|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
سعد الله مزرعاني
2024 / 12 / 14
في مقالتين سابقين صدرتا تباعاً السبت الماضي والذي قبله (30/11 و6/12)، تناولت في أولاهما تحديد موقع الصراع في لبنان بوصفه جزءاً من الصراع في منطقة الشرق الأوسط الذي هو، بدوره، جزءٌ من صراع دولي، طرفه الأول الولايات المتحدة وحلفاؤها وأتباعها، وطرفه الثاني منافسوها وخصوم سيطرتها الاستعمارية، في كل أنحاء العالم. في المقالة الثانية، حاولت البرهنة، بشكل موضوعي، على أن محصلة وقف إطلاق النار بين العدو الإسرائيلي ولبنان والمقاومة، هي شبه تعادل في الأرباح والخسائر. وللتحديد أكثر، في هذه المرحلة، وبموجب هذا التوصيف، فإن الصراع في لبنان، بين المقاومة والعدو الصهيوني، إنما هو صراع مستمر، رغم وقف إطلاق النار، في محاولة مكشوفة من العدو وداعميه («الوسيط» الأميركي خصوصاً) لتمكين العدو من تحقيق أرجحية على حساب المقاومة ولبنان. وهو كذلك مستمر كونه جزءاً من المعركة المستمرة، بدورها، وبضراوة، بين الشعب الفلسطيني خصوصاً، وبين العدو الصهيوني وشركائه في حرب الإبادة. أي إنه، بالمعنيين العام والخاص، صراع متواصل، منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى» التي تخضع، هي أيضاً، للعلاقة بين المحتل وبين الشعب الذي ابتلي باستعمار استيطاني فُرض عليه وعلى وطنه: بالتآمر وبالعنف والتهجير والقمع والمطاردة ولا يزال.
أكَّدت عملية «طوفان الأقصى» بأن القضية الفلسطينية حيَّة في سواعد أصحابها وضمائرهم وفي تضامن ومشاركة، قوى وجهات تبنّت أولوية القضية الفلسطينية ومركزيتها في الصراع مع العدو الصهيوني وداعميه. وحيث أن الشعب الفلسطيني، في هذه الجولة من الصراع، قد صمد صموداً أسطورياً في مواجهة آلة الحرب والقتل والدمار الإسرائيلية المدعومة بالكامل من واشنطن والمعسكر الأطلسي، فقد انتسب كفاحه، في الأسباب والمجريات، إلى الصراع الدولي العام أكثر من أيِّ وقتٍ مضى. ثم أن هذه المرحلة من الصراع قد أكدت، بأكثر الأدلة إقناعاً وإيلاماً وأذية، أن المعركة لم تكن، وليست ولن تكون، فقط، مع الاحتلال الاستيطاني الصهيوني وخلفه مجمل الحركة الصهيونية العالمية، بل هي، أساساً، مع معسكر واشنطن الاستعماري الإمبريالي الذي أسس لنشوء الكيان الصهيوني بالوعد المشؤوم الشهير عام 1917 في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين وجزء من المنطقة. وهو قد رعى عملية نشوء ذلك الكيان وأمدّه بأسباب القوة في كل الحقول. كذلك فعلت واشنطن حين أزاحت لندن عن صدارة القوة والتوسع في العالم، لتصبح هي القوة الراعية والداعمة للمشروع الصهيوني في فلسطين، بكل الوسائل على غرار ما شهده العالم بأم العين ولا يزال، من دعم خاص شامل للعدوان الصهيوني بما يفوق الشراكة إلى تأكيد أن إسرائيل هي أداة مباشرة، وأساسية، على صعيد منطقة الشرق الأوسط لخطة العدوان الأميركية: للسيطرة عليها بكل الوسائل، بما في ذلك الاحتلال والعنف والشرذمة والتفتيت، وآخر النماذج ما حصل قبل أسبوع في الشقيقة سوريا.
إنّ سمة هذا الصراع الدولي والإقليمي والمحلي، هي سمة تحررية عامة. وحيث أن قوى العدوان والاستعمار موحَّدة، عموماً، في توجهاتها وخططها عبر أطر ومؤسسات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية ذات طابع إقليمي أحياناً، ودولي عموماً، فإن القوى الأخرى تفتقد تلك الوحدة بسبب تنوعها وتباين ظروف نضالها ومنطلقات توجهاتها وبرامجها. وهي تقع في تصنيف لينين الشهير تحت عنوان «الشعوب المضطهدة» وإن شملت حكومات تعاني من التسلط والنهب من قبل الرأسمال المعولم، أو حتى دول تمسك بالسلطة فيها طغم محلية تابعة وعميلة تلعب دوراً خطيراً في استرهان بلدانها وفي خدمة مشاريع السيطرة الاستعمارية في الحقول كافة. إن الجامع التحرري العام هو الحافز المحوري والجوهري من أجل صياغة برامج تحررية محلية ذات بعدين إقليمي وأممي بالمعنى النضالي المشترك: ضد العدو الأساسي الواحد والموحّد وضد أدواته في المرحلة التاريخية الراهنة.
أمّا إطار العمل أو صيغته المناسبة، فهي «الجبهة الوطنية». وهي صيغة يجتمع أطرافها المتنوعون، وحتى المتباينون في الخلفيات الفكرية أو الإيديولوجية أو الطبقية، في مشروع عمل مشترك ذي أولوية أساسية ومشتركة وحاسمة في توفير فرص التغيير وانتصار مشروعه. هذا التوحد لا يلغي أبداً التنوع والتباين وحتى التناقض في الأهداف البعيدة في ما يتعلق بتطور البلد المعني في المستقبل بعد إنجاز المهمة التحررية المشتركة وذات الأولوية الحاسمة كما أشرنا.
في ظروف لبنان الراهنة، يتعاظم الخطر الإسرائيلي مقروناً بإعلان أطماع جغرافية تتناول كل جنوبه. وبسبب الصيغة الراهنة لوقف إطلاق النار المفخَّخ بنص سيئ ورقابة أميركية كاملة الانحياز للعدو وشريكة له في عدوانه، يصبح العدو واضحاً بشكل لا يترك مجالاً للالتباس أو الخطأ. وبعد أزمات متراكمة بسبب النهب والفساد، تكبر المخاطر وتتعاظم أهمية العمل التحرري المشترك. كان ينبغي المباشرة بذلك قبل الآن، في مواجهة النهب المحلي والتدخل الخارجي الذي أخطره التدخل الأميركي. ليس من المقبول بعد الآن المراوحة في الاستنقاع السابق الذي تعززه الفئويات وسوء التقدير بشأن المرحلة والأولويات. هذا أمر لا يحتمل التأجيل. والتجربة اللبنانية التي كانت رائدة في مجالات عدة أهمها مقاومة العدو وهزيمته بالمقاومة والتوحد الجبهوي مقرونين بالمبادرات والبطولات والتضحيات، تشكل أساساً لتطوير صيغ جديدة وفعّالة وفقاً لما تطلبه المرحلة الراهنة وما تحمله من مخاطر تتزايد كل يوم.
إن ما ينطبق على لبنان ينطبق، أيضاً، على البلدان العربية الأُخرى، مع مراعاة الظروف الملموسة، الموضوعية والذاتية، في كل بلد. النضال التحرري، كما هو وطني، هو، بالضرورة أيضاً، قومي وشامل: ولا مبرر لأي تأخير في المبادرة والتحرك الهادف وفي المضي بثبات وتصميم.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |