أحمد الشرع من ميادين القتال إلى ساحات الحكم: تحول استثنائي في مسار سوريا

حمدي سيد محمد محمود
2025 / 2 / 4

د.حمدي سيد محمد محمود

على مدار أكثر من عقد من الزمن، عاشت سوريا واحدة من أكثر الحروب تعقيدًا في العصر الحديث، حيث اختلطت فيها المصالح الإقليمية والدولية، وتبدلت موازين القوى بين الأطراف المتناحرة، حتى انتهت بحدث غير متوقع: تعيين أحمد حسين الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية في 29 يناير 2025.
لم يكن هذا التعيين مجرد تغيير في القيادة، بل كان بمثابة تحول جذري في المشهد السياسي السوري، إذ جاء برجل اشتهر بصفته أحد أبرز قادة الفصائل المسلحة، ليجد نفسه اليوم في موقع رجل الدولة الذي يحمل مسؤولية إعادة بناء بلد مزقته الحرب.
فما الذي يعنيه وصول الشرع إلى الحكم؟ هل هو بداية لاستقرار طال انتظاره، أم أنه مجرد فصل جديد في قصة لم تكتمل؟

في 29 يناير 2025، أُعلن عن تعيين أحمد حسين الشرع رئيسًا للجمهورية العربية السورية خلال المرحلة الانتقالية، في خطوة تعد منعطفًا حاسمًا في تاريخ سوريا الحديث. يأتي هذا التعيين بعد سنوات من الحرب الأهلية التي أرهقت البلاد، وجاء اختيار الشرع ليعكس الواقع السياسي والعسكري الجديد الذي فرض نفسه بعد انهيار نظام الأسد في أواخر عام 2024.
الخلفية الشخصية والمسيرة المهنية

وُلد أحمد حسين الشرع في 29 أكتوبر 1982، واشتهر في الأوساط الجهادية والإعلامية بلقب "أبو محمد الجولاني"، حيث برز كواحد من أهم القادة العسكريين خلال الحرب السورية. في عام 2012، أسس جبهة النصرة بدعم من تنظيم القاعدة، وكان هدفه الرئيسي مواجهة نظام الأسد. ومع تطور الأحداث، قاد عمليات عسكرية استراتيجية، كان آخرها عام 2024، حين تمكنت قوات المعارضة التي يقودها من تحقيق انتصارات ميدانية حاسمة أدت إلى إسقاط النظام وتشكيل حكومة انتقالية في ديسمبر من العام نفسه.
التحول السياسي: من الثورة إلى الدولة

بعد سقوط نظام بشار الأسد

- حل هيئة تحرير الشام (HTS) وكافة الفصائل المسلحة الأخرى، في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى توحيد البلاد تحت مظلة سلطة مركزية.
- إلغاء حزب البعث، الذي حكم سوريا لعقود، في محاولة لإنهاء إرث الاستبداد وبناء نظام سياسي جديد.
- الدعوة إلى صياغة دستور جديد، يضمن التحول نحو دولة المؤسسات، بعيدًا عن أيديولوجيا الصراع المسلح.

هذا التحول المفاجئ من عقلية القائد العسكري إلى رجل الدولة وضع الشرع أمام اختبار سياسي معقد، حيث يسعى إلى تحقيق توازن بين إرثه العسكري ومتطلبات المرحلة الجديدة.

العلاقات الإقليمية والدولية: التحدي الأكبر

يدرك الشرع أن نجاح المرحلة الانتقالية يعتمد بدرجة كبيرة على كسب الدعم الإقليمي والدولي. لذلك، بدأ حراكًا دبلوماسيًا سريعًا، حيث قام في 2 فبراير 2025 بأول زيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية، حيث التقى بالقيادة السعودية لمناقشة ملفات إعادة الإعمار، وإعادة اللاجئين، والتعاون الأمني.

كما يسعى إلى إعادة التوازن في العلاقات مع القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران، في ظل تضارب المصالح الدولية بشأن مستقبل سوريا.

التحديات المستقبلية: سوريا بين الماضي والمستقبل

أمام الشرع ملفات شائكة ومعقدة ستحدد نجاح المرحلة الانتقالية، أبرزها:

-إعادة بناء مؤسسات الدولة التي دمرها الصراع، ووضع إطار قانوني جديد للحكم.
-إعادة الإعمار وتحفيز الاقتصاد المتعثر عبر جذب الاستثمارات الخارجية والمساعدات الدولية.
-إعادة اللاجئين والنازحين، وتوفير بيئة آمنة لهم بعد سنوات من المعاناة.
-مكافحة الجماعات المتطرفة وضمان عدم تحول سوريا إلى ملاذ جديد للفصائل المسلحة.
-التحضير لانتخابات حرة ونزيهة، ترسم ملامح المشهد السياسي في المرحلة القادمة.

ومع تولي أحمد الشرع قيادة المرحلة الانتقالية، تجد سوريا نفسها أمام مفترق طرق بين طموحات بناء دولة جديدة، ومخاوف من أن تبقى رهينة لإرث الصراع والعنف. فبين قرارات تفكيك الفصائل المسلحة، وإعادة تشكيل السلطة، ومحاولة كسب الاعتراف الدولي، يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع الشرع تجاوز ماضيه العسكري ليصبح زعيمًا وطنيًا قادرًا على توحيد سوريا؟
التاريخ مليء بالأمثلة التي شهدت تحولات دراماتيكية كهذه، ولكن وحدها الأفعال، لا الخطابات، هي التي تحدد مصير الأمم. في الأيام القادمة، سيترقب العالم ما إذا كان الشرع قادرًا على العبور بسوريا نحو مستقبل أكثر استقرارًا، أم أن البلاد ستنزلق مرة أخرى في دوامة الانقسامات والصراعات.
في النهاية، يبقى مصير سوريا معلقًا بين الأمل والمجهول، بين تاريخ مضطرب ومستقبل لم تتحدد ملامحه بعد.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي