|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
الحزب الشيوعي التركي
2024 / 12 / 14
كمال أوكويان
الأمين العام للحزب الشيوعي التركي TKP
لا جدوى من مناقشة ما إذا كان ما حدث في سورية منذ 14 عاماً هو حرب أهلية أم تدخل خارجي. فقد تحولت سوريا منذ فترة طويلة إلى ساحة صراع أصبح فيها من غير الواضح تماماً من هي القوى “الداخلية” ومن هي القوى “الخارجية”.
بالطبع في ظل هذه الظروف، من الصعب تحديد القوة الدافعة التي تقف وراء التطورات الأخيرة التي أدت إلى سقوط الأسد. ومع ذلك، فإن خطاب دول الناتو، وعلى رأسها الولايات المتحدة وانجلترا، و تركيا ( عضو الناتو و لكن التي تعمل أيضًا بمنظور عثماني جديد في المنطقة) ، القائل: “بان الشعب قد اطاح بديكتاتور”، ليس اكثر من زائف.
الحكومة في سوريا قد أضعفت بالتدخل الأجنبي، والحرب طويلة الأمد، والعقوبات الاقتصادية، و افعال فشلت في توحيد الشعب، والفساد، والسياسات الاقتصادية الليبرالية، والصراعات بين الدول التي من المفترض أن تكون حليفة للأسد، و انهم قد فرضوا على سوريا سياسات تتناسب مع مصالحهم الخاصة، وقد سببت نهاية تلك الحكومة و التي سقطت او اُسقطت .
هذه الأسباب الجذرية للضعف في مواجهة العدوان الإسرائيلي، والتدخلات المفتوحة للولايات المتحدة، والتدخل السري للمملكة المتحدة، والوجود العسكري الذي حاولت تركيا إضفاء الشرعية عليه من خلال الاحتجاج بالحق في محاربة "الانفصالية الكردية" ،والعملية الأخيرة التي نفذتها جميع هذه القوى بطريقة منسقة، جعلت الانهيار حتميا.
من الواضح أنه ليس الحراك الشعبي السبب في سقوط نظام الأسد في سورية. آثار عملية دولية تطغى على التفاعل بين الغضب المشروع لشرائح واسعة من الشعب تجاه النظام والقوى التي نفذت التغيير في السلطة. ما يقف أمامنا الآن بوضوح هو عملية إمبريالية يليها سلام إمبريالي. لم يجلب السلام الإمبريالي السلامَ لأي مكان، وللأسف هذا ما سيحدث في سورية أيضاً.
على مدى شهرين، كان الحزب الشيوعي التركي يحذر من إمكانية اندلاع صراعات غير متوقعة في سوريا، مشددًا على أنه يجري الاستعداد للتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا يشمل أوكرانيا وسوريا، أو أن شائعة قد انتشرت في هذا الاتجاه. كما أصر حزبنا على أن الفترة بين الانتخابات الأمريكية وتنصيب ترامب هي الأخطر.
لا عجب أن إدارة بايدن وبريطانيا، اللتين تتفقان على استمرار الحرب الأوكرانية لفترة من الوقت، قررتا التحرك بسرعة في سوريا.
بالتأكد لم يبدأ حديثاً تسليح وتدريب هيئة تحرير الشام في منطقة إدلب السورية، التي تركت تحت سيطرة تركيا بما يتماشى مع اتفاقية أستانا بين روسيا وإيران وتركيا. كانت هيئة تحرير الشام مدرجة على قائمة “المنظمات الإرهابية” من قبل تركيا والعديد من البلدان الأخرى، ولكن لسنوات عديدة عززت هذه المنظمة المرتبطة بتنظيم القاعدة وجودها واستعدادها . على الرغم من أنه يقال إن هذا التنظيم لا يخضع بالكامل لسيطرة تركيا، على عكس الجيش الوطني السوري، فمن الواضح أن الدعم لهذا التنظيم مقدم بتنسيق من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وإسرائيل وتركيا.
تصريحات حكومة الرئيس أردوغان بأن “إسرائيل تهددنا بعد لبنان وسوريا” ودعوة زعيم حزب الحركة القومية المفاجئة إلى “الحوار مع أوجلان” و “ضرورة تعزيز الجبهة الداخلية” تتزامن مع الأيام التي قررت فيها إدارة بايدن التحرك مع بريطانيا وإسرائيل لتغيير السلطة في سوريا.
من المستحيل أن تبقى حكومة حزب العدالة والتنمية، التي عززت وجودها العسكري والسياسي والاقتصادي في سورية على مدار سنوات من خلال منظور العثمانية الجديدة، خارج هذا المخطط.
نحن نعيش في مناخ يمكن أن يتنافس فيه المتعاونون أحيانًا أو حتى يتعارضوا مع بعضهم البعض. يظهر الارتباك بوضوح في علاقات تركيا مع إيران وإسرائيل. يمكن لطبقة رأس المال التركية أن تتعاون مع كلا البلدين ضد الطرف الثالث.
إيران، التي لا تريد مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل في حرب مفتوحة، وروسيا، التي تنتظر ترامب، فوجئتا غير مستعدتين لهذه الخطوة. وفي وقت قصير جدا، تم سحب الورقة السورية الرابحة التي ستطرحها روسيا على الطاولة في المفاوضات بشأن أوكرانيا. بل على العكس من ذلك، تبحث روسيا حالياً عن سبل لحماية قواعدها في سوريا. وتفسر هذه النتيجة حماس أوكرانيا للمشاركة في عملية دمشق.
بعد كل هذا، إما أن تتفق حكومة أردوغان مع المنطقة الكردية في سوريا وتكتسب ثقلًا اقتصاديًا وسياسيًا، تمامًا كما فعلت مع المنطقة الكردية العراقية في عهد بارزاني، أو تواصل العمليات العسكرية ضد الوجود الكردي. نحن نواجه صورة مثيرة للاهتمام حيث سيفيد كلا الخيارين الولايات المتحدة وإسرائيل.
إن اعتراف تركيا بروجافا، التي دعمتها الولايات المتحدة الأمريكية لسنوات ومؤخراً إسرائيل، وميل تركيا إلى حل مشكلتها الكردية في سياق تريده الولايات المتحدة الأمريكية يعني أن مشروع الشرق الأوسط الكبير يتم توليفه من منظور عثماني جديد. إن المنطقة الكردية، المستقرة إلى حد ما في سوريا وعلى عكس الصورة التي يقدمها الجهاديون، ذات طابع حديث وعلماني، تتعرض للضغط من قبل الجيش الوطني السوري ويريدون القضاء عليها. وهذا يعني أن الاحتمال يزداد قوة بأن تصبح تركيا المسرح الجديد للتدخل الإقليمي للإمبريالية الأمريكية. في الواقع، في الأشهر الأخيرة، أخبر العديد من قادة حزب العمال الكردستاني PKK الدولة التركية أنه “إما أن تكبر بالوقوف معنا أو تتقلص بالوقوف ضدنا”.
في هذا الوضع المعقد، حيث تشارك جميع البلدان الرأسمالية في صراع تقاسم إمبريالي بما يتناسب مع قوتها الخاصة ومن خلال إنشاء تحالفات متغيرة للغاية، لا يمكننا الا من منظور طبقي ، تبديد الضباب المسبب من الأجهزة الاستخباراتية والاتفاقيات السرية والمفتوحة. بعد الإطاحة بالأسد، علينا أن ننظر إلى الصورة بأكملها بدلاً من التعامل مع السباق الدعائي الذي شرعت فيه تل أبيب وأنقرة بادعاء “النصر” أو مسألة ما إذا كان الأسد قد خدع روسيا وإيران أو ما إذا كانت روسيا وإيران خدعتا الأسد.
قد تكون هناك تطورات جديدة سريعة في لبنان، وهو هدف مفتوح للعدوان الإسرائيلي، قريبًا جدًا قد تتحول إيران إلى ساحة صراع رئيسية ، و قد تصبح أكثر هشاشة مع التحركات التي ستنطلق في المناطق الأذربيجانية والكردية، و قد تواجه مشاكل خطيرة مع أذربيجان،حليفة إسرائيل الوثيقة، و تركيا، عدوة و حليفة إسرائيل، أو قد تواجه هجومًا أمريكيًا وإسرائيليًا مباشرًا. يمكننا أيضًا إدراج بلدنا تركيا، التي تتراكم فيها طاقة هائلة في خطوط الصدع العميقة.
هناك دروس عظيمة يجب أن يتعلمها الشيوعيون من هذا.
بادئ ذي بدء، كما أكدنا لسنوات، فإن الوقوع بين موقف “مناهض للإمبريالية” و “مهام ديمقراطية” يخلق فخًا كبيرًا للحركة الشيوعية. في الماضي، أثناء احتلال العراق، كانت الواجبات “الديمقراطية” تتعارض مع الإمبريالية، وكان المقصود من التدخل والاحتلال الإمبريالي إضفاء الشرعية عليه باسم تحرير العراق من دكتاتورية صدام وحق الأمم في تقرير المصير.
وبالمثل، فإن دعم حكومة الملالي المناهضين للشعب في إيران بسبب موقفهم المزعوم “المناهض للإمبريالية” وتبرير تدخلات الدول الإمبريالية باسم الديمقراطية وتحرير إيران، هما وجهان مختلفان لنفس الانحراف؛ فقدان المنظور الطبقي والتفكير ضمن حدود الهيمنة البرجوازية.
نفس المشكلة موجودة في سوريا. من وجهة نظر، تم تحرير السوريين مع رحيل الأسد. وجهة نظر أخرى هي أن القلعة السورية المناهضةللإمبريالية قد سقطت. ومع ذلك، كلاهما خاطئ.
نحن نتعامل مع نفس المشكلة في تركيا منذ سنوات. ونُسبت جميع أنواع السمات إلى حكومة الرئيس أردوغان. والحزب الشيوعي التركي TKP يقول نفس الشيء عن حزب العدالة والتنمية منذ 22 عامًا!
قيل أولاً إنه يجب دعم الرئيس أردوغان للنضال من أجل الديمقراطية. اعترض TKP. ثم قيل إن الجميع يجب أن يتحدوا ضد إردوغان من أجل النضال من أجل الديمقراطية. اعترض TKP مرة أخرى. وعندما قيل إن حزب العدالة والتنمية موالي لأمريكا، لم نعترض، لكننا قلنا إنه لا ينبغي أن ننسى أن الرأسمالية التركية لديها خططها الخاصة. ثم التقينا بأولئك الذين اشتكوا من الرئيس أردوغان إلى الناتو باسم “الديمقراطية والحرية”. في الوقت نفسه، كان هناك أولئك الذين اكتشفوا أن حكومة حزب العدالة والتنمية كانت "معادية للإمبريالية".
بالطبع، لا نعتقد أن كل هذه المفاهيم الخاطئة هي نتاج “حسن النية”. ومع ذلك، لا يسعنا إلا أن نبني نهجا ودودا تجاه مثل هذه الأخطاء، التي نراها أيضا في صفوف الحركة الشيوعية، ونوجه بعض التحذيرات بناء على منظورنا الخاص.
الفرضية القائلة بأن توازن القوى لا يسمح إلا باستراتيجية داخل النظام الإمبريالي، وأن حركة الطبقة العاملة محكوم عليها إما بنموذج الديمقراطية والحرية أو بمناهضة غير متسقة ومساومة للولايات المتحدة مصقولة بالخطاب المناهض للإمبريالية، بسبب عدم فعالية حركة الطبقة العاملة على الساحة الدولية، يجب التخلي عنها بعد كل المآسي الكبرى.
لقد انتهى عصر الثورات البرجوازية منذ فترة طويلة. علاوة على ذلك، تمر حركة الطبقة العاملة بفترة ضعيفة حقًا على نطاق عالمي، لكننا نفقد المزيد من الدم طالما نتصرف بتفضيلات يمكننا أن نسميها “التفكير بالتمني” في التقسيمات داخل العالم الإمبريالي.
يتم وضع الفخاخ باستمرار أمام الحركة الشيوعية.
في كل بلد تقريبًا، يُتهم أولئك الذين يناضلون ضد السلطة السياسية بالعمالة لحكومات أجنبية . يحدث هذا في الولايات المتحدة الأمريكية، يحدث هذا في إيران، في كازاخستان، في جورجيا، يحدث هذا في تركيا، و في روسيا
الشيء المثير للاهتمام، ان هناك عملاء وأعدادهم آخذة في الازدياد. إن حقيقة أن الشيوعيين لا يطورون خطًا مستقلًا ويعلقون في تحالفات داخل النظام تهدد بنشر هذه الوصمة حتى في الحركة الشيوعية.
دعونا نكمل بمثال: الجنود الأمريكيون يدربون ويسلحون مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي YPG في منطقة روج آفا في سوريا. ورغم أن سنوات العدوان على الشعب الكردي في العديد من البلدان دفعته تحت حماية الولايات المتحدة وإسرائيل، فهل يمكن إضفاء الشرعية على هذا التعاون المفتوح والممنهج في صفوف الثورة؟ كان التعاون الأمريكي والإسرائيلي هو الخط الأحمر للشيوعيين لعقود، هل هناك أي سبب للتراجع عنه ؟
لا. لكن النموذج التحرري مبهر، وهناك من يتسامح مع هذه الصورة باسم اليسارية.
في المقابل، تزيد حكومة حزب العدالة والتنمية من هجماتها بالقول: “هؤلاء موالون لامريكا و موالون لإسرائيل”. دولة عضو في الناتو تتهم الآخرين بموالاة أمريكا!
إنها فوضى. ولا بد من الخروج من هذا الالتباس بموقف واضح. لا يمكن التعامل مع الديمقراطية، ولا حل المسألة الوطنية، ولا معاداةالإمبريالية في إطار برجوازي.
حتى لو كانت حركة الطبقة العاملة عند نقطة الصفر عندما يتعلق الأمر بتوازن القوى، وإذا لم تخرج نفسها من التوازن داخل النظام من خلال العمل بإستراتيجية مستقلة، فسوف تظل عالقة بين المواقف الديمقراطية ومناهضة الإمبريالية وسوف تكون عالقة في فخ بغض النظر عن الخيار الذي ستتخذه على خط التوتر هذا.
القائمة طويلة . دعونا نتذكر أن واحدة من أكثر العمليات الإمبريالية شمولاً في التاريخ في يوغوسلافيا تم الدفاع عنها على أساس الحرية – الديمقراطية – حق الامم في تقرير المصير، كما هو الحال تقريبًا في الحرب العالمية الأولى. لقد كان من الصعب، ولكن من الممكن، معارضة هذه العملية وتطوير موقف مستقل للطبقة العاملة دون دعم الخط القومي البرجوازي الذي يمثله ميلوسيفيتش. وكان هذا هو الخيار الوحيد.
ثم زادت أعداد الأمثلة . لم يكن علينا أن نختار بين ديكتاتورية يقودها صدام والغزو الأمريكي. مما لا شك فيه أن المسافة الموصى بها ليست متساوية؛ فمن الممكن تطوير موقف مستقل من خلال تسليط الضوء على المهام ذات الأولوية لهذه الفترة والتصرف دون نسيان بعض المبادئ الأساسية. من معضلة بايدن-ترامب، هاريس-ترامب إلى سوريا، ومن البرازيل إلى روسيا بوتين، ومن إيران إلى أردوغان، تتعرض الحركة الأممية باستمرار لخطر الانضغاط بين خيارين داخل النظام.
لقد دخلت المأساة التي يعيشها الفقراء في سوريا منذ عقود مرحلة جديدة ,مع عواقب وخيمة وحرجة للغاية. لا ينبغي التخلي عن التفاؤل، ولكن إذا أردنا أن نكون واقعيين، فقد بدأت فترة مظلمة للغاية في سوريا.
كما قلت، علينا أن نتعلم الدروس. وبما أن الحزب الشيوعي التركي يواجه باستمرار مثل هذه المعضلات والصراعات في منطقة تنتج مثل هذه المعضلات باستمرار، فإنه يحاول تحديد موقفه من خلال الحفاظ على مبادئه الأساسية دون التمسك بالقوالب.
أحد هذه المبادئ الأساسية هو اتخاذ موقف واضح لا لبس فيه ضد أي تدخل مباشر أو غير مباشر للدول الإمبريالية ومحاولات “الثورة الملونة” والاحتلال. لكن هذا منطقي أيضًا عندما يقترن بمبدأ عدم الوقوف إلى جانب أي سلطة برجوازية، وعدم المشاركة في حكومات رأس المال. في الفترات التي يبدو فيها أن هذين المبدأين يتناقضان مع بعضهما البعض، فإن الطريقة للتغلب على الصعوبات وتطوير موقف مستقل هي وضع كل من النضال من أجل الحرية والنضال ضد الإمبريالية ،على المحور الطبقي ،و التمسك بالموقف و الدفع الى أمام.
وما لم يتم الاستعداد لموقف مستقل وثوري في فترات الاستقرار وإنشاء القنوات السياسية والاجتماعية اللازمة، فإن هذا الموقف لا يمكن تنفيذه أثناء الأزمة. إذا لم يكن لديك المعدات اللازمة، فإن الشيء الوحيد الذي يمكنك القيام به أثناء الحريق هو القفز الى شبكة الاخرين المفتوحة لك و الممسوكة بأيديهم.
نعم، يجب علينا أن نجهز الأرض لموقف سياسي مستقل وأن ننشئ خط مقاومة جديد يمكن تحويله بسهولة إلى قاعدة للهجوم.
وإلا، فسيتعين علينا غدًا دعم عمليات جديدة ضد الجهاديين في سوريا، الذين بدأوا بالفعل في ارتكاب المجازر، والتي ستطلقها إسرائيل والولايات المتحدة بحجة تطهير سوريا من المتطرفين.
المقاومة والنجاح والنصر لشيوعيي العالم أجمع، وخاصة لبنان وسوريا وفلسطين وإيران!
………………
المصدر سوليدنيت
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |