الحلم بالنهوض بعد الظلم والقمع

أكرم شلغين
2025 / 1 / 6

ليس جديدا ما نكرره عن أن سوريا كانت عبر عقود حكم آل الأسد بمثابة مزرعة يتقاسم فيها النظام وأعوانه كل مظاهر الحياة، تاركين شعبا بأكمله يرزح تحت وطأة الظلم والقمع. لم تكن تلك العقود زنزانة سوداء تحكي أصداء القتل والتشريد، التشبيح والتعفيش، الفساد والمحسوبية، حيث باتت حياة الإنسان بلا قيمة تُذكر، تُسحق كرامته أمام آلة أمنية لا تعرف سوى البطش والترهيب.
لا يُمكن للإنسان، مهما طال الزمان، أن ينسى أو يصفح عن مآسيه الشخصية. لن أنسى كيف حاصروا بيت أهلي واستهدفوا ساكنته الوحيدة شقيقتي المريضة بتصرفاتهم الترهيبية وأسئلتهم المكررة عنّي وأنا مشرد في قارة أخرى. وزادوا من ذلك بعد اندلاع الثورة بينما كانت شقيقتي تحتضر على فراش الموت، أصروا على إثارة الرعب ليلاً بصراخهم وأصوات قعقعة بنادقهم الموجهة لكل شبحٍ يصنعونه بخيالهم المريض على بعد أمتار منها وهي على فراش الموت. لقد كانوا ببساطة آلة قتل معنوي، تعمل بلا رحمة.
أما إعلام النظام، فقد كان الوجه الآخر للقمع. لم يكتفِ بتحويل الظلم إلى شيءٍ "اعتيادي"، بل حوّل الأصوات المطالبة بالحق إلى أهداف مباشرة للتنكيل والترهيب. لن أنسى أحمد العيسى، عميد كلية الآداب بجامعة اللاذقية (الحمد لله أن اسم الجامعة الأصلي عاد اليها)، وهو يطالب بأقسى العقوبات بي لأنني تجرأت على الحديث عن مظالم الشعب في سوريا، ليظهر بجلاء كيف يسخّر النظام أدواته الأكاديمية والإعلامية لسحق الحقيقة وتبرير الظلم.
اليوم، ومع انهيار ذلك النظام البائد، يحتدم الجدل بين من يطمحون لمستقبلٍ أفضل ومن يعارضون الاستقرار لصالح امتيازاتهم الشخصية. هؤلاء، الذين كانوا بالأمس مستفيدين من الفساد والمحسوبية، ما زالوا يجهدون وان بأصوات مقنعة للحفاظ على مصالحهم وسط الخراب. في المقابل، هناك من يشبهونني، ممن يحلمون برؤية سوريا تتعافى وتنهض. نحن لا نطلب المستحيل؛ فقط نريد أن يقف وطننا على قدميه، لنعيش بكرامة بعيدا عن القمع والتشريد والاستغلال الأسدي.
أنا وأمثالي من أبناء هذا الوطن الذين رفضنا في أي يوٍم من الأيام أن نكون جزءا من هذه المزرعة التي أنشأها الأسد. لم يكن لنا أي حظوة في عهده، ولم نجد فيه أي إيجابية تستحق الذكر. ترك لنا إرثًا من التفرقة، وغرس في النفوس الخوف والعداوة بدلا من الانتماء والمواطنة. نحن الذين تعذبنا وتشردنا وذاق شعبنا مرارات النهب والقمع، لنا الفخر أننا لم نُلوّث أنفسنا بمساندة هذا النظام.
فرحتنا بسقوطه كانت، وما زالت، عظيمة. لكنها ليست سوى خطوة في طريق طويل لاستعادة سوريا الحرة، سوريا العدالة، وسوريا التي نحلم بها. نعم، نحن متعبون، ولكن أملنا في الغد يجعلنا نواصل النضال حتى تُبنى سوريا على أسس الحرية، المساواة، والإنسانية.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي