|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

ثائر ابو رغيف
2025 / 2 / 19
أثارت المقارنة بين دونالد ترمپ وأدولف هتلر جدلًا كبيرًا، حيث انقسم المؤرخون والخبراء السياسيون حول مدى صحتها. ورغم أن مثل هذه المقارنات قد تُقلل من فظائع النازية، إلا أنها تُشــكّل أيضًا عدسة لفحص تآكل المعاييــر الديمقراطية وصعود العوامل السلطوية التي ساهمت في اندلاع الحرب العالميــة الثانية. أركز في هذه المقالــة على أوجــه التشابه الرئيسية بين استراتيجيــات ترمپ السياسية وصـعود هتلر، وربطها بالإخفاقــات النظامية والأيديولوجيات التي مهدت طريق الصراع العالمي في ثلاثينيــات القرن العشرين
استغلال المظالم وتقويض المؤسسات الديمقراطية:
استغل كلا الزعيمين الانقسامات المجتمعية والقلق الاقتصادي لتعزيز السلطة. صعد هتلر بإلقاء لوم انهيار ألمانيا الاقتصادي بعد الحرب العالميــة الأولى على اليهود كـ"كبش فداء" ومعاهــدة فرســاي، مُصــوِّرًا نفسـه كمُنقذ لأمــة مُهانة. بالمثــل، سلح ترمپ المظــالم المُتعلقة بالعولمــة والهجرة والتحوُّلات الثقافية وإستفحال ظاهرة ألمثليين وممن ينضموا لمسميات أخرى ضمن أل جي بي تي آي كيو +، مستهدفًا إيضاً مجموعــات مُهمَّشة مثل المسلمين والمهاجريــن اللاتينيين كتهديدات للهوية الأمريكية
بدأ هتلر في تفكيك جمهورية ڤايمار (الحكومة الديمقراطية الألمانية من ١٩١٩ إلى ١٩٣٣) عن طريق تهميش الرقابــة البرلمانيــة عبر مراســيم الطوارئ، وهي تكتيكات تشــبه اعتماد ترمپ على القرارات التنفيذيــة وهجماتــه على استقلالية القضــاء، مثل عفوَه عن المتطرفين اليمينيين المشــاركين في تمــرد الســادس من يناير. يُذكِّر هذا التآكل في فرض الضوابـــط على الســلطة التنفيذيـــة بانهيار الضمانـــات الديمقراطية في ألمانيا ما قبل الحرب، حيث مهد قادة مثل هندنبرغ الطريق لسلطوية هتلر.
الدعاية والأكاذيب وعبادة الشخصية:
كان استخدام الدعاية للتلاعب بالتصور العام حجر أساس في نظام هتلر. فسيطرة جوزيف گوبلز على السرديات الإعلامية ونشر المؤامرات ضد أليهود أدت إلى تطبيع التطرف. بنفس ألوقت يعكس خطاب ترمپ الذي يصف فيهِ الصحــافة بأنها "أعداء الشعب" ويروج لمزاعم لا أساس لها من الصحــة مثل "أوقفوا السرقة" يعكس استراتيجية مماثلة لهتلر لنزع الشرعية عن الحقيقة وتعزيز الولاء لشخصيته.
اعتمد كلا الزعيمين أيضًا على الأكاذيب الاســتعراضية لإعادة تشــكيل الواقع. يذكر المؤرخ هنك دي بيرگ أن ترمپ وهتلر كانا "فنانيــن استعراضيين سياسيين" اســتخدما أكاذيــب متكررة وقحة لتحفيز المؤيدين وزعزعة الخصوم. يجمع هذا التكتيك بين لغة تجريد الإنسانية (مثل وصف ترمپ للمهاجرين بـ"الطفيليات" وتصوير هتلر لليهود كـ"طفيليات")، مما يعزز عقلية "نحن ضدهم" الحاسمة في ترسيخ السلطوية.
العسكرة والطموحات التوسعية:
رغم أن سياسات ترمپ تبدو على إنها تخلو من النية الإبادة الجماعية (بإستثناء مطلبه في غزة) التي ميزت هتلر، إلا أن نهجه المعتمد على الصفقات في العلاقات الدولية ونزعته الانعزالية يُذكِّر بإخفاقات سياسة الاسترضاء ألتي تم إتخاذها قبل نشوب الحرب العالمية الثانية.
فقد تمكن هتلر من ضم منطقة السوديت (تتكون من أجزاء من تشيكوسلوفاكيا السابقة) ومطالبته بمساحة حيوية (مفهوم ألماني للتوسع "مساحة المعيشة") بفضل القوى العالمية المترددة في مواجهته. وعلى نحو مماثل، فإن تهديدات ترمپ بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي ودبلوماسيته المعاملاتية مع قادة مثل پوتن تخاطر بزعزعة استقرار التحالفات الدولية التي حافظت على الاستقرار بعد الحرب العالمية الثانية
كما أن خطاب ترمپ حول الاستيلاء على گرينلاند وغزة وعسكرة الفضاء ("استعمار المريخ") يعكس طموحات هتــلر التوسعية، وإنْ صُوِّرت عبر عدســة رأسماليــة بدلًا من التوسع العرقي. صوّر كلا الزعيمين العدوانية كتجديد وطني، مستحضرين الحنين إلى عظمة الماضي، سواء كان "الرايخ الثالث" لهتلر أو شعار ترمپ "اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا"
الاستقطاب النظامي وتهديد الليبرالية:
أدى الاستقطاب المفرط في ألمانيا في عهد ڤايمار، والذي تفاقم بسبب الأزمات الاقتصادية والجمود السياسي، إلى خلق أرض خصبة للتطرف النازي. ويحذر المؤرخ كريستوفر براوننگ من أن التكتيكات الجمهورية في عهد ترمپ، مثل قمع الناخبين وتسييس القضاء، تعكس تدهور المعايير الديمقراطية في ألمانيا ما قبل النازية. فتدخلات السيناتور الجمهوري الأقدم ميچ ماكونيل التي تشبه بطبيعتها تمكين هيندينبرگ لهتلر، تسلط الضوء على كيف يمكن للانحلال المؤسسي أن يمهد الطريق للاستبداد
إن تحالف ترمپ مع القوميين المسيحيين يتوازي بشكل أكبر مع تحالف هتلر مع النخب المحافظة التي اعتقدت أنها تستطيع السيطرة عليه. إن إلغاء قضية رو ضد وايد (تمت في عهد ترمپ السابق ألغي بموجب الحكم حق الأمرأة بالإجهاض حتى لو كان الحمل ناجما عن إغتصاب او سفاح) والهجمات على الإيديولوجيات "المستيقظة" تعكس دفعًا رجعيًا لعكس التقدم الاجتماعي، على غرار الجهود النازيـــة لإلغاء الحريات في عصر ڤايمار
: دروس من التاريخ: تجنُّب المسار نحو الصراع
تُقدّم أسباب الحرب العالمية الثانية من عدم الاستقرار الاقتصادي، والدبلوماسية الفاشلة، والسلطوية غير المُقيَّدة تحذيرات صارخة. ورغم أن أفعال ترمپ لم تؤدِ إلى إبادة جماعية أو حرب عالمية، إلا أن رئاســته تُظهر كيف يمكن أن تتفكك الديمقراطيــات عبر التآكل التدريجي للمعايير. يحذّر مؤرخون مثل سيلڤيا تاشكا من التبسيط في المقارنات، لكنهم يؤكدون أن تجاهل أوجه التشابــه يُعرّضنا لخطر إهمال المؤشرات الخطرة
يغذي خطاب ترمپ الانقسام ويسعى حلفاؤه كإيلون ماسك للسلطة المطلقة، وتذكرنا دروس ثلاثينيات القرن الماضي بأن منع الكارثة يتطلب مواجهة السلطوية قبل تفاقمها.
مقارنة ترمپ بهتلر ليست بصدد المساواة بين جرائمهما، بل إدراكًا لأنماط الديماگوگية (الاستقطاب الشعبي) وتدهور الديمقراطية. فترة ما بين الحربين تعلمنا أن استرضاء التطرف وتطبيع الكراهية له عواقب وخيمة. إن تجنُّب الولايات المتحدة مســارًا مماثلًا يعتمد على تعزيز المساءلة، والدفاع عن المجتمعات المهمَّشة، ورفض تطبيع تكتيكات السلطوية وهي مهمة ملحّة اليوم كما كانت في عام ١٩٣٣