|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
خالد خليل
2024 / 12 / 11
في ظل الأحداث الكارثية التي يمر بها محور المقاومة، يمكن القول إن المشهد الراهن يمثل زلزالًا سياسيًا واجتماعيًا، ترك آثاره العميقة على الوعي الجماعي للأفراد والجماعات. انهيار دول مثل سوريا، وتفكك المحور الذي طالما شكل ركيزة للمواجهة، وصولاً إلى اغتيال شخصية بحجم السيد حسن نصر الله، يشكل صدمة نفسية هائلة. هذه الأحداث ليست مجرد محطات سياسية، بل تمثل اختلالاً في الشعور بالاستقرار والأمان لدى الشعوب التي كانت ترى في هذا المحور حصناً لها.
الأبعاد النفسية لاضطراب ما بعد الصدمة
اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يمكن أن يظهر أيضًا على مستوى المجتمعات. في السياق الحالي، تعاني شعوب محور المقاومة مما يمكن تسميته بـ"الصدمة الجماعية"، حيث تؤدي الأحداث الكبرى إلى شعور بالخوف، الحزن، الإحباط، واللايقين.
الصدمة الجماعية: ترتبط بفقدان الثقة بالنظام السياسي والاجتماعي الذي كان يحمي هذه المجتمعات.
الإحساس بالهزيمة: يؤدي إلى شعور عميق بالعجز، حيث أن انهيار المحور وتفككه يمنح إسرائيل وأمريكا نشوة النصر ويجعل المجتمعات تشعر بأنها مكشوفة أمام التحديات.
الحزن على القيادات: استشهاد شخصية مثل السيد حسن نصر الله، الذي يمثل رمزًا روحانيًا وسياسيًا، يزيد من عمق الجرح النفسي، ويجعل المستقبل يبدو مظلماً.
الأبعاد الاجتماعية والسياسية للاضطراب
على المستوى السياسي والاجتماعي، ينعكس اضطراب ما بعد الصدمة في:
تفكك النسيج الاجتماعي: تؤدي الصدمات إلى انقسامات داخلية، حيث يبدأ الأفراد في فقدان الإيمان بالمؤسسات والمجتمعات التي ينتمون إليها.
الانسحاب السياسي: يلجأ العديد من الأفراد إلى العزلة السياسية، حيث يصبح التفكير في المقاومة أو التغيير أمرًا يبدو مستحيلاً.
التطرف أو اليأس: قد تدفع الصدمة البعض نحو خيارات متطرفة كوسيلة للبحث عن القوة المفقودة، بينما قد يغرق آخرون في اليأس والانكفاء على الذات.
دور إسرائيل وأمريكا في تعميق الاضطراب
نشوة إسرائيل وأمريكا بما حققتاه تعكس انتصارًا مزدوجًا:
سياسي: حيث نجحتا في تفكيك المحور الذي كان يشكل تهديدًا مباشرًا لمصالحهما.
نفسي: عبر خلق شعور بالخوف والإحباط لدى الشعوب المعادية لهما، مما يقلل من احتمالية تشكيل مقاومة منظمة في المستقبل.
آليات التعافي من الصدمة
رغم قسوة الواقع، تبقى هناك آليات يمكن من خلالها العمل على التعافي واستعادة التوازن:
إعادة بناء الثقة بالمجتمع: من خلال تعزيز الحوار بين الأفراد والجماعات لتجاوز الانقسامات.
إحياء الرموز: رغم استشهاد القيادات، يمكن للرؤية التي قدموها أن تستمر عبر بناء قيادات جديدة تحمل نفس المشروع.
التركيز على الهوية المشتركة: إذ يجب أن تكون الهوية المقاومة ركيزة لإعادة اللحمة للمجتمع.
العلاج النفسي الجماعي: عبر جلسات تجمع بين أفراد المجتمع للتعبير عن مشاعرهم وتجاربهم بهدف تحويل الألم إلى دافع للعمل.
ختاماً
إن الحالة الراهنة ليست مجرد أزمة سياسية، بل هي أزمة وجودية تمس النفوس قبل الجغرافيا. الخروج من اضطراب ما بعد الصدمة الجماعي يتطلب عملاً دؤوباً يعيد صياغة الوعي، ويربط الماضي بالحاضر، ويضع رؤية مستقبلية تستعيد الثقة والقوة. ما يزال هناك أمل، وما تزال المقاومة فكرة لا تموت، حتى وإن فقدت بعض رموزها.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |