![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
حمدي سيد محمد محمود
2025 / 2 / 15
د.حمدي سيد محمد محمود
شكَّل توحيد إيطاليا في القرن التاسع عشر واحدة من أبرز الحركات القومية التي أعادت رسم خارطة أوروبا السياسية، وكان الملك فيكتور إيمانويل الثاني أحد أبرز القادة الذين قادوا هذه المسيرة بحنكة سياسية وعسكرية. ففي ظل التشرذم الذي ساد شبه الجزيرة الإيطالية، وتحت وطأة النفوذ النمساوي والانقسامات الداخلية، ظهرت فكرة القومية الإيطالية كقوة دافعة نحو التوحيد. لعب فيكتور إيمانويل الثاني، إلى جانب شخصيات بارزة مثل كافور وغاريبالدي، دورًا حاسمًا في تحقيق الوحدة، حيث جمع بين الدبلوماسية والقوة العسكرية والاستراتيجيات السياسية المدروسة لتحقيق الهدف المنشود. فما هي العوامل التي ساهمت في نجاح مشروع التوحيد؟ وكيف استطاع فيكتور إيمانويل الثاني التغلب على التحديات الداخلية والخارجية؟ وما هي تداعيات هذا الحدث على مستقبل إيطاليا وأوروبا؟
فيكتور إيمانويل الثاني: القائد بين الإرادة والتحديات
وُلد فيكتور إيمانويل الثاني عام 1820 ليصبح ملك سردينيا-بييمونتي عام 1849 في واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ إيطاليا. كانت إيطاليا حينها عبارة عن مجموعة من الدويلات المتفرقة، تخضع أجزاء واسعة منها للسيطرة الأجنبية، خاصة النفوذ النمساوي في الشمال. أدرك الملك الشاب أن تحقيق الوحدة لن يكون ممكنًا دون تبني سياسة عملية تجمع بين القوة العسكرية والدبلوماسية الذكية.
منذ توليه العرش، عمل على تحديث الجيش وتعزيز اقتصاد بييمونتي ليصبح قاعدة صلبة للمشروع القومي. كما أيَّد سياسات رئيس وزرائه كافور، الذي برع في توظيف التحالفات الدولية لصالح القضية الإيطالية. ففي حرب القرم (1853-1856)، دعم فيكتور إيمانويل الثاني الحلفاء الغربيين ضد روسيا، مما أكسبه دعم فرنسا بقيادة نابليون الثالث، وهو دعم كان حاسمًا في الصراع مع النمسا لاحقًا.
حرب الاستقلال الثانية والطريق إلى الوحدة
شهدت حرب الاستقلال الإيطالية الثانية (1859) دخول إيطاليا مرحلة حاسمة في مسيرتها نحو الوحدة. بفضل التحالف مع فرنسا، تمكنت قوات بييمونتي من هزيمة النمسا وطردها من لومبارديا، ما فتح الباب أمام سلسلة من الثورات الشعبية التي أدت إلى ضم توسكانا وإميليا ورومانيا إلى بييمونتي. في هذا السياق، لعبت حركة جوزيبي غاريبالدي دورًا بارزًا عندما قاد حملة "القمصان الحُمر" عام 1860، التي نجحت في ضم مملكة الصقليتين إلى المشروع الوحدوي. وعلى الرغم من اختلاف الرؤى بين غاريبالدي والملك، إلا أن الأخير استطاع توظيف الأحداث لصالحه، حيث دخل نابولي منتصرًا عام 1861، ليُعلن نفسه ملكًا على إيطاليا الموحدة في 17 مارس 1861.
الطريق إلى روما وإتمام الوحدة
لم تكتمل الوحدة الإيطالية عند إعلان المملكة عام 1861، حيث بقيت روما تحت سيطرة البابا بدعم من فرنسا، وفينيسيا تحت الحكم النمساوي. لكن فيكتور إيمانويل الثاني واصل جهوده الدبلوماسية والعسكرية، فنجح عام 1866 في استغلال الحرب البروسية-النمساوية لضم فينيسيا إلى المملكة الإيطالية. أما روما، فظلت التحدي الأكبر حتى انسحبت القوات الفرنسية عام 1870 بسبب الحرب الفرنسية-البروسية، مما أتاح للجيش الإيطالي دخولها، لتصبح عاصمة الدولة الجديدة عام 1871، معلنةً اكتمال الوحدة.
جسد فيكتور إيمانويل الثاني شخصية القائد الذي نجح في تحويل الحلم الإيطالي إلى واقع، رغم تعقيدات المشهد السياسي والمقاومة الداخلية والخارجية. لم يكن توحيد إيطاليا مجرد حدث عابر، بل شكَّل نقطة تحول في تاريخ القارة الأوروبية، إذ أسهم في إعادة تشكيل ميزان القوى، وأصبح نموذجًا للحركات القومية الأخرى. ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي واجهت المملكة الإيطالية الوليدة، فإنها أرست الأساس لدولة حديثة سعت إلى تحقيق مكانة بارزة بين الأمم. توفي فيكتور إيمانويل عام 1878، لكنه بقي في الذاكرة كرمز للوحدة الإيطالية، ولقب بـ"أبو الوطن".
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |