![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
عبدالله عطوي الطوالبة
2025 / 2 / 11
نجح ترامب "الثاني"، خلال أقل من ثلاثة أسابيع، بعد عودته إلى البيت الأبيض في تأليب العالم ضد أميركا العدوانية الشرِّيرة بطبيعتها ومنذ نشأتها. دعا إلى ضم كندا لبلاده، بزعم أنها عاجزة عن الاستمرار كدولة من دون دولارات أميركا. وطالب بضم جزيرة جرينلاند ذات الحكم الذاتي، في مملكة الدنمارك. فرض رسومًا جمركية على البضائع المستوردة من كندا والمكسيك والصين، وأرغم بنما على الإنسحاب من اتفاقية الحزام والطريق تحت طائلة السيطرة على قناتها، وذلك في سياق الحرب التجارية ضد التنين الصيني الصاعد. أخيرًا، هدد بفرض رسوم جمركية على واردات أميركا من الإتحاد الأوروبي. وقبل ذلك، أعلن عن خطته لتحويل غزة إلى "ريفيرا"، بعد تهجير أهلها إلى الأردن ومصر وعدم عودتهم إليها. لا مكان في عقليته الإستعلائية العنصرية لحقوق الشعوب المكافحة لتقرير مصيرها. فغزة، كما قال مرارًا، صفقة عقارية وليس أرض شعب يكافح لنيل حقوقه المشروعة في مواجهة عدو مُحتل ليس بمقدوره مواصلة التنكر لهذه الحقوق من دون الدعم الأميركي المفتوح.
في موازاة ذلك، يخوض ترامب حربًا داخل أميركا ذاتها قد تترتب على نتائجها تحولات كبرى، وربما سياسات غير متوقعة. بدأ هذه الحرب بإغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، المعروفة بإسم (يو إس آيد).
وقد كان لافتًا تصريح الملياردير إيلون ماسك، وزير الكفاءة الحكومية في إدارة ترامب بخصوص الوكالة، إذ لم يتردد برميها بأقسى الأوصاف، قائلًا "إنها منظمة إجرامية تستحق الموت". وجه الغرابة يتأتى من دور هذه الوكالة، بميزانيتها السنوية الضخمة البالغة 50 مليار دولار. فهي الهيكل التشغيلي، لتنفيذ مشاريع أميركا في الخارج. كما أنها القوة الدافعة للعولمة الأميركية، بمكوناتها وعناصرها الأيديولوجية وبشكل خاص النيوليبرالية واقتصاد السوق المفتوح. ومن المعروف أيضًا، أن فروعها المنتشرة في بلدان العالم أغطية للمخابرات المركزية الأميركية. ولطالما استخدمتها هذه الأخيرة لزعزعة استقرار بلدان نامية لا تروق سياساتها لواشنطن، من خلال تمويل منظمات غير حكومية وحركات محلية.
كان للوكالة دورها في تفكيك الإتحاد السوفييتي السابق، وظلت تسرح وتمرح في روسيا، خاصة في عهد السِّكِّير يلتسين، حتى اتخذ الرئيس الروسي فلاديمير قرارًا بحظرها عام 2012. في السنوات الأخيرة، تزايد دورها إلى حد تمويل دول، مثل أوكرانيا. وليس يفوتنا التذكير بتمويلها ما يُعرف بالثورات البرتقالية في أوروبا الشرقية، وما شابهها في بلدان عدة.
الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين شَبَّهَ قرار إغلاق الوكالة بالقصف الصاروخي لمقر العولمة، وضربة للبيئة الليبرالية العالمية بأكملها.
واستحضر دوغين على سبيل المقارنة، إقدام الإتحاد السوفييتي السابق على حل أذرعه الأيديولوجية، مثل الأممية الثالثة (الكومنترن)، ثم (الكومنفورم)، وكان قرار الحل مقدمة لإنهياره.
ويشتبك ترامب في صراع مع ما يحلو له تسميته بالدولة العميقة والطبقة الحاكمة الفاشلة. وهو يعتقد أن هذه القوى وقفت حجر عثرة أمام تنفيذ الكثير من خططه وتوجهاته، خلال رئاسته الأولى، وتواصل فعل الشئ ذاته بعد عودته إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية.
لم يستطع أي رئيس أميركي مواجهة الدولة العميقة، ذات النفوذ الواسع والتأثير الكبير في السياسات الداخلية والخارجية للدولة العظمى. وهي شبكة كبيرة من مسؤولين حكوميين غير منتخبين، يتولون مناصب مهمة في القضاء والجيش والاستخبارات والشركات. مَرَدَ هؤلاء على تقليص دور الرئيس الأميركي ببيروقراطيتهم، فبمستطاعهم تمرير قرارت وتعطيل أخرى. ومن الأمثلة المعروفة في هذا السياق، تعطيل قرار الرئيس الأسبق باراك أوباما بإغلاق سجن غوانتنامو. ويُقال أن فوضى هروب أميركا من أفغانستان، وتخليها عن عملائها، كان من تدبيرهم لعدم رغبتهم بالإنسحاب من هناك.
تستمد الدولة العميقة في أميركا قوة إضافية من تركيز أنشطتها في خدمة ثلاثة تكتلات كبرى في أميركا، ذات نفوذ وتأثير واسعين. أول هذه التكتلات، المجمع الصناعي العسكري وتحت تصرفه ميزانية ضخمة يُمنع على أي رئيس أميركي العبث بها. وثانيها، مجتمع الاستخبارات، ويتبنى سياسات تتمحور حول تعزيز هيمنة أميركا في العالم حتى لو تعارض بعض منها مع رؤى الرؤساء الأميركيين المنتخبين. التكتل الثالث، النخب الاقتصادية وتتحكم بسياسات الفيدرالي الأميركي ويتركز دورها بشكل رئيس في استقرار الأسواق المالية وخدمة الشركات الكبرى.
وقد وضع ترامب خطة لتفكيك هذه البنى عام 2020، تتضمن بنودًا عدة يبدو أنه بدأ بتطبيقها أو بعضها. تتضمن الخُطة تسهيل إقالة ذوي المناصب القيادية من الموظفين الفيدراليين في وزارة الدفاع ووكالات الاستخبارات. وتشمل أيضًا، إخضاع الهيئات المستقلة لسيطرة الرئاسة مباشرة، ونقل الوكالات الفيدرالية إلى خارج العاصمة واشنطن لتفكيك الشبكات البيروقراطية.
رئيس أميركي واحد قبل ترامب بزمن طويل، خاض مواجهة شرسة مع الدولة العميقة في أميركا، هو جون كينيدي. وكانت تكتلاتها حينذاك هي ذاتها التي يُشعل ترامب اليوم جبهاتٍ معها، وهي وكالة الاستخبارات المركزية والمجمع العسكري والاحتياطي الفيدرالي. أما سبب المواجهة بين كينيدي والدولة العميقة، فكان توجهاته للإنسحاب من فيتنام وتحسين العلاقات مع الإتحاد السوفييتي. لكن كينيدي اغتيل برصاصتين يوم 22 تشرين الثاني 1963، قبل أن يحقق ما كان ينتوي تحقيقه.
أخيرًا، نعتقد أننا أوردنا ما يكفي لشرعنة التساؤل: هل يُلاقي ترامب مصير كينيدي أم أن أميركا ذاتها تتداعى؟!
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |