|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

ثائر ابو رغيف
2025 / 2 / 2
كارل گوستاف يونگ طبيب نفسي وعالم نفس سويسري أسس مدرسة علم النفس التحليلي من أهم أعماله ألفلسفية نظرية "اللاوعي الجماعي" وهي واحدة من المفاهيم المركزية في نظريته النفسية، وتعدّ إضافة مهمة إلى الفهم التقليدي للاوعي الذي قدمه سيگموند فرويد. فبينما ركز فرويد على اللاوعي الفردي كتعبير عن الرغبات المكبوتة والتجارب الشخصية، فإن يونغ قدم فكرة اللاوعي الجماعي ليشمل التجارب والمفاهيم التي تشترك فيها جميع البشر، بغض النظر عن الزمان والمكان
اللاوعي الجماعي، وفقًا ليونغ، هو طبقة عميقة من العقل البشري تحتوي على عناصر غير فردية، وهي مشتركة بين جميع الناس. هذه العناصر لا تأتي من تجارب شخصية مباشرة للفرد، بل هي موروثة عبر الأجيال. هي مجموع التجارب البشرية الأساسية التي تشكلت على مر العصور، وتتضمن رموزًا وصورًا وأشكالًا معينة، تعرف بـالأنماط الأولية أو "الأنماط البدائية"، مثل الأم، الظل، الحكيم، البطل، وغيرها. هذه الأنماط البدائية تظل موجودة في اللاوعي الجماعي للبشرية، وتظهر بشكل رمزي في الأساطير، الحكايات، الديانات، والأحلام، ويفترض يونغ أن هذه الرموز والتجارب يمكن أن تؤثر في سلوك الإنسان ووجدانه حتى لو لم يكن على وعي بها.
اللاوعي الجماعي ليس مجرد موروث من التاريخ البشري، بل هو جزء من بنية النفس البشرية الأساسية التي تُشكل وعي الإنسان وتؤثر على تصرفاته وأفكاره. على سبيل المثال، قد يظهر "الظل" كأحد الأنماط البدائية في اللاوعي الجماعي، ويعني الأجزاء المظلمة في النفس التي لا يود الإنسان مواجهتها، مثل الخوف، العدوان، أو الرغبات المكبوتة. كما أن الأنماط البدائية مثل "الأم" قد تتجسد في العديد من الثقافات في صورة الأم التي تمثل الحماية والرعاية، وفي الوقت نفسه قد تتجسد في صورة "الأنثى المدمرة" في اللاوعي الجماعي
بخلاف اللاوعي الشخصي الذي يختص بتجارب الفرد الخاصة، يعتبر يونغ أن اللاوعي الجماعي يشمل تجارب ومشاعر ومفاهيم أعمق تتجاوز الأفراد، ويؤثر في البشر جميعهم بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية. هذا اللاوعي الجماعي يشكل الأساس المشترك الذي يرتبط به كل فرد في المجتمع البشري، ويعكس الأنماط المشتركة التي قد تكون قد تكررت عبر العصور.
فكرة اللاوعي الجماعي تعزز من فهم يونغ للدور المهم الذي تلعبه الأساطير، والأحلام، والدين، والفن في حياة الإنسان. يعتقد يونغ أن هذه الظواهر تتضمن رموزًا مستمدة من اللاوعي الجماعي، وأن التفاعل مع هذه الرموز يمكن أن يساعد الأفراد على تحقيق التكامل الشخصي، وهو عملية يطلق عليها "التحقيق" الذاتي" (Individuation) حيث يسعى الفرد إلى فهم جوانب نفسه الخفية والدمج بينها للوصول إلى حالة من التوازن النفسي
في المجمل، يتيح مفهوم اللاوعي الجماعي ليونغ فهماً أعمق للسلوك الإنساني وتفاعلاته مع التاريخ، الثقافة، والدين. فهو لا يرى الإنسان ككائن منفصل في محيطه، بل جزءًا من شبكة متكاملة من التجارب البشرية الجماعية التي تظل مهيمنة على تفكيرنا وتصرفاتنا على مستوى أعمق.
تأثير اللاوعي الجماعي السلبي على الفرد يمكن أن يكون قويًا مدمرا ومعقدًا ومايلي بعض التأثيرات السلبية المحتملة
1- تعزيز الأنماط السلوكية السلبية: يمكن أن يحمل اللاوعي الجماعي مفاهيم مسبقة أو قوالب نمطية ضارة تؤثر على تصرفات الفرد. على سبيل المثال، قد تؤدي الأفكار الموروثة عن الجنس أو العرق أو الطبقات الاجتماعية إلى تقييد الفرد في اختياراته وتوجهاته
2- إعاقة التفكير النقدي: إذا كان الفرد يتبنى ما يراه المجتمع صحيحًا دون التوقف للتفكير بشكل مستقل، فقد يعوق ذلك قدرته على اتخاذ قرارات عقلانية. في بعض الأحيان، يضعف اللاوعي الجماعي القدرة على التقييم النقدي للأفكار السائدة. أستحضر هنا إنتخاب دونالد ترمپ من قبل غالبية ألشعب الأميركي رغم كل قرفه, عهره, كذبه, ألرشاوى, تهربه من ألضرائب (ألمضحك في الأمر ان غالبية ألأميركيين من ناخبيه يتم ألزج بهم في ألسجون بسبب تُهم لاتصل لعشر تلك الموجهة اليه).
3- الضغوط الاجتماعية: يمكن أن تؤدي التوقعات المجتمعية المرتبطة بالنجاح والمظاهر إلى قلق وتوتر. إذا كان الفرد لا يتماشى مع معايير المجتمع، قد يشعر بالعزلة أو بالذنب، مما يؤثر على صحته النفسية
4- التكرار المفرط للأخطاء التاريخية: إذا كانت جماعة ما متعلقة بخبرة سابقة مؤلمة أو مأساة جماعية، يمكن أن يؤثر ذلك على سلوك أفراد المجتمع ويجعلهم يكررون تلك الأخطاء بسبب تأثير اللاوعي الجماعي.
5- التحجيم الذاتي: قد يكون لدى الأفراد مواقف معينة من أنفسهم بسبب كيفية رؤيتهم من قبل المجتمع، مما قد يؤدي إلى تدني تقدير الذات أو تقييد الإمكانيات الشخصية
أخيراً التأثيرات السلبية ليست دائمًا واضحة أو ملموسة، ولكنها قد تكون خفية، تؤثر في مشاعر الفرد وعلاقاته بتصوراته عن نفسه والمجتمع
|
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |