الإيمان والألحاد- رؤية فلسفية 3/ 3

داود السلمان
2025 / 3 / 22

لا بأس إذا كان العقل هو المعيار في وزن جميع الأشياء، لكن ثمة قضايا ماورائية أحيانا يحتاجها الإنسان (لكن ليس كل إنسان) وتميل لها نفسه، وهو حائر وربما سيضيع، لولاها، في هذا الكون الشاسع، المترامي الأطراف، فهو بحاجة إلى حوافز، كي يعيش هذه الحياة، المفروضة عليه، وهو مُجبر أن يعيشها؛ والحوافز هذه تجعل منه أن يتحمّل آلام الحياة، ومن دونها – أي الحوافز - قد ينتحر، ودائما ما نسمع هنا وهناك من يقول: ما الجدوى من الحياة؟، طالما نهايتها الموت، وهو الشيء الرهيب المقدّر علينا؟، بمعنى أن الحياة أمر رهيب هي الأخرى، والانسان يجب أن يعيشها بحلاوتها ومرارتها؛ وتشبثه بأوهام هي خير حافز يعينه على الصبر وإن كان على مضض. والحوافز التي نتحدث عنها كثيرة ومتشعبة، ولعل أهمها هي كل أمر أو قضية خارج أطار العقل، أي أمر غيبي وقضية ينفرها العقل ولا تستقيم مع أفقه الشاسع، الرحب المنسجم والوعي والمصداقية العينية الواقعية، ولا داعي أن نذكر أمثلة فالأمثلة كثيرة ولا تخفى على لبيب، وخير ما عبّر عنها الفيلسوف البريطاني فرانسيس بيكون بقوله"أصنام العقل"، فهو يفرض أشياء ويتخايل أخرى، ثم يصدقها، ويطبقها على واقعه، ويعدها حقائق ساطعة.
فما هي أصنام العقل هذه"
"(١) النوع الأول: «أوهام القبيلة» itribus وهي ناشئة من طبيعة الإنسان؛ لذا كانت مشتركة بين جميع أفراده: فنحن ميالون بالطبع إلى تعميم بعض الحالات دون التفات إلى الحالات المعارضة لها، وإلى تحويل المماثلة إلى تشابه وتواطؤ، وإلى أن نفرض في الطبيعة من النظام والاطِّراد أكثر ممَّا هو متحقق فيها، وإلى أن نتصور فعل الطبيعة على مثال الفعل الإنساني، فتتوهم لها غايات وعللًا غائية.
(٢) النوع الثاني: «أوهام الكهف» sbecus وهي ناشئة من الطبيعة الفردية لكل منَّا، فإن الفردية بمثابة الكهف الأفلاطوني، منه ننظر إلى العالم، وعليه ينعكس نور الطبيعة فيتخذ لونًا خاًّصا، هذه الأوهام صادرة إذن عن الاستعدادات الأصلية وعن التربية والعلاقات الاجتماعية والمطالعات، فمثلًا من الناس من هم أكثر ميلًا إلى الانتباه إلى ما بين الأشياء من تنوع، بينما آخرون أكثر ميلًا إلى البحث عن وجوه الشبه، إلى غير ذلك من الاتجاهات.
(٣) النوع الثالث: «أوهام السوق» fori وهي الناشئة من الألفاظ، فإن الألفاظ تتكون طبقًا للحاجات العملية والتصورات العامية، فتسيطر على تصوُّرنا للأشياء، فتوضع ألفاظ لأشياء غير موجودة، أو الأشياء غامضة أو متناقضة، وهذا أصل كثير من المناقشات، تدور كلها على مجرد ألفاظ.
(٤) النوع الرابع «أوهام المسرح» theatri وهي الآتية ممَّا تتخذه النظريات المتوارثة من مقام ونفوذ، وهنا يحمل بيكون على أرسطو وأفلاطون وغيرهما من الذين يفسرون الأشياء بألفاظ مجردة كما يقول، ولكن يصعب تمييز هذه الطائفة الرابعة من الطائفة الثالثة، فإن بيكون يذكر من بين أسبابها تكوين الطبيعة الفردية والمطالعة والعرف والسلطة.
فليست «الأصنام» أغاليط استدلالية كالتي يذكرها أرسطو، ولكنها عيوب في تركيب العقل تجعلنا نخطئ فهم الحقيقة، ويجب التحرر منها لكي يعود العقل «لوحا مصقولًا» تنطبع عليه الأشياء دون تشويه من جانبنا، وهذه محاولة ضعيفة من بيكون في نقد العقل والتمييز بين ما له وما للأشياء، وهي تمهيد سلبي للمنطق الفطري الذي يصبح في غنى عن المنطق الصناعي ما دامت أسباب الخطأ قد استبعدت، وهكذا سيصنع ديكارت ومالبرانش وسبينوزا للاستغناء عن المنطق القديم". (راجع: يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الحديثة ص 47- 48، منشورات دار القلم بيروت – لبنان من دون ذكر سنة الطبع)
ويؤكد فرانسيس بيكون في مكان آخر، وهو خير ما نتعزى به في هذا الاطار مقولته الشهيرة القائلة "قليل من الفلسفة قد يؤدّي بك إلى الإلحاد، لكنّ التعمق الشّديد في الفلسفة يرمي بك في أحضان الدين".

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي