رجلٌ أمام ترامب المتغطرس وأحمق بحسابات السياسة!

عبدالله عطوي الطوالبة
2025 / 3 / 1

نرجح أن أوراق فلاديمير زيلينسكي قد بدأت تحترق إن لم تكن قد احترقت، ويقترب هو نفسه من نهاية دوره السياسي. ونرى أن المنظومة السياسية الحاكمة في كييف لم يعد لها مصلحة ببقائه، ولا بد من بديل. ولربما يكون لقاؤه مع الرئيس الأميركي المتعجرف المتغطرس، دونالد ترامب، آخر مهمة يقوم بها بصفته رئيسًا لأوكرانيا، أو قبل الأخيرة، مع أن ولايته منتهية أصلًا منذ أيار الماضي.
شاهد العالم كله اللقاء، وقد كان عاصفًا متوترًا، وغير مسبوق في العلاقات الدولية. كان وأضحًا أن كمينًا نُصِب لزيلينسكي، بدليل السؤال الأول الموجه له من صحفي أميركي بصيغة استفزازية: هل تملك بذلة، وكيف تأتي إلى أهم مكان في العالم بهذا اللباس؟! كان رد زيلينسكي واثقًا هادئًا غير منفعل، انطوى على نقد لاذع للسائل: "بعد أن تنتهي الحرب سأرتدي بذلة مثل تلك التي ترتديها أنت، ربما أغلى أو أرخص" . بعد ذلك فوجئ ومعه المراقبون بأسلوب ترامب ونائبه الاستفزازي الاستعلائي في مخاطبته، بنبرة املاءات واستصغار شأن. لكنه لم يرتبك، ولم يبلع لسانه. لم يرتجف ويتملكه الجزع، ولم يطأطئ رأسه ويخنع أمام المتغطرس ترامب. رفع يده في وجهه أكثر من مرة مثلما فعل ترامب معه، وقاطعه وهو يتحدث معترضًا على ما يقول. بدت حركات يدي الرجلين المتوترة للمراقبين كما لو أن اللقاء قد ينقلب عِراكًا في لحظة، ولنا أن نتخيل لو تطورت الأمور بهذا الإتجاه. ونعتقد أن البعض لو فوجئ بموقف مماثل لانهار في مقعده، ولربما "عَمِلها على حاله" كما نقول في دارجتنا الأردنية. هذا الموقف يُسجل لزيلينسكي، ويُحسب له وليس عليه رغم ظروف دولته الصعبة جدا في مرحلة تاريخية مفصلية والوضع المزري لجيشها على جبهات القتال مع روسيا.
لكن في المقابل، ما فوجئ به زيلينسكي في البيت الأبيض ليس بلا مقدمات خاطئة تناسلت على أرضيتها خطايا ستكلف أوكرانيا وزيلينسكي نفسه كثيرًا. لقد تكشف الرجل عن جهل يلامس تخوم الحماقة في السياسات الدولية، وبشكل خاص كيفية اللعب مع الكبار. الدول الكبرى القوية ليست أقدارًا، ولكن مواجهتها لها شروط تُقاس بموازين الألماس وليس موازين الذهب فحسب. الأهم من ذلك، أنها لا تجامل في أمرين: مصالحها وأمنها، ولديها فائض قوة وأنياب نووية بمستطاعها تدمير العالم كله. غريب أن مثله غاب عن باله أو غُيِّبَ ربما، حقيقة أن روسيا لا يمكن أن تقبل انضمام أوكرانيا لحلف النيتو، حتى لو اضطرت إلى استخدام ترسانتها النووية الأكبر في العالم. والأهم من ذلك، لا ندري كيف فاته ما لا يجوز أن يخطئ فيه من في منصبه قيد أنملة، ونعني استحالة صمود أوكرانيا في مواجهة دولة عملاقة، مثل روسيا؟! ولكن من الواضح أن هناك من غرَّرَ به لتحقيق هدفين اثنين: تدمير أوكرانيا والسيطرة على ثرواتها وإضعاف روسيا واستنزافها. نقول ذلك، وفي الذهن اعترافات مستشارة ألمانيا السابقة أنجيلا ميركا، ورئيس فرنسا الأسبق فرنسوا هولند. فقد أعلنا صراحة أن اتفاقيات مينسك لحل الأزمة الأوكرانية سلميًّا مع روسيا كان الهدف منها منح كييف الوقت الكافي لتعزيز قدراتها العسكرية ومدها بالأسلحة من حلف النيتو والدول الغربية.
ونستغرب جدا، ولا بد يشاركنا الإستغراب كثيرون، كيف تجاهل زيلينسكي أن اقليم الدنباس شرق أوكرانيا هو في الأصل أراض روسية ضمها إلى أوكرانيا مؤسس الاتحاد السوفييتي، وقائد ثورة أكتوبر الاشتراكية، فلاديمير إيليتش لينين. الشيء ذاته ينسحب على جزيرة القِرم، وقد ضمها إلى أوكرانيا زعيم الإتحاد السوفييتي السابق عام 1954، نيكيتا خروشوف. أسباب الضم في الحالتين معروفة، ولا نرى ضرورة لبسطها هنا.
وقد تُحسب ضمن خطايا زيلينسكي السياسية وحماقاته ونظامه، وضعهم البيض كله في سلة الغرب، في سلة أميركا خاصة. بطبيعي الأمر، أنظمة دول أوروبا الغربية مثلها مثل الكيان الصهيوني، لا يمكن أن تقدم على فعل عسكري من دون دعم أميركا وموافقتها وضوئها الأخضر. غاب عن ذهن الأحمق زيلينسكي أن أميركا لها مصالح فقط، وليس لها أعداء، ولا يهمها كثيرًا أولئك الحمقى مثله الذين يحلو لهم نعت أنفسهم ب"أصدقاء" أميركا و"حلفائها". أميركا لصالحها إضعاف روسيا واستنزافها، وليس الدخول معها في مواجهة عسكرية قد تودي بكوكب الأرض بمن فيه وما عليه. وهذا هو الهدف الرئيس لاشعال فتيل الأزمة الأوكرانية منذ بداياتها الأولى، وقد قَبِلَ زيلينسكي ونظامه لعب الدور وتولي مهمة التنفيذ. هنا، هنا بالذات خطيئة زيلينسكي ونظامه، وعليهم اليوم دفع ثمن حماقاتهم بحسابات السياسة واللعب مع الدول الكبرى. أميركا التي زجته في الأمس بحرب أكبر بكثير من قدرات أوكرانيا، هي ذاتها التي تتخلى عنه اليوم وقد باعته في سوق النخاسة بأبخس الأثمان.
زيلينسكي، موقفك أمام ترامب في البيت الأبيض رجولي يُسجل لك، لكنك بحسابات السياسة واللعب مع الكبار أحمق.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي