رحلة في ذاكرة المدينة

صباح بشير
2025 / 1 / 20

في عكّا القديمة، حيث يمتزج عبق التاريخ بحيويّة الحاضر، وتتداخل روائح الماضي بأنفاس اللّحظة الراهنة، قضيت مع أصدقائي - فؤاد وسوزي نقّارة، نايف خوري، كميل مويس، وسلمى داوود - يوما لطيفا، انسابت فيه أحاديثنا كجدول عذب بين جنبات المدينة العتيقة.
بدأنا يومنا بتناول الفطور، ثم انطلقنا نحو السّوق القديم وأزقّته العتيقة، تلك الّتي تروي حكايات الأجداد وأسرار الماضي.
هناك في تلك الأجواء، غمرتنا اللّحظات الهادئة مع فنجان القهوة العربيّة، واستمتعنا بحلاوة الكنافة ومذاق الحلويات التي أضفت على جولتنا مسحة من البهجة، فغدت أزقّتها أجمل، وتضوّعت أجواؤها بأريج السّكر والهيل والقرفة، ورائحة البخور المنبعثة من دكاكين العطارة، التي أضفت على الأجواء سحرا شرقيّا آسرا، وأعادت إلى الذّاكرة حكايات ألف ليلة وليلة.
وخلال تجوالنا بين أروقة السّوق العتيق، رافقتنا أحاديث ثقافيّة متنوّعة، وكان لنا في ابن عكّا الجميلة، الصّديق فؤاد نقّارة، دليلا خبيرا بأسرارها وتاريخها، أخذ يطلعنا على كلّ معلم من معالمها، ويروي لنا حكاياته وقصصه بكلّ شغف ومحبّة، كاشفا لنا عن كنوز من الثّقافة الّتي تختبئ بين أحجارها العريقة.
في السّوق القديم، سحرني عبق الأصالة المنبعث من دكاكينه العتيقة، فكلّ زاوية تروي حكاية، وكلّ حجر ينطق بلسان الماضي، أمّا البضائع الشعبيّة المختلفة، والمعروضات التقليديّة والأعمال اليدويّة، فتزاحمت أمام ناظريّ، وأيقظت في نفسي حنينا جارفا إلى سوق البلدة القديمة في مدينة القدس، مدينتي الحبيبة ومسقط رأسي، تذكّرت أسواقها بأزقّتها المتشابكة، ودكاكينها المتراصّة، حيث تجاور الأواني الخزفيّة المزخرفة بأشكالها البديعة تحفا نادرة عريقة، تقاوم الحداثة وعاديات الزّمن بصمودها وثباتها، تذكرت باعة ينادون على بضائعهم بأصوات جهوريّة، تضفي على المكان حيويّة وصخبا.
وجدت في سوق عكّا القديم ذات الطّابع الأصيل، فأسواقنا الشعبيّة، وإن اختلفت المدن الّتي تحتضنها، تظلّ شاهدة على هويّتنا وثقافتنا، وحارسة لتراثنا العريق، العصيّ على المحو أو الإلغاء، المتجذّر في أعماق الأرض؛ كشجرة الزّيتون المعمّرة، تزهر انتماء وإبداعا جيلا بعد جيل.
خلال سيرنا إلتقينا مصادفة بالصّديقين فؤاد وجاكلين أبو خضرة، تبادلنا معهما أطراف الحديث في لقاء خاطف، وخلّدنا تلك اللّحظة ببعض الصّور التّذكاريّة، قبل أن يغادرا مسرعين.
لم تخلُ جولتنا من عبق البحر المنعش، فقد مررنا بمحلات بيع الأسماك، الّتي تعرض أنواعا مختلفة من خيرات البحر الوفير، فازدانت جوانب الطّريق بأنواعها وألوانها وأشكالها، ولأنّ من يرافقنا هو الصيّاد البارع فؤاد نقّارة، صاحب كتاب "صيّاد.. سمكة وصنّارة"، الخبير بأسرار البحر وخفاياه، فقد راح يطلعنا ويعرّفنا على أنواع الأسماك المختلفة الّتي شاهدناها، بأسمائها ومذاقها وفوائدها، أخذ يشاركنا معلومات ثريّة عنها وعن عالمها الغامض، حتّى غدونا ندرك جمال هذا العالم الخفيّ، ونشعر بعظمة تكوينه.
بعد ذلك اتّجهنا إلى المعرض الفنّيّ للفنّان وليد قشّاش، (Ashash Gallery) لنغوص في عالمه الإبداعيّ الرّائع، حيث استقبلنا هو ورفيقة دربه السيّدة منى بترحاب كبير، وبكرم ضيافة وألفة.
تجوّلنا في أرجاء المعرض، نتأمّل إبداعاته، نستمع إلى شرحه المشوّق عن مسيرته الفنّيّة، والمصادر الّتي يستلهم منها أفكاره، والتقنيّات الّتي يوظّفها في أعماله، وكأنّما تلك الزّيارة كانت نفحة من الإلهام والجمال، أضافت إلى يومنا لمسة راقية.
في ختام جولتنا، ودّعنا عكّا بقبلة أخيرة على شاطئها الجميل، حيث نسيم البحر المنعش، ثمّ انطلقنا عائدين إلى مدينة حيفا، وقد ملأت قلوبنا بهجة المشاهد والذّكرى الطيّبة.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي