عالم هكسلي المرعب

سعود سالم
2024 / 12 / 6

في عام ١٩٤٥، تم عزل الميسكالين من نوعية أخرى من الصبار يسمى Trichocereus pachanoi الذي تستخدمه قبائل الهنود في جبال الأنديز في الممارسات والطقوس الشامانية، وتم التعرف عليه لاحقًا في بعض أنواع الصبار الأمريكية الأخرى. ونحن نعرف اليوم أنه منذ عام ١٩٢٥، ثم إكتشاف علاقة التشابه بين آثار المسكالين والهلوسة الناتجة عن بعض أمراض الفصام والشيزوفرينيا، نتيجة الدراسات التي قام بها الدكتور النفساني ماير جروس Wilhelm Mayer-Gross، مؤسس المدرسة البريطانية لدراسة الأمراض النفسية the British school of psychiatry. وقد تم مواصلة الدراسات والتحقيقات في هذا السؤال من قبل مجموعة أخرى من الأطباء النفسيين (البريطاني همفري أوسموند Humphry Osmond والكنديين جون سميثيس John Smythies وأبرام هوفرAbram Hoffer) ونشروا نتائج هذه الدراسات في عام ١٩٥٢ في مجلة علمية مشهورة متخصصة في العلوم العقلية Journal of Mental Science. وقد ساهمت هذه الدراسات في إثارة إهتمام الفلاسفة والباحثين والفنانين في مجال الإدراك والخيال وإشكالية الواقع وحدوده المنطقية - الفلسفية والعملية.
هذه الدراسات أثارت إهتمام الكاتب البريطني ألدوس هكسلي، ودفعته لمحاولة تجربة الميسكالين، فتناول كبريتات الميسكالين عدة مرات وروى تجربته في نصه المعروف يإسم أبواب الإدراك The Doors of Perception. هذا الكتاب الصغير الذي كتب في شهر واحد ونشر في عام ١٩٥٤ لفت الانتباه إلى دور المهلوسات في إدراك الواقع بطريقة جديدة، وفتح أبواب الخيال وتنشيط الإبداع الفني سواء في الشعر والأدب عموما وفي الفنون التشكيلية.
ألدوس هكسلي Aldous Huxley كان حفيدًا لعالم الأحياء البارز توماس هنري هكسلي Thomas Henry Huxley وكان الطفل الثالث لكاتب السيرة والأديب ليونارد هكسلي Leonard Huxley ؛ شمل إخوته عالم الفيزياء أندرو فيلينج هكسلي وعالم الأحياء جوليان هكسلي. تلقى تعليمه في إيتون Eton، حيث أصيب بإلتهاب القرنية مما جعله يكاد يفقد البصر كليا وشبه أعمى. تخرج من كلية Balliol في أوكسفورد في عام ١٩١٦. نشر كتابه الأول في نفس السنة ١٩١٦ وعمل في مجلة Athenaeum الدورية من ١٩١٩ إلى ١٩٢١. قضى الكثير من وقته في إيطاليا حتى أواخر الثلاثينات، عندما استقر في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة.
فرض هكسلي نفسه كمؤلف رئيسي منذ نشر قصصه الأولى، كروم يلو - Crome Yellow١٩٢١؛ وهي نقد لاذع ونص بارع وخبيث يسخر فيه من ادعاءات الطبقة الانجليزية المثقفة التي تدعي الأدب والفكر والعلم والتقدم في الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى. وانتيتش هاي Antic Hay التي نشرت في سنة ١٩٢٣، بدورها نقد عنيف لمثقفي لندن ما بعد الحرب العالمية الأولى، أسلوب السرد البارع لدى هكسلي كان عاملا إضافيا لتقوية رؤيته السوداوية للإنسانية.
عالم جديد شجاع Brave New World نشر ١٩٣٢ يعتبر نقطة تحول جوهرية في حياته الأدبية رغم أنها رواية ساخرة بشكل أساسي كما هي قصصه الأولى، ولكنها تعبر بوضوح صارخ عن عدم ثقة هكسلي في توجهات القرن العشرين في ما يخص السياسة والتكنولوجيا. تقدم الرواية رؤية كابوسية لمجتمع مستقبلي تم فيه التحديد علميا وبطريقة غير قابلة للتغيير إنشاء نظام تراتبي مبني على فكرة الطوائف أو المجموعات caste system، والذي يطمس دورالفرد ويقوي سيطرة الدولة المركزية العالمية. كما يعلم أي شخص مطلع على BNW، فإن رواية Huxley الأكثر شهرة تُظهر أيضًا إهمية تأثير المخدرات، ليس فقط على تغيير الإدراك وفتح أبواب الخيال، ولكن أيضا كوسيلة تستخدمها السلطة للتحكم في المواطنين. إن جميع مواطني المستقبل الذين يصفهم هكسلي في الرواية كانوا تحت تأثير السوما Soma، وهو مهلوس قوي يسمح "بعطلة" من الواقع ويضع العالم الحقيقي بين قوسين مؤقتا، ويضفي شعوراً هائلاً بالرفاهية والسعادة، ويخفف من سيطرة العقل وإن كان يسمم الجسم في نفس الوقت. في المشهد النهائي في الكتاب ، عندما يثور جون الهمجي John the Savage على المجتمع الآلي الرأسمالي، فإن غضبه كله يتركز على السوما، الذي أصبح رمزا لكل ما هو فاسد ومتعفن في هذه الدولة المستقبلية.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي