وعاظ السلاطين

الهيموت عبدالسلام
2025 / 3 / 9

في ظل هذا الوضع الذي يتسم بالتفقير الخطير والغلاء الصاروخي في جميع المواد، سابقاً كان من يعجز عن شراء اللحوم يلجأ للخضر والقطاني وسمك السردين، أما الآن الخضر والفواكه واللحوم والقطاني والأسماك كلها أصبحت بثمن يفوق القدرة الشرائية لمعظم الطبقات الشعبية ،التفقير الذي أصبح يكتسح هذه الطبقات الشعبية والبطالة التي ضربت 23 % وتوالي سنوات الجفاف، واغتناء طبقات الأغنياء في ظل كورونا و في ظل الجفاف وفي ظل الأزمة المالية العالمية ... في المقابل يتسارع مسلسل الاعتقالات ليس بتهم الإخلال بالأمن العام و إسقاط النظام كما كان في السابق بل أصبحت التدوينة تهمةً وتقاسم تدوينة تهمةً ورفض التطبيع تهمةً فلماذا يحصل كل هذا ؟
لأنه ببساطة في سنوات الجمر والرصاص كان الصراع عموديّاً بين الطبقات المسيطرة والطبقات الشعبية ، كان الصراع حادّاً ومحتدما وكان المغاربة يعيشون فترات رخاء اقتصادي في بعض فصول من السنة وكانت السياسة سياسةً والفكر فكراً والنضال نضالاً والثقافة ثقافةً والصحافة صحافةً والأحلام مُشرعة وكبيرة ،أما الآن فقد أصبح الصراع صراعا أفقيا صراع النقابات فيما بينها وصراع الأحزاب بعضهم البعض، وصراع الصحافة فيما بينهم وصراع الفصائل الطلابية فيما بينهم و قس على ذلك .
في ظل ذلك الصراع العمودي كان العقل والفلسفة والإبداع والمسرح والسينما والكتاب والجريدة والمجلة والنقاش العمومي، وكان الدين تدينا شعبيا بسيطا جوانيا، أما الآن فقد ظهرت طبقة جديدة من الكهنوت الديني وأصبح من لا مهنة له يمتهن صفة الوعظ وهي مهنة سهلة على أية حال ، فهي كما يقول "علي الوردي" مهنة لا تحتاج إلا إلى حفظ بعض الآيات والأحاديث، ثم ارتداء الألبسة الفضفاضة التي تملأ النظر وتخلبه، ويُستحسن في الواعظ أن يكون ذا لحية كبيرة كثة، وعمامة قوراء ثم يأخذ بعد ذلك بإعلان الويل والثبور على الناس، فيبكي ويستبكي ويخرج الناس من عنده وهم واثقون بأن الله قد رضي عنهم وبنى لهم القصور الباذخة في جنة الفردوس،ويأتي المترفون والأغنياء والحكام فيغدقون على هذا الواعظ المؤمن ما يجعله مثلهم مُترفاً سعيداً.
و ذلك هذا هو دأب الواعظين، فهم يتركون الأغنياء
والمترفين يفعلون ما يشاؤون، ويصبُّون جل اهتمامهم على الفقراء من الناس، فيبحثون عن زلاتهم، وينغصون عليهم عيشهم، وينذرونهم بالويل والثبور في الدنيا والآخرة.

يقول "الوردي" في كتابه "وعاظ السلاطين" إن الفقير إذا غمز لامرأة في الطريق أقاموا الدنيا عليه وأقعدوها، أما إذا اشترى الغني مئات الجواري واشبعهنّ غمزاً ولمزاً كان ذلك عليه حلالاً طيباً، وإذا خرج طاغية عن تعاليم الدين قالوا عنه إنه مجتهد، وإذا أخطأ في اجتهاده فله حسنة، أما إذا جاء الفقير برأي جديد قالوا عنه : إنه زنديق وأمروا بصلبه على جذوع النخل.

إن الفقر يمزق حجاب العفة ، الفقر قد يدفع الإنسان لأن يصبح متسولا ومجرما ومحتالا ومنافقا وكاذبا ، الإنسان الذي يعيش في كوخ حقير ولا يجد قوت يومه ولا يجد ما يقدمه لأطفاله لن يصبح نظيفا ولا نزيها ولا صالحا ولو اجتمع كل الوعاظ على إقناعه بالصبر ، الفقر لا يستقيم ونظام القيم الإنسانية النبيلة إلا فيما نذر ، إن الشعوب التي تحسنت أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية هي الشعوب التي ارتقت في أخلاقها وتصرفاتها ومعاملاتها وهي الشعوب التي قلّت فيها الجريمة وقلّت فيها المحاكم والسجون ، وهي نفس الشعوب التي ساهمت في بناء وتقدم وازدهار أوطانها.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي