فشل أحزاب اليسار في العالم العربي.. وكيف يمكنها أعادت صياغت مفاهيمها وفقاً التاريخ الإسلامي والتراث الشعبي العربي .!

عبدو اللهبي
2024 / 12 / 23

لطالما كانت أحزاب اليسار والعلمانية جزءًا من المشهد السياسي في العالم العربي، إلا أنها واجهت تحديات كبيرة جعلتها تفقد الزخم الشعبي والسياسي. لفهم أسباب هذا التراجع، من الضروري تحليل العوامل المختلفة التي أثرت على مسارها، بدءًا من الواقع الاجتماعي والثقافي، وصولًا إلى الظروف السياسية والجيوسياسية."

فشل أحزاب اليسار والعلمانية في العالم العربي يمكن تفسيره بعدة عوامل سياسية، اجتماعية، وثقافية، ومن أبرز الأسباب ما يلي:

أولاً: غياب الدعم الشعبي:

غالبًا ما تكون أفكار اليسار والعلمانية غير منسجمة مع القيم والتقاليد الاجتماعية والدينية السائدة في العالم العربي، مما يجعلها بعيدة عن اهتمام الجمهور.

بعض الأحزاب اليسارية ركزت على النخب الحضرية وتعاملت بنوع من التجاهل مع القضايا الريفية والمجتمعات التقليدية.

ثانياً: القمع السياسي:

الأنظمة الاستبدادية في العديد من الدول العربية استهدفت أحزاب اليسار والعلمانية بشكل مباشر، وضيقت عليها الخناق من خلال الحظر أو الاعتقالات أو قمع الحريات.

اليسار ارتبط تاريخيًا بحركات المعارضة، مما جعله عرضة لمواجهة قمع الأنظمة الحاكمة.

ثالثاً : التشرذم الداخلي:

كثير من أحزاب اليسار والعلمانية تعاني من الانقسامات الداخلية والخلافات الأيديولوجية، مما أضعف قدرتها على تشكيل جبهة موحدة.

التنافس بين الفصائل المختلفة داخل هذه الأحزاب ساهم في تراجعها وفقدان ثقة الجماهير.

رابعاً : غياب خطاب واقعي:

ركزت الأحزاب اليسارية والعلمانية على خطاب أيديولوجي جامد ولم تستطع تقديم حلول عملية لمشكلات الناس اليومية مثل البطالة، الفقر، والتعليم.

وبعضها تبنى خطابًا مستوردًا بعيدًا عن سياق الواقع المحلي.

خامساً: صعود الإسلام السياسي:

نجاح الحركات الإسلامية في استقطاب الجمهور من خلال استغلال القيم الدينية والثقافية، وتقديم برامج اجتماعية وخيرية ملموسة.

الحركات الإسلامية استطاعت التواصل مع القواعد الشعبية بطرق أكثر تأثيرًا مقارنة باليسار والعلمانيين.

سادساً: ارتباط بعض الأحزاب بأنظمة خارجية:

بعض الأحزاب اليسارية والعلمانية ارتبطت بأنظمة أو أيديولوجيات خارجية مثل الاتحاد السوفيتي أو الغرب، مما أدى إلى فقدانها المصداقية أمام الجمهور المحلي الذي اعتبرها تابعة لجهات أجنبية.

سابعاً : التغيرات الجيوسياسية:

انهيار الاتحاد السوفيتي في أواخر الثمانينات أضعف اليسار عالميًا، مما انعكس سلبًا على الأحزاب اليسارية في العالم العربي التي كانت تعتمد عليه أيديولوجيًا وسياسيًا.

التحولات السياسية في المنطقة مثل الثورات العربية أدت إلى تهميش هذه الأحزاب لصالح قوى جديدة.

ثامناً : ضعف التنظيم والبنية الحزبية:

افتقرت بعض الأحزاب إلى قيادة قوية وتنظيم مؤسسي فعال قادر على حشد الجماهير وإدارة الحملات الانتخابية والسياسية.

تاسعاً : غياب الإعلام المؤثر:

عدم قدرتها على استغلال الإعلام بالشكل الكافي أو مواجهة الإعلام المضاد، الذي كان يُسخّر لتشويهها ونشر أفكار مناوئة لها.

عاشراً : الخوف من "العلمانية":

ربط مفهوم العلمانية بالإلحاد أو بمعاداة الدين أدى إلى تشويه صورتها في أذهان الكثيرين، مما صعّب مهمة الأحزاب العلمانية في كسب التأييد الشعبي ..!

فالأحزاب اليسارية في العالم العربي غالبًا ما وقعت في فخ الاغتراب عن بيئتها الثقافية والتاريخية، وكأنها تتبنى أفكارًا مستوردة لا تمت بصلة لجذور المجتمع. ولكن الحقيقة أن القيم التي ينادي بها اليسار، مثل العدالة الاجتماعية، والمساواة، ورفع الظلم عن الفئات المهمشة، ليست غريبة عن تاريخنا العربي والإسلامي.

التاريخ العربي والإسلامي مليء بالمرجعية اليسارية والعلمانية في أعماقه وروحه..
في الإسلام، نجد قيمًا أصيلة تعكس جوهر الفكر اليساري، مثل الدعوة إلى توزيع الثروات بعدل، ومنع التكديس المفرط للأموال في يد فئة قليلة.
فكرة "الزكاة"، على سبيل المثال، هي نظام اجتماعي متكامل لإعادة توزيع الثروة ومساندة الفقراء والمحتاجين. كذلك، مبدأ "الإيثار" الذي ورد في القرآن الكريم يعبر عن قمة التضامن الاجتماعي.

حتى في التاريخ الغير الديني، نجد مفكرين وأدباء عربًا رفعوا راية العدالة الاجتماعية والمساواة. الفارابي، على سبيل المثال، تحدث عن "المدينة الفاضلة" التي تُبنى على أساس المساواة والعدالة. ابن خلدون، في تحليله للعصبية والدولة، أشار إلى أهمية التوازن في توزيع الموارد لتجنب الفساد والانهيار.

لكن، الأحزاب اليسارية الحديثة في العالم العربي ركزت على استيراد النظريات الغربية دون محاولة تأصيلها في السياق العربي والإسلامي. هذا الانفصال عن القيم المجتمعية جعلها تبدو وكأنها غريبة أو معادية للثقافة المحلية، مما نفّر الناس منها.

وفي حال اذا أرادت الأحزاب اليسارية في العالم العربي أن تنجح، يجب عليها إعادة قراءة التاريخ العربي والإسلامي، واستلهام القيم اليسارية التي نشأت في سياقنا الحضاري. على سبيل المثال:

ربط القيم اليسارية بالدين: بدلًا من النظر إلى العلمانية كمعادٍ للدين، يمكن تقديمها كأداة لتحقيق العدالة للجميع، بغض النظر عن الدين والمعتقد..فالعلمانية تحمي جميع الأديان والمعتقدات..!

إضافة الى إحياء الرموز المحلية: التركيز على الشخصيات التاريخية العربية والإسلامية التي ناضلت من أجل العدالة والمساواة.

التقدم بخطاب شعبي مبسط والتخلي عن الخطاب الأيديولوجي النخبوي وتقديم رؤية قريبة من الناس، مستوحاة من واقعهم.

هذا الدمج بين القيم المحلية والفكر اليساري الحديث يمكن أن يعيد لليسار العربي مكانته كممثل حقيقي لطموحات الشعوب العربية.. وتحقيق السلم والعدالة الاجتماعية التي هي من أهم مطالب الشعوب ومنتهى مبتغاهم، للعيش بكرامة وآمن وعدل...!

إذاً نصل الى نتيجة أن فشل أحزاب اليسار والعلمانية لا يعني بالضرورة انتهاء دورها، ولكنه يدعو إلى مراجعة شاملة لاستراتيجياتها وخطابها. فمن خلال التركيز على القضايا المحلية، وتوحيد الصفوف، وتقديم حلول عملية تتماشى مع القيم المجتمعية، قد تتمكن هذه الأحزاب من استعادة دورها الفاعل في المستقبل ومنح الشعوب العربية فرصة جديدة لتجربة أحزاب اليسار مجدداً..!

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي