![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
الطاهر المعز
2025 / 1 / 28
نشرت منظمة أوكسفام غير الحكومية تقريرها السنوي حول عدم المساواة، بمناسبة افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (سويسرا) يوم الاثنين 20 كانون الثاني/يناير 2025، ويُصادف ذلك يوم حفل تنصيب الرئيس الأمريكي السابع والأربعين دونالد ترامب، وشكّلَ هذا الحدث فرصة للقاء أثرى أثرياء العالم.
ارتفعت ثروات المليارديرات سنة 2024 بمعدل أسرع بثلاث مرات من سنة 2023، وبلغت هذه الزيادة تريلْيُونَيْ دولارًا، في حين لم يرتفع معدّل الدّخل الحقيقي للفقراء وظلّ دخلهم يُعادل مستوى سنة 1990، وفق هذا التّقرير الذي يُشير إن الثروة لم تتراكم بفضل العَمل المُضْنِي بل بفعل المُضاربة والوراثة والتّحايل، لأن 36% من ثروات مليارديرات العالم جاءت من الميراث، وتُساهم السّلطة في تراكم الثروات، ففي الولايات المتحدة تولّى رئيس ملياردير السّلطة، بدعم من أغنى رجل في العالم في أكبر اقتصاد في العالم، وفي بلد يضم أكثر عدد من أَثْرَى الأثرياء، وفي مقدّمتهم "إيلون ماسك" رئيس شركة صناعة السيارات تيسلا وشركة الفضاء سبيس إكس، المالكة لشبكة التواصل الاجتماعي إكس، والذي قام بتمويل الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، مما يُؤَكّد التّرابط بين السّلطات أو المصالح المالية والسياسية، حيث دعا البيت الأبيض إيلون ماسك و جيف بيزوس (أمازون، بلو أوريجين) و مارك زوكربيرج (ميتا)، أغنى ثلاثة رجال في العالم، لحضور حفل تنصيب دونالد ترامب يوم الاثنين 20 كانون الثاني/يناير 2025...
وَرَدَ في تقرير أوكسفام: "إن هناك أوليغارشية أرستقراطية جديدة، وريثة تريليونات الدولارات، تمارس سلطة مترامية الأطراف على أنظمتنا السياسية والاقتصادية"، في إشارة إلى ارتفاع ثروات الأثرياء من عام إلى آخر، فيما يتزايد عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر، وفق البنك العالمي...
يُعتَبَرُ تركيز الثروة بهذا الشّكل إِرْثًا لقُرون من العبودية والعُنصرية والإستغلال ومجمل المظاهر التي عَمّقت الفجوة واللامساواة، حيث يتم توارث السُّلطة والثروة بين أفراد نفس العائلة في عصر الإقطاع والملوك وبين أفراد نفس "النُّخْبَة" في عصر الرّأسمالية، سواء داخل كل بلد على حِدَة أو في العالم، حيث يستفيد 1% من أثرياء الدّول الغنية ( ما يُعَبّر عنه بالشمال أو دُوَل المركز) بنحو ثلاثين مليون دولارا كل ساعة تأتي من البلدان الفقيرة أو متوسطة الدّخل ( ما يُسمى الجنوب أو دُوَل "الأطراف" أو "المُحيط" ) سنة 2023، وتأتي هذه الأموال المنهوبة من خفض الإنفاق على التّعليم والصّحّة وتحميل الفُقراء عِبْء الدّيون التي بلغ مُعدّلها نحو 48% من ميزانيات هذه البلدان، مما يُؤَدِّي إلى توْسيع دائرة الفَقْر وإلى شلَل أو إفلاس الكثير من هذه البلدان، وإلى زيادة ثروة أثْرى أثرياء العالم ونموها بنحو تريليونَيْ دولار بين سنتَيْ 2023 و 2024، ونَمَتْ ثروة كل ملياردير بنحو مليونَيْ دولار يوميا، بينما يعيش 44% من البشر بأقل من 6,85 دولاراً في اليوم بحسب البنك العالمي، وإذا لم يتم اتخاذ قرارات سياسية جريئة سوف تستمر الفجوة الطبقية في الإتّساع، وتشير تقديرات "أوكسفام" إلى أن 60% من ثروات أصحاب المليارات ناتجة عن الإستغلال الفاحش والاحتكار ونهب المُقدرات ( استخراج الثّروات) والإرث الإستعماري المُتمثل في تدفُّق الثّروات من بُلدان "المُحيط" إلى بُلدان "المَرْكَز"، لِيَتِمَّ توارَثها ضمن نفس العائلات عبر الأجيال، خصوصًا في البُلدان التي لا تفرض أي ضرائب على انتقال الثروة إلى الورثة المباشرين، ويعيش نصف أصحاب المليارات في العالم في بلدان لا تفرض ضريبة على الميراث أصلاً، ويحافظ هذا الانتقال للثروة المُفرطة بين الأجيال على استدامة نظام عالمي ظالم يُسيْطر فيه الأثرياء على الاقتصاد وعلى صناعة القرار السياسي...
في الوطن العربي، تُقَدَّرُ ثروة 22 ملياردير بنحو 71 تريليون دولار، وارتفعت هذه الثروات بقيمة ستّ مليارات دولار بين سنتَيْ 2023 و 2024 أو ما يُعادل زيادةً بنحو 16 مليون دولارا يوميا، ويكسب 1% من أثرى الأثرياء خلال 36 ساعة ما يكسبه 50% من سُكّان الوطن العربي خلال سنة كاملة، وللتّذكير فإن الوطن العربي ( كمنطقة أو إقليم) يمتلك أرقامًا قياسية فظيعة في عدد الفقراء والأمِّيِّين والمُعَطّلين عن العمل، لأن ثروة الخليج والبلدان العربية الغنية متاتّية من الرّيع النّفطي، ولا يتم استثمار هذه الثروات في قطاعات منتجة، مما يُحَوّل الفقر والبطالة إلى آفات مُستدامة وليست طارئة...
يُناقض اتساع الفجوة الطّبقية على صعيد كل بلد أو على صعيد العالم، التّفاؤل الذي عبّرت عنه الأمم المتحدة، سنة 2015، للقضاء على الفقر خلال 15 سنة (بحلول سنة 2030) ضمن تحقيق 17 هدفاً للتنمية المستدامة، وأصدر البنك العالمي تقريره بعنوان "الآفاق الإقتصادية العالمية لسنة 2025" (بنهاية سنة 2024) وتقريرًا بعنوان "الفقر والإزدهار والكوكب – سُبُل الخروج من الأزمة المُتعدّدة" وهو تقرير متشائم (أو واقعي) يعتَبِرُ "إن القضاء على الفقر المدقع – أي أقل من 2,15 دولارا للفرد يوميا - سوف يستغرق عقوداً من الزمن، وتستوجب عملية رفع مستوى جميع سكان الكوكب إلى ما فوق خط الفقر الأعْلَى ( أي 6,85 دولارا في اليوم للفرد الواحد ) أكثر من قرن كامل ويستند تقرير البنك العالمي إلى الوتيرة البطيئة جدّا لتحسين وضع الفُقراء ( بمن فيهم العاملون بدوام جزئي وبعقود هشة وبرواتب منخفضة...) ، خلال السنوات 2015 – 2024، وإلى تباطؤ النّمو في معظم بلدان العالم وإلى عدم خلق الوظائف وإلى تجميد قيمة الأجور ( أو تراجُعِ قيمتها الحقيقية )، وإلى شُروط الدّائنين القاضية بخفض الإستثمار في الصّحّة والتعليم والبنية التحتية والخدمات الأساسية (...) وتمكين الفُقراء من المُساهمة في عملية التنمية والإستفادة منها... غير إن البنك العالمي ( إلى جانب صندوق النّقد الدّولي والدّائنين عمومًا ) يتنصّل من مسؤوليته في نسف عوامل وأُسُس "التنمية المُستدامة" من خلال النموذج التنموي الذي بفرضه والذي يتضمّن الخصخصة وعدم تدخّل الدّولة في تعديل السوق والأسعار وخفض الإنفاق الحكومي، ويتضمّن منح الأثرياء والقطاع الخاص المزيد من الحوافز للاستثمار والاستهلاك والانخراط في "العَوْلَمة" النّيوليبرالية، واضطرّت كل الدّوَل المُقْتَرِضَة إلى تطبيق هذه الشّروط التي أضرّت باقتصادها وبسكّانها، ويتوقع خُبراء البنك العالمي "أن تكون السنوات الخمس والعشرون المقبلة أكثر صعوبة بالنسبة للاقتصادات النامية مقارنة بالسنوات الخمس والعشرين الماضية (بسبب) أعباء الديون المرتفعة، وضُعْف الاستثمار ونمو الإنتاجية، وارتفاع تكاليف تغير المناخ..."، ولكن البنك العالمي يُقدّم نفس الوَصْفَة التي تتضمّن اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية وتشجيع الإستثمار الخاص ( أي الإعفاء من الضرائب والرسوم ومن تطبيق ما تبقى من قوانين العمل)، وخفض قيمة العملة لتشجيع التصدير، والتّقشف والتّداين لسداد الدّيون السابقة..." وما إلى ذلك من ركائز نفس النموذج التنموي الفاشل الذي جعل الدّيون الحكومية ترتفع إلى 29 تريليون دولارا، منها 8,8 تريليون دولارا من الدّيون الخارجية التي اضطرت شعوب هذه البلدان إلى تسديد فوائدها الصافية البالغ 847 مليار دولارا سنة 2023، وأصبحت الدّول المُسْتَدِينة تنفق قرابة نصف ميزانياتها العامة على سداد الديون، وتتجاوز هذه المبالغ ميزانيات التعليم والرعاية الصحية، مما ساهم في زيادة البطالة والفقر، وتراجع عدد مشاريع الاستثمار في قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة العامة بنسبة 39% والأغذية الزراعية 14%، مما ساهم في انخفاض إنتاج الغذاء وفي زيادة تضخم أسعار المواد الغذائية ورفع تكاليف المعيشة، بين سنتَيْ 2015 و 2024، وفق تقرير البنك العالمي "رَصْد اتجاهات الإستثمار العالمية" - كانون الثاني/يناير 2025، الذي يشير إلى أن تغير المناخ قد يُؤَدِّي إلى زيادة عدد من يعيشون في فقر مدقع بأكثر من 130 مليون شخص بحلول العام 2030، معظمهم في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وإلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 12%.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |