![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
عبدالله عطوي الطوالبة
2025 / 2 / 19
لم نسمع يومًا مسؤولًا أميركيًّا يقول، إن علاقات بلاده مع هذه الدولة أو تلك استراتيجية. يشمل ذلك الرئيس الأميركي، وأركان إدارته. أبعد مدى إيجابي يمكن أن يذهب إليه المسؤولون الأميركيون في وصف علاقات بلادهم بالدول، القول بأنها "قوية" أو "متينة" وفي حالات معينة "أقوى من أي وقت مضى". لا يستخدم المسؤول الأميركي مصطلح "استراتيجية" حتى في نعت علاقات واشنطن مع الدول التي تدور في فلكها، أو تُصنف ضمن حلفائها.
السبب وثيق الصِّلة باشتراطات وصف "استراتيجية"، وما يترتب عليها بمنظور أميركا خاصة. فالعم سام، يرى نفسه الأقوى والأفضل وأن الآخرين بحاجته وليس العكس. وبالتالي، هو من يقرر مستوى العلاقات معهم ونوعها وحدودها.
أما بخصوص محددات علاقات أميركا مع الدول، فالمنفعة في مقدمها، وشرطها الرئيس أن تأخذ أكثر مما تُعطي.
تقيم واشنطن، مدفوعة بمصالحها، علاقات مع خصومها ومع الدول الصديقة والحليفة حسب المفهوم الأميركي للصداقة والتحالف بالطبع. المعيار الأهم في الحالتين، مراعاة عناصر القوة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية لدى هؤلاء وأولئك. مع الأقوياء، العلاقات ندية ومتكافئة. مع هؤلاء تأخذ واشنطن بنظر الاعتبار أن العلاقات معهم مفتوحة على احتمالات عدة، حتى وهي تسعى في تحسينها. فقد كان لافتًا تصريح البيت الأبيض قبل أيام بشأن التقارب مع روسيا بعد عودة ترامب إلى المكتب البيضاوي، وقد جاء فيه: "نسعى في تطوير العلاقات مع دولة منافسة وخصم في أوقات معينة". أما الضعفاء وبخاصة "المطواعون" منهم، فعادة ما يتعرضون للابتزاز كي يقدموا أكثر على صعيدي دفع المال من قِبَل من يملكه منهم، أو "الخدمات الأمنية" من جانب ذوي المواقع الجغراسياسية المهمة.
يكفي هذا القدر من محددات علاقات أميركا الخارجية، لنعاين في ضوئه إصرار بعض كتاب صحافة الحكومة في ديرتنا الأردنية على وصف علاقات بلادنا مع واشنطن بالاستراتيجية. ومنهم من لا يفتأ يُضيف إليها وصف "المتكافئة"، ولا حول ولا قوة إلا بالله. إذا العلاقات بين الأردن وأميركا استراتيجية ومتكافئة، فكيف يُفترض أن يصور خيال كُتَّاب الحكومة نظيرتها مع ألمانيا وفرنسا المتقدمتين اقتصاديا وعلميا وتقنيا؟!
لكن ما نراه هذه الأيام أن أميركا بجرة قلم قَزَّمت حليفتها أوروبا، بما فيها ألمانيا وفرنسا، وأنزلتها منزلة لا تُحسد عليها. ونعني تهميشها، بإبعادها عن المفاوضات مع الروس بشأن أوكرانيا. أوروبا، التي طالما استقوت بعلاقاتها مع أميركا واطمأنت لوضع أوراقها في يد اليانكي، لم يتردد ترامب في حرق هذه الأوراق والدوس على رمادها. الروس من جانبهم، قالوا صراحة على لسان وزير خارجيتهم سيرجي لافروف، وبالحرف: لا مكان للأوروبيين في المفاوضات بشأن أوكرانيا إذا أرادوا تجميد الصراع لمواصلة تسليح كييف". وهكذا التقى العملاقان النوويان، الروسي والأميركي في صياغة رسالة للأوروبيين مفادها، لا مكان لكم على طاولة الكبار.
تأسيسًا على ما تقدم، نختم بهمسة في اذان بعضنا المومأ إليهم فوق: طيشوا على شبر ماء كما يحلو لكم، ولكن ارحموا كلمة "استراتيجية" وابنة عمها "متكافئة" من انتهاك حرمتيهما. بإيجاز شديد، توقفوا عن العَرْطْ. تواضعوا قليلًا، وقولوا كما يقول الأميركيون أو استخدموا وصف جيدة وما يقوم مقامها، عند الإتيان على ذِكر العلاقات مع أميركا.
توضيح للأشقاء العرب: العَرط باللهجة الأردنية أقرب إلى الكذب، لجهة تضخيم الذات وتجاوز الواقع القائم إلى آخر منشود ومُتخيل.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |