الشاعر أوڤيد ومورفيوس: إله الأحلام في -ألتحولات-

ثائر ابو رغيف
2025 / 3 / 2

إلى أخي وضاح
طالما كنت من المعجبين بسلسلة إفلام ماتركس ليس لكونه من فئة ألخيال ألعلمي أو الإثارة بل لكم الإستعارة وألسردية ألفلسفية فيه فعندما كنت أدرس ألتقنية ألمعلوماتية قبل عقدين حصل نقاش في داخل ألصف بيني وبين مدرسة وحين ذكرت فيلم ماتركس كانتاج فلسفي رفضت فكرتي ضاحكة لانها ظنته فلم أثارة. ولكن ألتأريخ أنصفني لدى بحثي عن ألإستخدامات ألمجازية لكهف إفلاطون (مقال سابق). ألشخصية ألمركزية في ألفيلم نيو (أدى دوره ألممثل كيانو ريڤز) لم تثر أهتمامي بقدر شخصية مورفيوس (أدى ألدور لورنس ِفش برن) ألذي أضفت شخصيته ألمسار الإسطوري للقصة فهو من يظهر لسجناء ألماكنة في سباتهم ألعميق ليعطيهم الخيار بين حرية الإختيار ألمرة أو جهل ألكبش بموعد ذبحه لكثرة الإناث . فحتى أسمه مورفيوس هو من إختاره بعد تحريره من ألماكنة الهائلة ألتي تستخدم البشر كبطاريات فمعظم ألبشر ممن أمضوا حياتهم داخل كبسولة في ألماتركس (يتغذون على بقايا الموتى التي تحولها الماكنة إلى سائل غذائي يحقن داخلهم) لايعرفون كينونتهم وحتى أسمائهم.
مورفيوس إسم رب من أرباب ألبداية اي قبل ألخليقة (قبل زوس أو كورونوس) ,اسمه اللاتيني يعني ألتحول (كتحول ألفراشة من يرقة او ألقابلية على تغيير ألشكل) وهو أحد الأبناء ألثلاثة للاله سومنوس أله ألنوم (في اللغة الإنگليزية تجد ألمصدر متوافقا فعدم القدرة على ألنوم تسمى إنسومنيا)
بما أن الإشارة القديمة الوحيدة إلى مورفيوس ترد في كتاب "التحولات" لأوڤيد، حيث يروي أوڤيد قصة سايكس وزوجته ألكيون اللذين تحولا إلى طيور. وفي رواية أوڤيد، ترسل جونو (عبر إلهة الرسول إيريس) مورفيوس ليظهر لألكيون في الحلم، بصفته زوجها سايكس، ليخبرها بوفاته لذا يتوجب ألبدء بأوڤيد.
يُعتبر پوبليوس أوڤيديوس ناسو، المعروف إختصاراً بأوڤيد (43 ق.م - 17 م) أحد أعظم الشعراء الرومان، وأعماله مثل (ألتحولات/ الإنمساخات كما لدى كافكا) تركّز على الأساطير والمشاعر الإنسانية. إشتهر بإسلوبه ألسردي وقدرته على نسج القصص المليئة بالخيال والتحولات الرمزية.
في ملحمته "التحولات"، يروي أوڤيد 250 أسطورة مترابطة تدور حول التحول الجسدي أو الروحي. هذه الثيمة ليست مجرد تغيير شكلي، بل تعكس تطوراً داخلياً أو تكريماً او حتى عقاباً إلهياً مما يجعل العمل مرآة للطبيعة البشرية الهشة أمام قوى القدر
في الكتاب الحادي عشر من "تحولات"، يظهر مورفيوس كواحد من أبناء الإله سومنوس (إله النوم). اسمه مشتق من الكلمة اليونانية "مورفيأي "الشكل"، مما يعكس قدرته على تقمص أي هيئة بشرية في الأحلام. يُصوَّر مورفيوس كأكثر الأخوة (فوبيتور وفانتاسوس) مهارةً في محاكاة البشر، مما يجعله رسول الآلهة لنقل الحقائق المؤلمة عبر الأحلام
تتجلى أهمية مورفيوس في قصة الزوجين ألسيوني وسايكس، حيث يُهلك سايكس في عاصفة بحرية و تصل أنباء موته إلى زوجته عبر حلم مُرسل من الإلهة جونو، التي تطلب من مورفيوس أن يتقمص شكل سايكس الغارق ليظهر لألسيوني في حلمها. هنا، يصوّر أوڤيد مورفيوس كفنان قادر على سرد تفاصيل المأساة: جسد سايكس الشاحب، ملابسه المبللة، وصوته المحطم. هذا الحلم ليس مجرد رسالة، بل تجسيد للحد الفاصل بين الحياة والموت، بين الواقع والوهم
مورفيوس عند أوڤيد ليس مجرد رب أسطوري، بل رمز لقوة الفن والأدب في تشكيل الحقائق وإعادة صياغتها. قدرته على التحول تعكس ثيمة العمل الأساسية: التحول كعملية إبداعية تخلق جسراً بين العالمين المادي والروحي. كما أن استخدام الأحلام كوسيلة للوحي الربوبي يذكّر القارئ بهشاشة إدراك البشر للحقيقة، التي قد تُكشف فقط عبر رموز خفية
مورفيوس في شعر أوڤيد ليس مجرد رسول أحلام، بل تجسيد للفن نفسه: قادر على تحويل المأساة إلى جمال، والموت إلى قصة خالدة. عبر هذا الكائن الأسطوري، يقدم أوڤيد رؤية عميقة عن طبيعة الواقع كسلسلة من التحولات، حيث يكون الخيال أداةً لفك رموز الوجود. وهكذا، يظل مورفيوس شاهداً على عبقرية أوڤيد في خلط الأسطورة بالفلسفة.
وفي فيلم الماتركس يظهر مورفيوس لنيو كمخلص حين يمنحه ألخيار بين حبتي دواء احداهما زرقاء اللون والأخرى حمراء اللون. ألخيار بين ألبقاء كما هو الحال ان تعيش يومك كأي حمار نقل أو أن تنهض لتسأل أهم سؤال: ما أنا ؟.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي