رؤية مستقبلية: كيف يمكن تحقيق مشروع عربي نهضوي متكامل؟

حمدي سيد محمد محمود
2025 / 2 / 14

د.حمدي سيد محمد محمود

لطالما كانت الأمة العربية تملك مقومات النهضة والحضارة، ولكنها لم تستطع حتى الآن تفعيل طاقاتها الكامنة لتأخذ موقعها الطبيعي في مقدمة الأمم. وفي ظل عالم متغير سريع التطور، لم يعد هناك متسع للفرقة والتشرذم، إذ باتت القوة هي القانون الحاكم في النظام الدولي، وأصبحت الدول التي تمتلك رؤية استراتيجية ومقدرات اقتصادية وعسكرية وعلمية هي القادرة على فرض إرادتها.

وفي الوقت الذي نجحت فيه أوروبا في توحيد نفسها داخل منظومة الاتحاد الأوروبي، وتمكنت الصين من إحداث نهضة علمية واقتصادية شاملة، واستطاعت دول كتركيا وإيران أن تؤسس لنفوذ إقليمي قوي رغم التحديات، لا تزال الدول العربية تعاني من الانقسامات السياسية والاقتصادية وضعف التكامل الداخلي. إن استمرار هذا الواقع لا يخدم إلا القوى المتربصة بالعالم العربي، التي تعمل منذ عقود على تفكيك وحدته وإبقائه في حالة تبعية.

لقد آن الأوان لإطلاق مشروع عربي نهضوي شامل يقوم على توحيد الصف العربي، وإنشاء جيش عربي موحد، وتفعيل السوق العربية المشتركة، وتوحيد المناهج الدراسية، وتطوير البحث العلمي، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، بهدف تحويل الأمة العربية إلى قوة فاعلة على الساحة الدولية. إن هذه الأهداف ليست مجرد أحلام، بل هي ضرورات تاريخية واستراتيجية تفرضها طبيعة العصر، ولتحقيقها لا بد من إرادة سياسية قوية، وخطط واضحة، وعمل دؤوب.

توحيد الصف العربي: ضرورة ملحة أم خيار مستبعد؟

لطالما شكلت الانقسامات السياسية بين الدول العربية العائق الأكبر أمام تحقيق الوحدة، لكن التجربة أثبتت أن الدول التي تسير في تكتلات قوية قادرة على تحقيق إنجازات عظيمة. إن توحيد الصف العربي لا يعني إلغاء سيادة الدول، بل تأسيس منظومة تعاون قوية على غرار الاتحاد الأوروبي، تتعامل مع القضايا المصيرية بروح الشراكة والتكامل.

يمكن تحقيق ذلك عبر:

تفعيل مجلس الأمن والدفاع العربي المشترك لتحقيق تنسيق أمني واستخباراتي فاعل.
إنشاء منظومة عربية موحدة لمواجهة التحديات الاقتصادية والعسكرية.
تعزيز الدبلوماسية العربية المشتركة واتخاذ مواقف موحدة تجاه القضايا الدولية.

الجيش العربي الموحد: حلم قابل للتحقيق

تعاني الدول العربية من ضعف التنسيق العسكري، رغم أن معظمها يخصص ميزانيات ضخمة للدفاع. إن إنشاء جيش عربي موحد لا يعني دمج الجيوش، بل تأسيس قيادة مركزية مشتركة، تعمل على توحيد الاستراتيجيات الدفاعية، والتنسيق العسكري، وإنشاء قوة تدخل سريعة لحماية الأمن القومي العربي.

الخطوات العملية لذلك تشمل:
وضع استراتيجية دفاعية عربية موحدة.
تأسيس مجمع صناعي عسكري عربي لإنتاج الأسلحة محليًا.
إنشاء قوات ردع مشتركة لمواجهة أي تهديدات إقليمية أو دولية.

السوق العربية المشتركة: مفتاح الاستقلال الاقتصادي

رغم أن الدول العربية تمتلك ثروات ضخمة، إلا أن اقتصادها لا يزال تابعًا للخارج، وتعاني العديد من الدول من ضعف التصنيع والاعتماد المفرط على الاستيراد. إن تفعيل مشروع السوق العربية المشتركة من شأنه أن يحوّل العالم العربي إلى قوة اقتصادية عظمى عبر:
إزالة الحواجز الجمركية بين الدول العربية.
إنشاء بنية تحتية تربط الاقتصادات العربية ببعضها البعض.
دعم الصناعات المحلية وتعزيز الاستثمار المشترك بين الدول العربية.

توحيد المناهج الدراسية وتحديث التعليم الجامعي

التعليم هو الأساس الذي تُبنى عليه النهضة. ولكن المناهج الدراسية في العالم العربي تعاني من التفاوت الكبير وغياب الرؤية الموحدة. إن توحيد المناهج، وتطوير التعليم الجامعي، وزيادة الإنفاق على البحث العلمي من شأنه أن يخلق جيلاً عربيًا قادرًا على مواجهة تحديات العصر.

البحث العلمي وتوطين التكنولوجيا

العالم يتجه نحو اقتصاد المعرفة، بينما لا تزال الدول العربية تخصص نسبًا ضئيلة من ميزانياتها للبحث العلمي. لا بد من وضع خطة عربية شاملة لدعم البحث العلمي، وتحفيز الابتكار، وتوطين التكنولوجيا الحديثة عبر:

إنشاء صناديق دعم للبحث العلمي العربي المشترك.
تشجيع الابتكار وريادة الأعمال عبر الحاضنات التكنولوجية.
توطين الصناعات التكنولوجية المتقدمة بدلاً من استيرادها.

حلول مبدعة لأزمة البطالة والفقر ومكافحة المخدرات

تشكل البطالة والفقر تهديدًا مباشرًا للاستقرار الاجتماعي، وتساهم في تفشي الجريمة وتعاطي المخدرات. لا بد من إيجاد حلول شاملة، مثل:

دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع ريادة الأعمال.
تحسين أنظمة التعليم والتدريب المهني بما يتلاءم مع سوق العمل.
تطوير برامج مكافحة المخدرات عبر التوعية والتشريعات الصارمة.

الإعلام والثقافة ودورهما في تشكيل وعي عربي وحدوي

الإعلام العربي اليوم في معظمه يعزز الانقسامات بدلاً من توحيد الصف. لا بد من إعادة صياغة الرسالة الإعلامية بما يخدم المصالح العربية المشتركة عبر:
إنشاء قنوات عربية مشتركة تركز على الهوية والوحدة العربية.
دعم الإنتاج الثقافي والفني الذي يعزز القيم الوحدوية.
تعزيز دور المثقفين والمفكرين في تشكيل خطاب وحدوي واعٍ.

إن الواقع العربي اليوم ليس قدرًا محتومًا، بل هو نتيجة تراكمات تاريخية وسياسية واقتصادية يمكن تجاوزها عبر الإرادة والعمل المشترك. إن تحقيق نهضة عربية شاملة ليس بالمستحيل، لكنه يتطلب قرارات جريئة، واستراتيجيات واضحة، وإيمانًا بأن هذه الأمة تمتلك كل المقومات لتكون قوة عالمية.

لقد أثبت التاريخ أن الأمم القوية هي التي تتجاوز خلافاتها، وتعمل على تحقيق أهدافها الكبرى. فهل سنظل ننتظر المعجزات، أم سنبدأ في بناء مستقبل يليق بتاريخنا وإمكاناتنا؟ إن التغيير يبدأ من هنا، من الوعي، ومن الإيمان بأننا قادرون على تحقيق النهضة إذا توحدت الرؤية، وصدق العزم.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي