الحروب الناعمة والعلاقات العامة: صناعة السرديات وإعادة تشكيل الحقائق

حمدي سيد محمد محمود
2025 / 2 / 8

في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، أصبحت الحرب لا تقتصر على المواجهات العسكرية التقليدية، بل باتت تمتد إلى ساحات أكثر تعقيدًا تشمل الإعلام، والدبلوماسية، والرأي العام. في هذا السياق، تبرز العلاقات العامة كأحد أكثر الأدوات الاستراتيجية تأثيرًا، حيث تُستخدم في تشكيل السرديات، وإدارة الأزمات، والتأثير على الجماهير محليًا ودوليًا. لم تعد الحروب تُخاض فقط في ميادين القتال، بل أيضًا في العقول، عبر بناء الصور الذهنية، والتحكم في تدفق المعلومات، وإعادة تشكيل الحقيقة بما يخدم المصالح الاستراتيجية للدول أو الأطراف المتحاربة. فما هو الدور الفعلي للعلاقات العامة في الحروب؟ وكيف تُستخدم كأداة للتأثير والتوجيه، وأحيانًا للتضليل؟

العلاقات العامة كأداة للحرب النفسية والتأثير الإعلامي

تُعد العلاقات العامة أداة محورية في الحرب النفسية، حيث تسعى إلى التأثير على الحالة المعنوية للعدو، ورفع الروح القتالية للحلفاء، وخلق مناخ نفسي ملائم لتحقيق الأهداف العسكرية والسياسية. تعمل هذه الاستراتيجية من خلال وسائل عدة، مثل إدارة الأخبار، والتلاعب بالمصطلحات، واستخدام الرموز الوطنية والدينية، وبث الشائعات المغرضة أو المعلومات المضللة.

في هذا الإطار، تعتمد الدول والجماعات المسلحة على الإعلام التقليدي والجديد لنقل صور منتقاة من ساحة المعركة، إما لتبرير قراراتها أمام الرأي العام، أو لنشر الرعب في صفوف العدو، أو لحشد التأييد الدولي والإقليمي. وقد تطورت الأساليب لتشمل التلاعب بالصور والفيديوهات، وإنشاء سرديات مضادة، وإعادة تفسير الأحداث وفق منظور يخدم الأهداف الاستراتيجية.

إدارة الأزمات والصورة الذهنية خلال الحروب

تلعب العلاقات العامة دورًا أساسيًا في إدارة الأزمات أثناء الحروب، حيث تعمل على تخفيف الأضرار الإعلامية، وتبرير الخسائر، واحتواء ردود الفعل الدولية. يمكن ملاحظة هذا الدور في التصريحات الرسمية التي تُصاغ بعناية لامتصاص الغضب الشعبي أو التغطية على انتهاكات أو خسائر عسكرية.

كما تبرز العلاقات العامة في بناء الصورة الذهنية للأطراف المتحاربة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. تسعى الدول إلى تقديم نفسها كـ"الضحية" أو "المدافع عن القيم الإنسانية"، بينما تُصور خصومها كمعتدين أو إرهابيين. هذه الصورة الإعلامية تلعب دورًا كبيرًا في كسب الدعم الدولي، أو نزع الشرعية عن العدو، أو حتى تحفيز العقوبات الاقتصادية والضغط الدبلوماسي عليه.
الحرب الناعمة والتأثير في الجماهير

أصبحت العلاقات العامة اليوم جزءًا لا يتجزأ من الحرب الناعمة، حيث يتم توظيف المؤثرين، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمنظمات غير الحكومية، والسينما، والإعلام الدولي لخلق سردية معينة حول الحرب. كما يتم استغلال المبادرات الإنسانية كأداة لإضفاء الشرعية على التدخلات العسكرية، أو إظهار طرف ما بأنه الأكثر التزامًا بالقوانين الدولية.

على سبيل المثال، تستخدم بعض الدول المنظمات الإغاثية كواجهة لإدارة حملاتها الإعلامية، بحيث يتم توظيف الأعمال الخيرية في الترويج لشرعية الحروب أو كسب الرأي العام لصالحها. كذلك، يتم استغلال الأحداث الرياضية والفنية والثقافية لتوجيه رسائل سياسية بطريقة غير مباشرة.
خاتمة: العلاقات العامة كسلاح استراتيجي في معارك المستقبل

لم يعد تأثير العلاقات العامة في الحروب مجرد عامل مساعد، بل أصبح سلاحًا استراتيجيًا بحد ذاته، يحدد مصير الصراعات، ويؤثر في القرارات السياسية والعسكرية. ومع التطورات التكنولوجية، أصبح بالإمكان توجيه الجماهير، وصناعة الرأي العام، وخلق حقائق افتراضية تسبق الحقيقة الواقعية نفسها. إن فهم هذه الأدوات وإدراك خطورتها لم يعد خيارًا، بل ضرورة حتمية لفهم طبيعة الحروب الحديثة والتعامل معها بوعي استراتيجي.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي