الجزائر ، باسم -البراغماتية-

الطاهر المعز
2025 / 1 / 24

سبق أن دعا "مارك روبيو" – الذي عينه دونالد ترامب وزيرًا للخارجية الأمريكية – إلى فرض عقوبات على الجزائر بسبب تجهيز جيشها بالسّلاح الرّوسي، كما قرّر دونالد ترامب، خلال الأيام الأخيرة من ولايته الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل اعتراف الرباط بالكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات معه، وكأن النظام الجزائري تَناسَى ذلك حيث وجه له الرئيس تبون – بعد انتخاب ترامب لولاية ثانية - رسالة ذكّر فيها ب"عمق علاقات الصداقة التاريخية التي تجمع الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية"، مشيدا "بالديناميكية الإيجابية التي تشهدها الشراكة الثنائية في شتى المجالات ( وضرورة ) العمل من أجل ترقيتها إلى آفاق أرحب (...) وتكثيف التشاور والتنسيق حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، والمرافعة لصالح المبادرات الساعية إلى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين..."، وبعد حوالي 48 ساعة من تنصيب دونالد ترامب في فترة رئاسته الثانية، التقى الجنرال "مايكل لانغلي"، قائد القوات العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) وزير الدّفاع الجزائري ثم الرئيس عبد المجيد تبون، يوم الإربعاء 22 كانون الثاني/يناير 2025، لإجراء محادثات تناولت "حالة التعاون العسكري بين البلدين، وتبادل التحاليل ووجهات النظر بهدف تعميق العلاقات الدبلوماسية والعسكرية بينهما”، ثم وقَّعَ الطّرَفان “مذكرة تفاهم في مجال التعاون العسكري" ، وأكّدَ الجنرال الأمريكي "إن مذكرة التفاهم في مجال التعاون العسكري التي وقع عليها البلدان تؤسس لجميع الأهداف الأمنية المشتركة بينهم (نظَرًا ل) الروابط العميقة والممتدة عبر التاريخ بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، والتي يسودها الاحترام المتبادل، والاهتمامات المشتركة بخصوص الاستقرار والأمن”، مع الإشارة إن هذه "الروابط التاريخية العميقة" تتضمّن قصف السفن العسكرية الأمريكية سواحل ليبيا وتونس والجزائر بين سنتَيْ 1805 و 1815، بذريعة "محاربة القَرْصَنَة البَحْرِيّة" التي تم استبدالها حاليا ب"محاربة الإرهاب"...
يُشارك الجيش الجزائري في العديد من المناورات و "التّدريبات" التي يُشرف عليها الجيش الأمريكي من ضمنها التدريبات في البحر الأبيض المتوسّط، منذ ما لا يقل عن عشرين سنة، وفي مناورات أخرى إفريقية أو دولية ضمن الإتفاقيات العسكرية بين البلدَيْن بذريعة "تعزيز الأمن والسلم الإقليمي والدولي"
أنشأت الولايات المتحدة القيادة العسكرية الخاصة بإفريقيا (أفريكوم) سنة 2007، واعترضت آنذاك بعض الدّول الإفريقية ( جنوب إفريقيا ونيجيريا والجزائر ) على إنشاء قواعد عسكرية أمريكية في إفريقيا، فبقيت القيادة في شتوتغارت (ألمانيا) وغيرت الولايات المتحدة تكتيكاتها فأنشأت قواعد صغيرة في أكثر من نصف الدّول الإفريقية، وكثفت من المناورات العسكرية المشتركة التي يُشارك جيش الجزائر في بعضها، وتُريد الولايات المتحدة استغلال خروج القوات العسكرية الفرنسية من منطقة الصّحراء الكبرى لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة بالإعتماد على بعض القُوى الإقليمية، ومن بينها الجزائر التي يُجشارك جيشها في التدريبات العسكرية الإقليمية التي يُنظمها ويُشرف على تنفيذها الجيش الأمريكي بهدف "لتحقيق أمن إقليمي شامل وإيجاد حلول بناءة للمشاكل المطروحة"، وفق بيان مُقْتَضب نشرته سفارة الولايات المتحدة بالجزائر على موقعها الإلكتروني، يوم 22 كانون الثاني/يناير 2025...
لا تقتصر العلاقات بين الدّوْلَتَيْن على الجانب العسكري، بل تشمل الجانب الإقتصادي، وسبق أن أعلنت شركة "شيفرون" النّفْطِية الأمريكية العملاقة توقيع اتفاقيات في مجال الاستكشاف النفطي في المياه الإقليمية الجزائرية، كما وقّعت الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات ( الجزائر) اتفاقية – مدتها 24 شهرًا - مع شركة شيفرون الأمريكية لإنجاز دراسة معمّقة لتقْيِيم موارد المحروقات في المناطق البحرية الجزائرية، وتنعقد كل سنتَيْن جولة الحوار الاستراتيجي بين الجزائر والولايات المتحدة وانعقدت الدّورة السادسة بواشنطن سنة 2023، برئاسة وزيرَيْ خارجية الدّوْلَتَيْن، " بهدف التعاون في مجالات الإستقرار الإقليمي ودعم علاقات التجارة الحرة وتعزيز الشراكة الإقتصادية، وتوثيق التعاون في مجالات البرامج الثقافية والتعليمية بين البلدين..." وتمكّنت الشركات الأمريكية – خصوصًا الشركات النّفطية مثل أكسيدنتال وشفرون واكسن موبيل - من دخول السوق الجزائرية، بعد تنقيح القانون الجزائري للمحروقات الذي يتضمن حوافز جبائية للشركات الأجنبية، طَمَعًا في اجتذاب الإستثمارات الأجنبية "لرفع قدرات الإنتاج وإعادة تجديد مخزون المحروقات " وفق رئيس الوكالة الوطنية لتسيير موارد المحروقات، خلال ندوة صحفية بتاريخ 15 تشرين الأول/اكتوبر 2024، وكانت السفارة الأمريكية قد أكّدت ( 13/11/2023) وجود ما لا يقل عن مائة شركة أمريكية في الجزائر، وتُشارك أربعون شركة في معرض الجزائر الدّولي، وتنشط ثُلُث الشركات الأمريكية في المجال الزراعي، أما البقية فهي مُوزّعة على مجالات الصيدلة والصناعة والتكنولوجية، فضلا عن تزايد اهتمام الشركات الأمريكية بالاستثمار في عدة قطاعات مثل البناء ( لمنافسة الشركات الصينية ) والطاقات المتجددة ومعالجة المياه والصحة والفلاحة، والمنتجات الاستهلاكية والطيران الخ.
تغيّرت الظُّروف العالمية منذ انتصار الثورة الجزائرية واستقلال البلاد سنة 1962، كما تغيّرت ظروف سبعينيات القرن العشرين، خلال فترة رئاسة هواري بومدين، لما كانت الجزائر ملجأ ثوار العالم، لكن بقي اقتصاد البلاد ريعيا، وتكاد تقتصر موارد الدّولة على صادرات المحروقات، ومنذ رئاسة الشاذلي بن جديد، تخلّت الدّولة تدريجيًّا – مثل معظم دُول العالم - عن دَوْرِها الإجتماعي وعن التّدخل لتعديل الأسعار وتشغيل خرِّيجِي الجامعات، وتمت خصخصة القطاعات الصناعية ( أهمها مصنع الصّلب بالحجّار – عَنّابة ) وانتهت برامج الإصلاح الزراعي، فتعمّقت الفجوة الطّبقية بين الأغنياء والفُقراء، وارتفع عدد المهاجرين غير النّظاميين إلى أوروبا، بالتّوازي مع ارتفاع "هجرة الأدمغة" إلى فرنسا، ثم إلى كندا والولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها...
لم يكن الوضع مختلفًا في مجال السياسة الخارجية، فلم تعد الجزائر ملجأ الثوار ولا مركزًا مناهضًا للإمبريالية، ويندرج تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة في إطار هذه الظّروف الدّولية، وفي إطار المُراجعة العامة للتوجّهات السياسية الجزائرية، سواء على مستوى داخلي أو على مستوى العلاقات الدّولية، رغم بعض رواسب الخطاب التّقدّمي...

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي