قراءة في كتاب فلسفي صعب ومهم.

عبدالله عطوي الطوالبة
2025 / 3 / 3

الكتاب المقصود، "نقد العقل المحض" لمؤلفه الفيلسوف الألماني الشهير إيمانويل كانط. نُشر الكتاب للمرة الأولى عام 1781، ويصنف ضمن أعقد المؤلَّفات الفلسفية وأكثرها تأثيرًا في آن معًا. فعلى الرغم من صعوبة الكتاب وتعقيده، إلا أنه كان وسيظل من أهم الإبداعات الفلسفية، بدليل استمرار تأثير مضامينه في حقل الفلسفة حتى يوم الناس هذا. محتويات الكتاب صعبة، لكنها تغييرية تقدمية. ويمكن تحديد هدفه الرئيس باستكشاف مصادر المعرفة، وتكمن أهميته بإبراز دور العقل في المعرفة.
قبل كانط، انقسم الفلاسفة إلى فريقين بخصوص نظرية المعرفة، يرى أحدهما أنها تُكتسب بالتجربة العملية فقط ولا قيمة للتأملات النظرية العقلية ما لم تؤكدها التجربة والمشاهدة. هذا يعني أن التجربة والحواس، هي مصدر المعرفة. الفريق الثاني هم العقلانيون، لاعتقادهم بأن التأمل النظري مصدر المعرفة، ولا قيمة برأيهم للتجربة العملية الحسية لأن الحواس خادعة. بحسبهم، وكما يُفهم من تفاصيل متضمنة في الكتاب نقول في توضيح مقصودهم بأن الحواس خادعة إذ من الممكن تغطية العين بكف اليد بحيث لا ترى الشمس وهي في عز الظهيرة.
أما إيمانويل كانط فقد جاء بخيار ثالث في كتابه، مفاده أن المعرفة تتحصل بالمصدرين معًا، أي بالعقل والحواس، ولا يمكن أن تتم إلا بهما. المعرفة بحسب كانط، تكتسب إذن بالإدراك الحسي والتفكير، وهو صاحب العبارة الشهيرة "الأفكار من دون محتويات خاوية، وحواسنا من دون مفاهيم عمياء".
على هذا الأساس، جاء كتاب "نقد العقل المحض" في ثلاثة أقسام، الأول موضوعه المعرفة الحسية(طبيعة الحواس وعملها). والثاني، خصصه المؤلف للمعرفة العقلية، لجهة البحث في طبيعة عمل العقل. ويتناول القسم الثالث المعرفة الميتافيزيقية. المعرفة الحسية تخص الأشياء المادية، وتتحصل بحسب كانط، بالحواس. أما المعرفة العقلية، فتشمل المعارف العامة والمجردة، ومصدرها العقل. المعرفة الميتافيزيقية يستحيل اكتسابها بالحواس، لأن موضوعاتها لا تخضع للتجربة الحسية. وهي، أي المعرفة الميتافيزيقية، ممكنة فقط في حدود الأفكار الخالصة. هنا، يحيلنا كانط إلى العقل، إذ يرى أنه أفكار خالصة دورها في في تكوين المعرفة رئيس. وتشمل هذه الأفكار، الجوهر، أي فكرة الشيء في ذاته مستقلًّا عن تجاربنا الحسية. وفكرة السببية، بمعنى العلاقة السببية بين الأشياء، وأن لكل شئ سبب. ويضيف فكرة الضرورة، أي أن هناك حقائق ضرورية يصعب أن تكون غير صحيحة. لا يمكن للبشر، كما يقول كانط، إدعاء المعرفة الميتافيزيقية المطلقة، لأنها تعتمد على الأفكار الخالصة، وهي أفكار مجردة غير مدعومة بالتجربة الحسية.
من الأفكار الرئيسة المتضمنة في الكتاب، قول كانط بالأحكام التحليلية والأحكام التركيبية. الأولى صحيحة بحسبه، تستغني عن التجربة لإثباتها، فالمُثَلَّث لا يحتاج إلى دليل لتبيُّن صدقه من كذبه. والثانية، تعتمد على التجربة والخبرة، ومن أمثلتها "الوز أبيض". لكن هذه المعلومة لا يمكن الثقة بها، فهناك وز لونه أسود أيضًا. إذن، الأحكام التركيبية معرفة تعتمد على الصدفة ومع عدم وثوقيتها إلا أنها تضيف لنا معلومات جديدة بخصوص موضوع معين.
بنظر كانط، الأحكام التركيبية ممكنة فقط بناءً على ما يسميه "الفاهمة" كون دورها رئيس في الربط بين الجوانب المختلفة لتجربتنا، ويسمي هذه الأخيرة "الأمبيرية". الفاهمة، بمنظور كانط، مَلَكَة التصور، أي القدرة على الحكم والتفكير، والتفكير هو المعرفة بمفاهيم. ويندرج في إطار الفاهمة أيضًا، المفاهيم المسبقة.
ويقول كانط أيضًا بالتحليل التجاوزي، المبني على أفكار الجمالية التجاوزية في إطار استكشاف طبيعة العقل وحدوده. ويقسم التحليل التجاوزي إلى قسمين: تحليل المفاهيم وتحليل المبادئ. الأول يهتم بالمفاهيم المسبقة(الفاهمة)، والثاني، يستكشف قواعد تفكيرنا. من أساسيات تحليل المفاهيم التمييز بين الظواهر، ويسميه كانط "نومينا". يقصد كانط بالظواهر، موضوعات تجاربنا الحسية. ويعني ب"نومينا"، الأشياء المستقلة عن تصوراتنا كما هي بحد ذاتها. على هذه الأسس، يُشهر كانط أحد أهم رؤاه الفلسفية المعرفية، ومفاده أن ليس بمكنتنا معرفة العالم إلا كما يبدو لنا، وليس كما هو بالفعل.
بخصوص تحليل المبادئ، يؤكد كانط ضرورته لكل منا لفهم تجاربه، كونه كما ذكرنا قبل قليل يستكشف القواعد والمبادئ الموجِّهَة لتفكيرنا. على هذا الصعيد، يتوقف كانط عند السببية، إذ يقول أن لا شيء يحدث من دون سبب، ولكن يصعب تحديد ما إذا كان السبب ضروريًّا أم عرضيًّا.
وفيما يلي، نبسط ما نرتئي أهمية الإضاءة عليه من أفكار وعبارات تضمنها الكتاب:
-"الأحكام احتمالية عندما نعُد الإثبات أو النفي ممكنين وحسب(اعتباطيًّا). وإخبارية عندما نعدها متحققة(صادقة). ويقينيةعندما ننظر إليها بوصفها ضرورية".
-"الحقيقة، مطابقة المعرفة لموضوعها".
-" الحدس، التصور المُعطى قبل أي تفكير".
-"الحدس في حد ذاته لا يُنتج معرفة، فحدس المكان والزمان مثلًا لا يعتبر معرفة بعد، بل هو حدسٌ معطى قبلِيًّا من أجل معرفة ممكنة. ولأجل تحقق المعرفة، كأن نعرف شيئًا في المكان مثل الخط، فيجب أن نخطه، وأن نحقق من حيث التأليف ربطًا مُتَعَيَّنًا للمتنوع المُعطى، وبذلك نعرف مكانًا مُتَعَيَّنًا متمثلًا بالخط. فالحدس هنا يحتاج إلى الربط، والتأليف الذي هو فعل الفاهمة".
أما وقد أتينا على ذِكر الزمان والمكان، فإنهما برأي كانط قوالب للمعرفة أساسية ومطلقة، بهما نرى الأشياء وإن كانا ليس جزء من الأشياء ولا هما جزء منا. بدون زمان ومكان، لا نرى شيئًا ولا نلاحظ شيئًا.
-"ليس للعقل المحض صلة مباشرة بالموضوعات ولا بحدسها، بل بالفاهمة وأحكامها الموجِّهة بدءًا إلى الحواس وإلى حدسها...فوظيفة العقل هي أنه يعمل على تنظيم المفاهيم ويضفي عليها الوحدة".
-"العلاقات الدينامية الثلاث، التي تصدر عنها سائر العلاقات، هي علاقات المُلازَمَة والتوالي والتركيب".
-"أحوال الزمان الثلاث، بحسب كانط، الدوام والتعاقب والمعية".
-"المبادئ التي ينحصر تطبيقها كليًّا ضمن حدود التجربة الممكنة، محايثة. وتلك التي تخرج عن هذه الحدود، متجاوزة".
-"كل معرفتنا تبدأ بالحواس، وتنتقل منها إلى الفاهمة، وتنتهي في العقل".
-"العقل هو الشرط الدائم لكل الأفعال الإرادية".
-"العقل مذ بدأ يفكر أو يتفكر بالأحرى، لم يمكنه قط الإستغناء عن ميتافيزيقا ما".
بالطبع، لا يمكن الإحاطة بكتاب "نقد العقل المحض" في مقالة مهما اتسع حجمها، ولكن نأمل أن يكون التوفيق قد حالفنا في تقديم الكتاب لقارئنا العزيز.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي