هل تفكك محور المقاومة بسقوط سوريا ؟

طارق الورضي
2024 / 12 / 14

إن ما يجري اليوم على أرض سوريا من الأحداث المتسارعة و القلاقل والتحوّلات يحتاج إلى وقت للتفكير العميق و التأمل الكافي، قبل إصدار أي حكم متسرع بعيد عن المنطق الرصين، وإن كانت تبدو المعطيات على أرض الواقع ، ستكون لها تداعيات قاتمة تنحو منحى سلبيا يناوئ مصالح الأمة العربية والإسلامية، وأن بعضا مما نشهد منها الآن لن يصلب إلا في صالح الكيان الصهيوني الإجرامي، النازي، الذي يهلّل فرحاً وانتشاءا بما حدث، بل ويتمادى في عدوانه الأرعن على الأراضي السورية ،من خلال احتلال مناطق جديدة ، وقصف القواعد العسكرية السورية ومخازن الأسلحة تحت ذريعة الحيلولة دون وقوعها في أيدي الجماعات المسلحة، على الرغم من أن الكيان الصهيوني يدرك تماما أن هاته الجماعات لن تجرؤ على إطلاق رصاصة في اتجاه جندي صهيوني، بل و حتى أن بعض المصابين و الجرحى من أفرادها كانوا يتلقّون الرعاية الصحية داخل المستشفيات الصهيونية في صفد.
لا شك أن التغيير سنّة إلهية حتمية و ناموس رباني يجري على كل الأمم و الحضارات في كل الأزمنة و الأمكنة، بيد أن حقيقة ما جرى في سوريا يخضع لعوامل شتى أكثر تعقيداً، وهو نِتاج تواطؤ و تكالب متواصل ومستمر منذ أكثر من اثني عشر عاماً، استخدمت فيه القوة العسكرية "الهجينة" المدعومة من لدن القوى الإمبريالية في العالم، بالإضافة إلى مئات المليارات من الدولارات التي تكفّلت بدفعها ممالك وإمارات ودول وديكتاتورية، ناهيك عن مئات الآلاف من المضلّلين والمخدوعين والمأجورين، الذين جيء بهم من كل أصقاع العالم لتنفيذ أجندات أميركا و الكيان الصهيوني، و بإيعاز من بعض القوى الإقليمية التي ما زالت تعيش أوهام الإمبراطوريات الغابرة.
أنا لا أقصد هنا الدفاع عن النظام الديكتاتوري السوري المدعوم من طرف إيران و من ورائها روسيا و الذي ارتكب أبشع و أشنع أصناف الاعتقال و التعذيب و سفك الدماء في حق المواطنين السوريين المناوئين لحكم بشار الأسد، و شرد اكثر من 14 مليون مواطن سوري خارج حدود الوطن. هؤلاء المواطنون الذين كانوا يعارضون سياسات النظام السوري بالطرق الشرعية والقانونية سلميا و حضاريا، و كانوا يحملون تصوّراً مخالفاً لشكل حكم النظام السابق، أو في ما يتعلّق بتحالفات النظام الخارجية ومواقفه الدولية، حيث أن الاختلاف السياسي المشروع، البعيد عن التخوين و التجريم وخدمة الأجندات المعادية يعتبر مقبولا و لا لبس فيه، لكن قوى الشر الخارجية و أطماعها العمياء حولت أرض سوريا إلى مسرح للحرب الأهلية بالوكالة ،لإنهاك و تدمير وطن عربي مسلم كانت أرضه تحقق اكتفائها الذاتي من الثروات المحلية، دون التسوّل على أبواب البنك الدولي و المؤسسات الرأسمالية المانحة .
تدمير سوريا كان حلقة في سلسلة مخطط إمبريالي صهيوني إستهدف تدمير القدرات الاقتصادية و العسكرية للدول العربية المجاورة للكيان الصهيوني التي تتبنى نهج الممانعة و المقاومة في وجه المشروع الصهيوني الذي يستهدف إعادة صياغة الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، و في مقدمتها دولة العراق في عهد صدام حسين، لتعبيد الطريق أمام الكيان الصهيوني ليتحول إلى قوة إقليمية ضاربة.
و هو المخطط الذي أطلق عليه الدكتور المغربي خبير الدراسات المستقبلية ، المهدي المنجرة، مصطلح "الحرب الحضارية الأولى".
لقد تم الإجهاز على محور المقاومة متمثلا في حزب الله اللبناني باستهداف استخباراتي ممنهج لقياداته تباعا، في وقت قياسي جعلت ثلة من المحللين السياسيين و الخبراء الاستراتيجيين يوجهون أصابع الإتهام لإيران بالتخابر مع الكيان الصهيوني و الولايات المتحدة عن طريق الكشف عن إحداثيات رؤوس المقاومة و تسريب المعلومات عنهم، كما حدث عندما تم قصف مقر اجتماع مجلس قيادة حزب الله الذي استشهد فيه الأمين العام حسن نصر الله و أعضاء المجلس و الذي يتواجد تحت الأرض بالضاحية الجنوبية، و الإجهاز على حزب الله هو المرحلة الأولى ضمن مخطط تفكيك محور المقاومة الذي سينتهي بإسقاط مؤسسات الدولة السورية، و تحويل أرض سوريا إلى مناطق نفوذ تتنازع حولها القوى الإقليمية: تركيا، الأكراد، إيران، الكيان الصهيوني !
و بالتالي فإن المرحلة الآنية التي تشهدها سوريا ستكون محورية، صعبة، متقلبة و قاسية، و يجب أن يترقب الشعب السوري كل الاحتمالات و أن يكون يقظا ضد كل محاولات اختطاف الوطن لصالح أي فصيل أو أي قوى إقليمية خارجية، وان يضع إلى جواره كل الوسائل والأدوات الكفيلة بمواجهتها والتصدّي لها، في عالم تسيطر عليه المصالح الدولية و لا مكان فيه للدول و الشعوب الضعيفة.
هذا التحذير يأتي حصيلة استقراء واقعي ورصين للمشهد الميداني في سوريا، بعد ابرام اتفاق الهدنة الذي تم بين الكيان الصهيوني و حزب الله ، والذي تلاه مباشرة الهجوم على سوريا والسيطرة على مدينة حلب، إذ إن الدور الذي قامت به الدولة السورية من قبل في إسناد جبهات المقاومة، لا سيّما في لبنان وفلسطين، كان يضعها منذ مدة طويلة على رأس قائمة المستهدفين، بل إن النيّات المبيتة لذلك كانت واضحة ولا تحتاج إلى إسهاب في التحليل أو الاستنباط، ومن كان يتابع الصحافة الصهيونية خلال السنوات والشهور السابقة كان سوف يدرك ذلك حتما.
حتى هذه اللحظة الحاسمة التي يصعب فيها إدراك أسباب هذا الانهيار المتسارع للمدن والمحافظات السورية وصولاً إلى العاصمة دمشق، وفي غضون حالة الأرباك القائمة، وتدفق المعلومات المفبركة و الأخبار الكاذبة من كل حدب و صوب، لخلط الأوراق و تعبئة الرأي العام، لا يبدو أن الأمور تنحو في اتجاه محور المقاومة و مناضليه، و الذين يبدو أنهم وجدوا أنفسهم في أتون طوفان جعل الرياح تجري بما لا تشتهي سفنهم، و بما لم تستحضر توقعاتهم.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي