بماذا يتفوق العدو علينا؟!

عبدالله عطوي الطوالبة
2025 / 3 / 21

لا تواجهنا اسرائيل بنصوص أسفار التوراة، ولا تتحدانا بمضامين الكتب الدينية خاصتهم، وهي كثيرة بالمناسبة. وما تستخدم اسرائيل من أسلحة حديثة لقتلنا واحتلال المزيد من أراضينا، لم تخرج من التوراة والتلمود، بل من مصانع أميركا وغيرها. هذه التكنولوجيا التدميرية المتقدمة أخرجها إلى حيزي الوجود والاستخدام عاملان أساسيان، الإرادة والمعرفة العلمية. وعليه، فالعدو يوظف نصوص الدين في خدمة مشروعه الاستعماري التوسعي الإحلالي، وعلى صعيد الفعل العدواني فإنه يتحدانا ويفرض نفسه علينا بأحداث منتجات العلم والتكنولوجيا.
نتزيد فنقول بناء على قراءاتنا لكتبهم الدينية، وبشكل خاص أسفار التوراة، أن أحبارهم أخذوا وقتهم الكافي بعد السبي البابلي في النقل من أساطير الأموريين والسومريين والبابليين والكنعانيين والمصريين القدماء. لم ينقلوا فحسب، بل برعوا في إعادة صياغة ما نقلوا وأبدعوا في إلباسه أردية المقدس بحيث تكون كتبهم الدينية في خدمتهم وتبرير جرائمهم وغدرهم بالآخرين. وما أكثر الأدلة، ولكن لا مجال لبسطها هنا.
وقد يكون أهل التوراة أكثر أتباع الأديان إدراكًا لحقيقة الدين، وربما الأذكى في التعامل معه وتوظيفه. ذات زمن، سئُل هرتزل: ما رأيك بالتوراة؟ فكان جوابه: مجموعة أساطير تصلح لخدمة المشروع الصهيوني. السؤال ذاته وُجِّه لبن غوريون لاحقًا، فَرَدَّ قائلًا: الجيش الإسرائيلي هو الوحيد المخول بتفسير التوراة.
هل سمعتم يومًا أن أحدًا من أهل التوراة قتل آخر من أتباع الديانة ذاتها، أو كَفَّرَه بإسم السماء؟!!!
وبالمناسبة، فإن أهل التوراة أكثر أتباع الأديان في المذاهب والمِلل والنِّحَل والتيارات. وبينهم خلافات دينية حادة، لدرجة أن للعديد من مذاهبهم أعيادًا خاصة بهم دون غيرهم من أتباع الدين ذاته. ومع ذلك يعرفون ماذا يريدون، وتجمعهم الأهداف العامة المشتركة. من هنا ننتقل إلى أول أسباب تفوقهم علينا، بل وأهمها، ونعني الديمقراطية بمعناها الحديث. الديمقراطية الحقيقية بأهم عناصرها، وتتمثل في التداول السلمي للسلطة السياسية، وانتخاب الحاكم وإخضاعه للمحاسبة والمساءلة. الأخذ بالديمقراطية مصدر قوة رئيس بمعايير العصر، ودليل بلوغ الوعي الجمعي إلى مستوى متقدم في النضج السياسي. أما نحن، فمن سوء طالعنا أننا ما نزال في العشرية الثالثة من القرن الحادي والعشرين نشقى بالمعادلة القروسطية "أسيادكم في الجاهلية أسيادكم في الإسلام". ولقد جعلت منا بعض ضروب الإستبداد أضحوكة بين الأمم، ومن ذلك أننا الشعوب الوحيدة على وجه الأرض التي تصدح إذاعاتها وتلفزيوناتها بأغانٍ تمجد الحاكم وترفعه إلى مستوى الآلهة. أما المجال الثاني لتفوق العدو علينا، فنجده في التقدم العلمي والتكنولوجي لصالحه. أرقام براءات الإختراع في الكيان تفوق البلدان العربية كلها، وبفارق مذهل بقدر ما هو مخجل. ولا يوجد دولة عربية واحدة فيها قاعدة علمية صناعية. عندما نقول العلم، فإن أول ما يخطر بالبال تحديد غاليلو لشروطه كي يكون عِلمًا، وفي مقدمها الإبداع والإبتكار. وتعلمنا تجارب المتقدمين، أن التقدم العلمي بالمفهوم الذي حدده غاليلو غير ممكن من دون حاضنة شعبية ذات وعي جمعي عصري يؤمن بالعلم.
مقول القول، طريق النهوض والتقدم واضح، ولن نتقدم إلا بما تقدم به غيرنا.
بعقولها تتقدم الأمم وليس بأديانها. الديمقراطية والعلم والعقل، هذا هو ثالوث التقدم بمعايير العصر وفي كل عصر، وليس بأي شئ آخر.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي