أمل سوريا الجديد

أكرم شلغين
2024 / 12 / 25

أعتقد، بل وأجزم، أن عائلة الأسد ليست مجرد ديكتاتورية أخرى في سجل التاريخ الأسود؛ بل إنها حالة استثنائية من الاستبداد والجشع الذي تجاوز الحدود الأخلاقية للبشرية. عندما نتحدث عن المافيات أو العصابات أو حتى وحوش الغابة، نجد بينها أعرافا أو قيما تقيد وحشيتها إلى حد ما. أما عائلة الأسد، فهي منزوعة من كل هذه الضوابط، تمارس القمع والاستغلال بلا حدود ولا رادع، كأنهم خُلقوا خارج أي سياق إنساني.
لا يمكن لأي حدث أن يضاهي فرحة السوريين بالخلاص من هذه العائلة المتجبرة، عائلة حولت وطنا بأكمله إلى مزرعة خاصة بهم، ينهبون خيراته، ويقمعون أهله. كسوريين، الحلم الأسمى اليوم هو رؤية سوريا حرة، نظيفة من إرث هذا النظام الذي جرَّد البلد من قيمه وموارده، تاركا وراءه ذاكرة مثقلة بالألم، وجراحا نبحث عن مداواتها.
لسوريا تاريخ طويل من التعايش والتعاون بين طوائفها وأعراقها. قبل الأسد، عاش السوريون معا بمحبة وتعاضد. جاء هذا النظام ليفرض سياسته الخبيثة، مستخدما الطائفية كسلاح يمكّنه من البقاء في السلطة. نظام الأسد لم يكن مجرد ديكتاتورية، بل شبكة مافيوزية اقتصادية من شتى الطوائف والأديان، هدفها نهب البلد ونهش موارده. حتى حينما ترك السلطة، ذهب بالمليارات التي سرقها من شعبه ليحتمي في روسيا، متخليا عن أزلامه الذين استخدمهم لمصلحته طوال عقود.

لم يوفر نظام الأسد وسيلة لترسيخ حكمه الديكتاتوري. وآلة القمع الإعلامية والأمنية للنظام زورت الحقائق لتخلق وهما لدى الشعب، وكأننا نعيش في وزارة الحقيقة بجورج أورويل. المثقفون، حملة الفكر وصوت العقل، كانوا هدفا أوليا لهذا النظام. قُمعوا، شُرِّدوا، وبعضهم قُتل في سبيل أن تبقى سوريا هكذا غارقة في الظلام.
الفترة الانتقالية لن تكون مثالية وخالية من العنف، وهذا أمر طبيعي لأي شعب خرج من حكم طاغية. ومع ذلك، فكل خطوة نحو الحرية، مهما كانت صغيرة، هي انتصار. لقد كانت هناك مظاهرات اليوم في اللاذقية ولم يقتل المتظاهرون ولم يُعتقلوا، وهذه إشارة إلى أننا نمضي نحو مستقبل أفضل، وبرغم أنها جاءت بتحريض أطراف لا تريد الاستقرار لسوريا وشعبها...
احترام المقدسات ضرورة لا جدال فيها، ولكن علينا أن نفهم أن الضغوطات التي تراكمت على الشعب السوري طيلة عقود من حكم آل الأسد تولد تصرفات غاضبة لا نبررها ولكننا نفسرها. يجب أن يتوحد الشعب السوري، بمختلف طوائفه وأديانه، ضد أصوات التحريض الطائفي.

ما قاله مرة إيمانويل ليفيناس* بأن اختيار إنقاذ الكائن الحي يأتي قبل العمل الفني يُلهمنا هنا لنقول إن سوريا هي القطة التي يجب أن ننقذها من الرماد الذي خلفه نظام الأسد بدلا من التحريض بسبب مزار حجري. الشعب السوري واحد، وسيبني معا وطنا حرا يليق بأجياله القادمة. وكما هتف السوريون منذ بداية تظاهراتهم:
واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد.
...........................................................................................

*"إذا اندلع حريق وكان عليّ الاختيار بين إنقاذ قطة أو لوحة لرامبرانت، فإنني سأختار إنقاذ القطة."

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي