بَعْضُ تداعيات انهيار النظام في سوريا

الطاهر المعز
2025 / 1 / 8

انهار النظام بعد 13 سنة من الحصار والتّقسيم واحتلال الولايات المتحدة وتركيا وأتْباعُهُما أجزاء من البلاد، شمالاً وشرقًا وجنوبًا، فيما وقفت روسيا وإيران وبعض القوى المحلية العربية مع النّظام الذي يُعدّ انهياره انتصارًا لتركيا – لا ننسى انتماءها منذ أكثر من سبعة عُقُود إلى حلف شمال الأطلسي – وللكيان الصّهيوني الذي يبدو إنه كان متهيئًا، حيث احتل مناطق جديدة من جنوب سوريا وسيطر على المياه وحوْض نهْر اليرموك، ودَمَّر مخازن ومصانع الأسلحة والبُنْيَة التّحتيّة...

يُعد انهيار نظام سوريا امتدادًا لما يحصل منذ عُقُود، وخصُوصًا منذ العدوان على العراق وتقسيمه سنة 1991، وما تلاه من تقسيم السودان وليبيا، ومن حصار مُطْبَق، وجاء هذا الإنهار بالتّوازي مع تدمير الضفة الغربية وغزة ولبنان واليمن ( الذي لا يزال صامدًا رغم العدوان والدّمار والحصار ) وإنهاك حزب الله من قِبَل الكيان الصهيوني بِدَعْمٍ امبريالي ورجعي عربي غير مسبوق، مما يُؤَدِّي إلى تعزيز الهيمنة التّركية والصهيونية على الوطن العربي...

في سوريا أدّى الحصار "الغربي" والعَرَبِي إلى إنهاك اقتصاد سوريا وارتفاع الأسعار وعجز الدّولة عن توريد السلع الضّرورية – التي كانت تنتج بعضها مَحلِّيًّا - وقطع الغيار وترميم البُنْيَة التحتية وصيانة المنشآت وإعادة إعمار البلاد، وعجزت الدّولة عن تسديد رواتب الموظفين والضّبّاط والجنود، واستفادت الولايات المتحدة التي تحتل المناطق النفطية والزراعية وتُسيطر على الحدود السورية العراقية واستفادت مليشيات العشائر الكُرْدية المتحالفة مع الإمبريالية الأمريكية، واستفاد الكيان الصهيوني وبالخصوص تركيا "الإسلام الأطلسي" التي تريد ضم أجزاء من سوريا ( إضافة إلى لواء إسكندرون الذي منحتها إياه فرنسا لما كانت تحتل سوريا بين 1918 و 1946) والعراق واستعادة نفوذ الدّولة العثمانية التي احتلت معظم بلدان الوطن العربي لمدة فاقت أربعة قُرُون قبل تسليمها إلى الإمبرياليتَيْن البريطانية والفرنسية...

خَلَقَ العُدْوان الصّهيوني الواسع على عدد من البلدان العربية – بدعم امبريالي غير محدود – فرصة ذَهَبِيّة لتركيا الإخوانجية التي شَجّعت ائتلاف المليشيات الإرهابية التي يقودها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني ) على الهجوم على منطقة حَلَب، بداية من يوم 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، بدعم من "الجيش الوطني السّوري" ( جيش سوريا الحرة سابقًا) وهو صنيعة تركية مائة بالمائة، وبذلك خاضت تركيا حربًا بالوكالة، وحازت المكاسب وأزاحت إيران وروسيا، كما تمكّن الكيان الصهيوني من نَيْل ما لم يتمكّن من الحُصُول عليه بالقوة العسكرية، طيلة عُقُود، وأصبحت أرض سوريا وشعبها جُزْءًا من صراع النّفوذ الإقليمي بين الكيان الصّهيوني وتركيا وإيران، وجزءًا من الصّراع الدّولي بين روسيا والولايات المتحدة، وتجسّد تفتِيت سوريا ( الدّولة والوطن والأرض ) في سيطرة تركيا على الشمال الغربي وسيطرة الولايات المتحدة – مُباشرة وبواسطة مليشيات الأكراد – على الشمال الشرقي والحدود مع العراق وسيطر الكيان الصهيوني على مناطق ريف دمشق وحَوْض اليرموك والقنيطرة والجولان في الجنوب، فضلا عن المليشيات المدعومة من تركيا والإمبريالية الأمريكية والأوروبية ( هيئة تحرير الشام وجيش سوريا الحُرّ أو ما أصبح يُسمّى الجيش الوطني السّوري...)، وبذلك تمت إعادة النّظر في التّجْزِئَة التي أقَرّتها اتفاقية "سايكس - بيكو " ( بين الإمبرياليّتَيْن البريطانية والفرنسية، سنة 1916، لتقسيم ما تبقى من الإمبراطورية العثمانية" والتي كانت سِرِّيّة إلى أن كشفتها الثورة البلشفية وأعلن لينين وجودَها مُنَدِّدًا بها، وكان تقسيم سوريا التاريخية ( الشّام) جُزْءًا من هذه الخطّة، من خلال إنشاء دُوَيْلات هزيلة مثل لبنان والأردن...

جَرّبت الإمبريالية الأمريكية ( وكذلك الأوروبية) الحرب بالوكالة في عدّة مناطق من العالم، ويُشبه استخدام "هيئة تحرير الشام" في سوريا ما حصل في أوكرانيا باستخدام كتيبة "آزوف " التي تَحَوّلت – بقدرة الإمبريالية "الغربية" وإعلامها – من منظمة نَازِيّة جديدة ويمينية متطرفة إلى حركة مقاومة ودفاع عن الوطن وتم دَمْجها في جيش أوكرانيا الذي تُشرف على تدريبه وتسليحه الإمبريالية "الغربية"، وفي سوريا تم التّغاضي عن جُذُور هيئة تحرير الشام وارتباطاتها بجبهة "النصرة" وتنظيم "القاعدة"، بل تم دَعْمُ هيئة تحرير الشام من قِبَل الإستخبارات و وزارة الحرب الأمريكية، إلى أن تمكّنت من الإنقضاض على الدّولة ( وليس على النّظام فحسب ) بعد إنهاكها بالعقوبات والحصار والتّخريب من الدّاخل...

في مجال السياسة الدّاخلية التي تنتهجها مليشيات الإرهاب الإسلامي، تُظْهِر العديد من المُؤشّرات بعض ملامح البرنامج السياسي والإقتصادي المُغْرق في الرّجعية والتَّبَعِيّة، من ذلك خَصْخَصَة المصرف المركزي وعمليات صَرْف رواتب الموظفين الحكوميين، حيث بقي أكثر من مليون موظف ومتقاعد بدون رواتب ولا دَخْل بعد تنفيذ قرار "هيئة تحرير الشام" تحويل الرواتب عبْر مكتب صرافة تابع لهذه المليشيات في "إدلب"، وبجب على الموظّفين تحميل تطبيق تابع لشركة مالية أنشأتها "حكومة الإنقاذ" في إدلب التي كانت مُخْتَبَرًا لحكم المليشيات، وهذه الشركة المالية غير مُسجّلة كمصرف معترف به محليا أو دوليا، ولم يحصل التّطبيق المذكور على أي ترخيص من المنظومة المالية السّورية أو الدّولية، وهو غير مثبت في متاجر التطبيقات المعروفة ، بل يُمثّل هذا التّطبيق "محفظة إلكترونية" تابعة لشركة خاصّة غير مرتبطة بالمنظومة المصرفية المحلية أو الدّولية، وهي شركة تابعة لهيئة تحرير الشام إسمها “شركة الوسيط للحوالات المالية”، ثم "شام كاش"...

لا يُمثّل انهيار نظام سوريا تَقَدُّمًا أو "تَحرُّرًا من الإستبداد والهيمنة"، بل تكريسًا للتقسيم وللهيمنة الإمبريالية – الأطلسية وللصهيونية، ضمن برنامج أوْسَع، يتجاوز سوريا، سُمِّيَ "برنامج الشرق الأوسط الكبير"

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي