيرس أو المدرسة الشكلانية الروسية أو السيميائيات و و الخ ، الى الحديث حول الفيزياء الكوانتيمية والسيمياء العصبية و السيمياء البيولوجية التي قدّم حولها ورقة في الملتقى المغاربي للسيميائيات ، والذي اشرف عليه وكان تحت رعاية مجلس تنمية الابداع الليبي و أقيم في طرابلس في يونيو 2009 ، حيث قُوبلت هذه الورقة آنذاك من بعض السيميائيين بالاستغراب من حيث عدمية العلاقة بين السيمياء والبيولوجيا رغم ظهورها في الممارسة العلمية الغربية .
اهتم المالكي بهذه التوجهات الجديدة وبشكل واضح بعد التأسيس الثاني لمختبر بنغازي للسيمائيات وتحليل الخطاب ، (رغم حديثه عن فيزياء الكوانتم في مؤلفاته قبل عام 2011) ، وتحديداً بعد اطلاعه على إنجازات همروف وبنروز وكول وعدد من المقاربات الأخرى ، ليحاول بعد ذلك تقديم مقترح مشروع يربط إنجازات فيزياء الكوانتم و إنجازات السيميائيات البيولوجية متمثلاً في مشروع : سيميائيات بيولوجيا الكوانتم Quantum biosemiotics ، وهو يسعى من خلال هذا المشروع الى فهم عملية انتاج المعنى Semiosis بيولوجياً وفيزيائياً ، حيث ينطلق هذا المشروع العلمي من تعدد وتداخل التخصصات/البينية (Inter/Multidisciplinary) وهو يرتكز على تعالقين أساسيين بين ثلاثة حقول رئيسية. التعالق الأول يتمثل في إنجازات السيميائيات البيولوجية، منذ منتصف القرن العشرين مع أعمال (Rothschild.F.S، Uexkull.J.V، Sebeok.T، Lotman.Y)، وحتى تأسيس الجمعية الدولية للدراسات البيوسيميائية (2005 Kull.K، Emmeche.C، Hoffmeyer.J). )، وكذلك استناداً إلى نتائج ثورة الذكاء الاصطناعي الأخيرة (كمبيوتر الكوانتم،chat GPT، Bard) وتطور البحوث في مجال الفيزياء الكوانتية في تعالقها مع البيولوجيا متمثلة في إنجازات (Penrose Orch-OR Hameroff,)، وكذلك نتائج أبحاث (Koch) عام 2014 حول نظرية الوعي المعرفي Cognitive consciousness theory ، وبما تتيحه الحدود النظرية لأبستمولوجيا "السيمائيات الدينامية" (Andersen، Wildgen، Petitot) ، فهو يتناول في هذا المجال النظري ما نسميه "الجيل الثاني من الذكاء الاصطناعي" ، فهو العلاقة الديناميكية بين البيولوجيا الكمومية (الدماغ) والحواسيب الكمومية، أو هو التعاون المثمر والمثري لإنتاج المعنى والتفسير (السيميائية )..
لقد أقام الاستاذ المالكي مقترحه العلمي استناداً إلى نتائج هذه الحقول والدمج بين مفاهيمها النظرية وآلياتها الإجرائية، من أجل المساهمة في إعادة تأهيل أنظمة تفكيرنا الثنائية القيمة (1،0 = صواب، خطأ) نحو استراتيجيةِ إدراكٍ تتلاءم واستعداداتنا البيولوجية الكوانتية (الأهلية Competence) للمخ؛ على مستوى "جزيئات الخلية"(Molecular organism level) والشفرة الوراثية (genetic code).
لذلك فهو يقترح اختبار الفرضية القائلة: "إن آليات إنتاج المعنى داخل الذهن تعمل بيو-كوانتيا، ويمكن دراستها ومقاربتها على مستوى الخطاب بآليات سيميائيات بيولوجيا الكوانتم." ، حيث يسعى إلى الإسهام في بلوغ الأهداف الآتية:
- إعادة تأهيل إدراكنا لميكانيزمات إنتاج المعنى واشتغال التأويل، وفق استعداداتنا البيولوجية.
- التدليل على التوافق النظري والإجرائي بين الحالات الثلاثة للسيميوزيس: التأويلي والحيوي والكوانتي.
- تعزيز دور السيميائيات منطقيا وابستيميا في تجسير الهوة بين العلوم الإنسانية والعلوم الدقيقة.
ما يقترحه المالكي هنا هو "الدلالة الديناميكية"، وظاهرة "التشابك"، و"التراكب"، و"تفسيرات" الاحتمالات "في الوقت نفسه" (التزامن واللحظية) ليقدم تفسيراً لكيفية انتاج المعنى .
هذه المقاربة أو الفرضية والتي نشرها المالكي تحت عنوان :
Quantum Biosemiotics: From Numerous Interpretations to Semiosis Simultaneous Interpretations
تستحق الاهتمام من خلال التبريرات التي تقدمها ، فقد تساهم في فهم كيفية انتاج المعنى والوعي ، هي مقترح ونقطة ارتكاز لطريق طويل من البحث ، قد يؤكد الفرضية أو يفتح أفاقاً من المعرفة في مجال آخر ، فالعلم لا يتطور بالنجاحات فقط بل بالأخطاء أيضا ، وهي مغامرة عقلية علمية تستحق التقدير لمحاولتها تجاوز الدرس السيميائي العربي .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |