سهم باشان: بين الرمزية التوراتية وعقدة القوة

خالد خليل
2024 / 12 / 12

‎منذ تأسيسها، عرفت السياسة الإسرائيلية بتوظيفها للأيديولوجيات التاريخية والدينية في تشكيل خطابها الوطني والعسكري.
‎عملية "سهم باشان"، التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إحدى العمليات العسكرية في سوريا، هي خير مثال على ذلك. هذه التسمية ليست مجرد اختيار عشوائي، بل هي جزء من استراتيجية عميقة ترمي إلى استخدام الرموز التوراتية لإضفاء مشروعية على الأفعال العسكرية الحالية، وهي استراتيجية تحمل في طياتها أبعادًا نفسية قد تكون

‎ غائبة عن كثيرين.


الرمزية التوراتية: استحضار القوة والشرعية
سهم باشان هو مصطلح توراتي يعيد إلى الأذهان قصة سقوط مملكة باشان على يد بني إسرائيل بقيادة موسى، حيث كانت تلك الأرض رمزًا للقوة والثراء، لكنها انتهت بمصير حزين. في سياق العمليات العسكرية الإسرائيلية، تُستخدم هذه التسمية لربط الحاضر بالماضي التوراتي، مما يضفي على العمليات العسكرية بعدًا دينيًا ورمزيًا، يهدف إلى تعزيز الإحساس بالشرعية لدى المجتمع الكولونيالي الإسرائيلي، والتأكيد على الاستمرارية بين الماضي والحاضر. لكن هذا الاستحضار المتكرر للرموز التوراتية قد يعكس أيضًا حالة نفسية جماعية أعمق.

الانعكاسات النفسية: عقدة الجماعة ورغبة في التأكيد

‎لا يمكن النظر إلى هذا الاستخدام الرمزي بمعزل عن البعد النفسي العميق الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي. فالنظام الإسرائيلي، من خلال استحضار الأسماء التوراتية، يسعى إلى تأكيد هويته وأيديولوجيته أمام التحديات المتزايدة التي يواجهها على مختلف الأصعدة، سواء كانت عسكرية أو سياسية. العقدة النفسية التي قد تنشأ جراء هذه الاستراتيجية تتلخص في إحساس عميق بالقلق من الشرعية والوجود، وهو ما يدفع إلى استخدام الأسطورة التوراتية كآلية دفاع نفسي تعزز من الشعور بالقوة والسيطرة.
‎هذه الاستراتيجية قد تكون رد فعل على التحديات الداخلية والإقليمية التي تواجهها إسرائيل. فبينما تعيش الدولة في حالة من القلق المستمر بشأن مصيرها، تأتي عملية "سهم باشان" لتكون بمثابة "درع نفسي" يحاول أن يحصن المجتمع الإسرائيلي من مشاعر الضعف. لكن مع مرور الوقت، قد تتحول هذه الاستراتيجيات إلى أداة تعويض نفسي، حيث يبحث النظام عن شرعية تاريخية قد تكون مشوشة، لا بل غائبة في الواقع المعاصر.

الرمزية والأسطورة: هل هي مجرد قناع؟

‎في هذا السياق، يظهر استخدام الرموز التوراتية في العمليات العسكرية كقناع يستخدمه النظام الإسرائيلي لإخفاء الهشاشة الداخلية. فكلما زادت العمليات العسكرية واستخدام هذه الرموز، ارتفعت درجة التوتر والقلق في الداخل الإسرائيلي. العملية العسكرية التي سميت بـ "سهم باشان" تثير تساؤلات حول مدى قدرة الدولة على تحقيق أهدافها الاستراتيجية دون الانزلاق إلى صراعات أوسع وأكثر تدميرًا. من خلال هذا الاستخدام الرمزي، تسعى إسرائيل إلى بناء جسر بين الماضي والحاضر، ولكن هذا الجسر قد يكون هشًا وقابلًا للتدمير عندما تواجه الدولة تحديات غير متوقعة.

الخاتمة: هل سيعود السهم إلى صدر الاحتلال؟

‎في نهاية المطاف، يشير اختيار اسم "سهم باشان" لعملية عسكرية إلى أن إسرائيل قد تكون تستخدم الأسطورة كوسيلة لطمأنة نفسها وتعزيز شعورها بالقوة. لكن هذه الرموز التوراتية قد تكون في الحقيقة أداة تعويض نفسي عن القلق من المستقبل والمخاوف من التفكك الداخلي والخارجي. إذا كانت "باشان" قد سقطت في الماضي، فهل سيكون مصير الاحتلال الإسرائيلي مشابهًا؟ هل سيسقط السهم بالفعل في النهاية على صدر من أطلقه، كما يروي التاريخ التوراتي؟ في هذا السياق، تصبح الرمزية التوراتية أكثر من مجرد إشارة إلى القوة، بل هي محاولة لدرء الهشاشة النفسية التي قد تعصف بنظام الاحتلال في المستقبل.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي