الخوف: ثقافة عالمثالثية أم تركيب اجتماعي؟

أكرم شلغين
2024 / 12 / 20

في مجتمعات العالم الثالث، يُعتبر الخوف عنصرا متجذرا في الحياة اليومية، حيث يُستخدم كأداة للسيطرة والتحكم من قبل الأنظمة السلطوية. في سوريا، خلال حكم حافظ الأسد واستمرار بحكم ابنه الأبله الفار، أصبح الخوف جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، به سادت مقولة "الجدران لها آذان"، وعشنا في حالة من الرعب المستمر بين الأفراد.
الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو تناول مفهوم السلطة وكيفية استخدامها لفرض السيطرة من خلال بناء الخوف كتركيب اجتماعي. يرى فوكو أن السلطة والمعرفة مترابطتان، حيث تُستخدم المعرفة كأداة للسيطرة الاجتماعية، وتتشكل من خلالها هويات الأفراد عبر الخطابات والمعايير السائدة.
في سوريا، تجسدت هذه الأفكار في هيمنة الأجهزة الأمنية، التي بلغ عددها 18 جهازا، وتفننت في طرق اصطياد الأفراد، مما أدى إلى خلق "جمهورية الخوف" و"مملكة الرعب". أصبح المواطنون يعيشون في حالة من الرعب المستمر، يخشون التعبير عن آرائهم أو حتى التفكير بصوت عالٍ، خوفًا من الاعتقال أو التعذيب أو الموت.
بعد سقوط حكم الأسد، ورغم انتهاء النظام الذي زرع الخوف، لا يزال الناس يعيشون في حالة من الرهبة، غير قادرين على التعبير بحرية، خوفًا من المجهول. هذا يطرح تساؤلاً مهمًا: هل أصبح الخوف جزءًا من الثقافة المجتمعية، أم أنه نتيجة لعملية تدريب وتمرين اجتماعي كما وصفها فوكو؟
من منظور فوكوي، يمكن القول إن الخوف ليس مجرد شعور فردي، بل هو نتاج لعمليات اجتماعية معقدة تهدف إلى تشكيل سلوك الأفراد وضمان الامتثال للمعايير المفروضة. وبالتالي، فإن التخلص من هذا الخوف يتطلب أكثر من مجرد تغيير النظام السياسي؛ يستلزم إعادة بناء النسيج الاجتماعي والثقافي الذي تشكل على مدى عقود.
يمكن تشبيه هذه الحالة بمشاهدة فيلم رعب، حيث يظهر الوحش مرارًا وتكرارًا بعد الاعتقاد بأنه قد قُضي عليه... في كل مرة يُقتل فيها الوحش، يتنفس المشاهدون الصعداء، لكن سرعان ما يعود الوحش للظهور، مما يعيد دائرة الخوف والرعب. هذا التشبيه يعكس حالة المجتمع السوري، حيث حتى بعد سقوط النظام، لا يزال الخوف متجذرًا في النفوس، والناس لا تتجرأ على الكلام...كحالة من ينظر تحت سريره بعد الانتهاء من مشاهدة فيلم الرعب ليتأكد أن تحت سريره خال من الوحش الذي عاود الظهور مرارا بعد الظن أنه مات...! وحالتنا مع الخوف تذكر عموما بفيلم "ليلة الموتى الأحياء" (1968)، الذي يعكس بمهارة دورة الخوف وعودة التهديد المستمر، مما يوازي تجربة المجتمعات التي تعيش تحت وطأة الخوف الدائم.
في الختام، يجب أن نتساءل: كيف يمكن للمجتمعات التي عاشت تحت وطأة الخوف لسنوات طويلة أن تتحرر من قيوده؟ وهل يمكن تحقيق ذلك دون فهم عميق للتركيبات الاجتماعية التي أسست لهذا الخوف؟ إن الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب جهدًا جماعيًا لإعادة بناء الثقة والحرية في المجتمعات المتضررة.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي