ثقافة التكرار والإجترار

عبدالله عطوي الطوالبة
2025 / 2 / 17

بعد أن شعر الخليفة الراشدي الثاني، عمر بن الخطاب، بدنو أجله إثر طعنه بيد "أبو لؤلؤة"، اقترح ستة مرشحين لخلافته، سُمُّوا أهل الشورى، كَلَّفهم باختيار أحدهم خليفة بعده. هؤلاء الستة هم: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيدالله. استدعى عمر هؤلاء الستة، وقال لهم:"إني نظرت، فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم، ولا يكون هذا الأمر إلا فيكم، وقد قُبض على رسول الله وهو راضٍ عنكم، ثم أضاف اليهم ابنه عبدالله، يحضر مشيرًا، ولا يكون له من الأمر شيء"(الجابري: العقل السياسي العربي، ص144). لاحظ أن عمر قرر النأي بابنه عن وراثته في الخلافة، حيث شدد على أن دوره لا يتعدى استشارته فقط، وهذا يؤكد أن التوريث السياسي ليس من الاسلام بشيء. فقد استنه معاوية بن أبي سفيان، والتقطه الاستبداد العربي هدية من السماء اتخذها شِرعة ومنهاجًا في نقل السلطة السياسية حتى اليوم في القرن الحادي والعشرين.
حَدَّدَ عمر أمدًا زمنيًّا لاختيار أحد أهل الشورى الستة خليفة، بحيث لا يتجاوز اليوم الثالث بعد وفاته. ووضع قواعد صارمة للاختيار، لا يحق لأيٍّ منهم مخالفتها، وهي مدونة في مراجعنا التاريخية لمن يرغب بمطالعتها. كان عمر يدرك عدم وجود نصوص دينية تحدد كيفية اختيار الخليفة، ويستشعر الاختلاف حتى بين أهل الشورى الستة أنفسهم على أرضية قَبَليَّة وعشائرية، ويخشى خطره على الدولة الناشئة، إذا اندلع واستفحل.
تنقل لنا مراجعنا التاريخية روايات عدة بشأن مسلك رئيس مجلس الستة الكبار، عبدالرحمن بن عوف، لاختيار خَلَفَ عمر. تشير مصادر إلى أنه بدأ بنفسه، فتنازل عن حقه في الترشح للخلافة، مقابل توليه اختيار أحدهم خليفة بعد مشورة الناس وأخذ رأيهم، فوافقوا. لكنه لم يلبث أن قدم اقتراحًا آخر، مفاده تنازل ثلاثة لثلاثة. فتنازل الزبير لعلي، وتنازل طلحة لعثمان، وتنازل سعد لعبدالرحمن بن عوف. وبما أن ابن عوف قد تنازل عن حقه في الترشح، فقد انحصر الأمر في علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان.
تذهب روايات إلى أن أعضاء مجلس الستة قد استطلعوا آراء الناس، لكنها تُجمع، أي الروايات، على تَبَيُّنِهم وجود انقسامات خطيرة بين المناصرين لكل من علي وعثمان. حينها، قرر رئيس المجلس عبدالرحمن بن عوف مواجهة كل من عثمان وعلي بشرط أساسي واحد، هو:"العمل بكتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر"، فقبل عثمان من دون تحفظ. أما علي، فقد أبدى تحفظه قائلًا:"اللهم لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي"(العقل السياسي العربي: 147). فبايع ابن عوف عثمان، وتبعه الناس.
لنا أن نلاحظ الأساس المعتمد لاختيار الخليفة، وهو كما ذكرنا "العمل بكتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر". ألزم عثمان نفسه بهذا الشرط بلا تردد، بحرفه وحذافيره. أما علي، فقدم نفسه شخصية تاريخية مفكرة، وصاحب رأي واجتهاد. وتنسجم رؤية علي مع نواميس الحياة وتحولاتها، وبشكل خاص قانونها الرئيس:"التغيير هو الثابت الوحيد في الحياة". من هنا نفهم الأساس الذي انطلقت منه مقولات علي التاريخية، ومنها:"القرآن لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال...القرآن حمَّال أوجه". والرجال أبناء مراحل، ولكل مرحلة مستجداتها التي تستدعي الاجتهاد والإبداع. لكن علي أُبْعِدَ عن الخلافة، لأن ثقافتنا كانت وما تزال ترفض "الخروج عن النص"، ثقافة تحبذ التكرار والإجترار على الإبداع والإبتكار.
وما تزال العقلية العربية، تحبذ تعيين "اللَّخمَات" والإمَّعات والطراطير في مواقع المسؤولية، وقربَ الحاكم وحوله خاصة، الذين يرددون كالببغاوات ما يُلقى في روعهم، بقدر نفورها من أصحاب الفكر والرأي. ولا تنفك ثقافتنا تلقننا بِثَلب كل من يستخدم عقله، بأنه "يتفلسف كثيرًا" !

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي