الحرية والإبداع: ركيزتا التقدم ونهضة الأمم

أكرم شلغين
2025 / 2 / 25

لا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر أو يحقق تقدما حقيقيا في غياب الحرية والأجواء الديمقراطية؛ فالحرية ليست مجرد شعار أو كلمات جوفاء وإنما هي البيئة التي تنمو فيها العقول وتتحرر فيها الأفكار ويتجلى فيها الإبداع. عندما يشعر الفرد بأنه مواطن يتمتع بكامل الحقوق ولا يخاف التعبير عن رأيه أو اتخاذ قراراته فإنه يصبح أكثر قدرة على الإبداع والإنتاج والمشاركة الفاعلة في بناء المجتمع. أما في ظل القمع والخوف فإن العقول تتجمد وينشغل الأفراد بتجنب العقوبات بدلا من البحث عن حلول جديدة أو ابتكار أفكار خلاقة.
وبغالب الأحيان هناك من يحول الاختلاف إلى خلاف غير آبه بأن في ذلك تهديد خطير لاستقرار الأوطان؛ فالمجتمعات التي لا تتقبل تعدد الآراء وتحول أي وجهة نظر مختلفة إلى صراع داخلي فتسهم في انقسامات عميقة تؤدي إلى ضعف الروابط الاجتماعية وتآكل الثقة بين أفرادها.
في الغرب نجد أن من يحمل أفكارا مختلفة يمكنه أن يحظى بقبول ودعم جماعي بل وقد تتبنى الحكومات تلك الأفكار وتوفر لها الدعم المالي لتنظيم حملات أو مبادرات تسهم في التجديد الاجتماعي. هذا النموذج يبرز أهمية تحويل الخلاف إلى حوار بناء، حيث ينظر للاختلاف كقوة دافعة للتجديد والابتكار بدلا من كونه مصدر فتنة.
وليس هناك ثقافة تتسامح مع التعددية الفكرية فحسب بل تتبناها كأسلوب للحوار والتقدم. ففي ألمانيا، على سبيل المثال، تعد "Streitkultur" أي "ثقافة الجدل" جزءا أساسيا من الحياة الاجتماعية والسياسية عامة؛ حيث ينظر إلى الجدل والنقاش كوسيلة لتبادل الأفكار وصقلها مما يساهم في رفع مستوى الفكر العام. هذه الثقافة تعكس الاعتقاد بأن الاختلاف في الرأي ليس تهديدا بل فرصة لاستقصاء الحقيقة وإيجاد حلول مبتكرة للتحديات المجتمعية.
التاريخ مليء بالأمثلة التي تؤكد أن الحرية شرط أساسي للتقدم والنهضة. فمثلا، لم يكن لعصر النهضة في أوروبا أن يحدث لولا كسر قيود الاستبداد الديني والسياسي مما أفسح المجال أمام الفلاسفة والمفكرين والفنانين للتعبير بحرية وإنتاج المعرفة. كذلك ازدهرت الولايات المتحدة بعد تبنيها نظاما ديمقراطيا ضامنا للحقوق والحريات وهذا ما جعلها بيئة خصبة للعلم والتكنولوجيا والاقتصاد بل وجعلها منها المكان المفضل لهجرة من يريد ان يعمل ويبدع بحريةز
في العالم العربي حدث أن عرفت الحضارة الإسلامية في عصورها الذهبية ازدهارا فكريا وعلميا غير مسبوق وكان الانفتاح على الأفكار الجديدة وحرية الفكر من أهم عوامل هذا الازدهار. ومع ذلك فإن تراجع هذه الروح المنفتحة لصالح القمع والتقييد أدى إلى تراجع النهضة وانحسارها.
حين تغيب الحرية، لا يكون أمام العقول المبدعة سوى خيارين: إما الخضوع والصمت وإما الهجرة والبحث عن بيئة حرة تحتضن أفكارها. هذه الظاهرة لم تقتصر على العصور القديمة فحسب بل نراها اليوم في العديد من الدول التي تعاني من القمع وغياب الحريات. فكما شهدت ألمانيا النازية هجرة الأدباء والمفكرين مثل توماس مان (وعائلة مان عموما) وبرتولت بريخت وجورج جروس، يشهد العالم العربي هجرة جماعية للعقول والمبدعين الذين يبحثون عن بيئة تشجع الحرية الفكرية والإبداع دون تهديد أو تكميم.
ربما علينا أن نذكر ونتذكر أن بناء الأوطان لا يكون إلا بالحرية والمحبة والشعور بالمواطنة الحقيقية. فالمواطن الذي يشعر بأنه مسلوب الحرية والحقوق لن يكون قادرا على العطاء أو الإبداع بل سيعيش في خوف دائم يمنعه من المساهمة الفعالة في مجتمعه. أما حين يتمتع المواطن بحرية الفكر والتعبير فإنه يكون أكثر استعدادا للمشاركة في تطوير بلده وأكثر قدرة على الابتكار والإنتاج.
إن التجارب التاريخية والحالية تؤكد أن الشعوب التي تُقمع تموت فكريا وأما تلك التي تُحترم فيها الحرية فتنهض وتزدهر، مسهمة بذلك في بناء حضارة إنسانية قائمة على التنوع والابتكار.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي