عَسْكَرَة التكنولوجيا وتحويلها إلى سلاح اقتصادي أو حَرْبِي

الطاهر المعز
2024 / 12 / 5

1 - حرب اقتصادية وتكنولوجية
تُمَكِّنُ تقنية تصنيع أشباه الموصلات المعتمدة على نيتريد الغاليوم من الحصول على رقائق فَعّالة تُسْتَخْدَمُ بشكل خاص في مجالات الاتصالات السلكية واللاسلكية لأجهزة إرسال الجيل الخامس ( 5G ) وتستخدمها كذلك وكالات الفضاء للاتصالات عبر الأقمار الصناعية، وللجيوش التي تستخدمها لتجهيز الدبابات والطائرات المقاتلة والرادارات والصواريخ، ولذلك تُعَدُّ تكنولوجيا أشباه الموصلات أمرًا بالغ الأهمية في كل من التطبيقات المدنية والعسكرية...
يستخدم الغاليوم في صناعة أشباه الموصلات المركبة، غالبًا ما يتم استخدامها لتحسين سرعة الإرسال وكفاءته في الرادارات، ويستخدم الجرمانيوم في نظارات الرؤية الليلية وفي الخلايا الشمسية التي تزود العديد من الأقمار الصناعية بالطاقة، وفَرَضت الصّين، خلال شهر آب/أغسطس 2024، قُيُودًا على تصدير هاتَيْن المادَّتَيْن، ضمن قائمة مراقبة الصادرات الجديدة التي تشمل 700 عنصر مزدوج الاستخدام، بما في ذلك المعادن الحيوية والأجزاء الإلكترونية التي قد تؤثر على صناعة الرقائق والصناعات العسكرية الأمريكية، من خلال قَطْعِ سلسلة التوريد الصينية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة بشكل كامل، وتغطي قائمة مُراقبة الصادرات مجموعةً واسعةً من السلع، ومن بينها أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية والمواد الكيميائية وأجهزة الاستشعار والليزر وأنظمة الملاحة الجوية، ولن تتمكن الولايات المتحدة من العثور على سلع بديلة في بلدان أخرى لأن "الصين تحتل موقعا حاسما في سلسلة التوريد للمواد الرئيسية مثل المعادن النادرة...
اشترى رجل الأعمال الصيني رودان تشانغ (Ruodan Zhang )، سنة 2018 نسبة 94% من أَسْهُم شركة ( Omnic )، وهو في ذات الوقت مدير شركة ( Yifeng Electronics ) الصينية، وله حصص كبيرة في العديد من الشركات الفرنسية الاستراتيجية، بما في ذلك MC2 وتشتبه أجهزة مكافحة التجسس الفرنسية في استغلاله منصبه لتصدير أشباه الموصلات إلى الصين بأسعار مخفضة، والتهرب من القيود التي تؤثر على صادرات المعدات الاستراتيجية، كالرقائق التي وصلت إلى روسيا لتجهيز مكونات عسكرية، ولذلك صادَرَت السلطات الفرنسية، خلال شهر شباط/فبراير 2024، شركته، وتولت الدّولة الفرنسية إدارتَها مؤقتا، قبل تسْلِيمِها إلى شركة "ماكوم" الأمريكية لأشباه الموصلات التي وعدت بتحويلها إلى قاعدة لمركز أشباه الموصلات الأوروبي الجديد الذي سوف يسمح لشركة Macom بتقديم دوائر متكاملة متجانسة تعمل بالموجات الدقيقة (MMICs) تعتمد على زرنيخيد الغاليوم ونيتريد الغاليوم، وسبق أن اتّهم قُضاة مكافحة الإرهاب في فرنسا، سنة 2023، خمسة متهمين: فرنسيان وثلاثة صينيين بتهريب الأسلحة، ومن ضمنهم المتهم الرئيسي، رجل الأعمال الصيني رودان تشانغ (Ruodan Zhang )، الذي يملك شركة Ommic وتُسلّط هذه القضية الضّوء على شركات التكنولوجيا التي تُعَدّ فُرُوعًا للصناعات العسكرية، ولئن كانت القضية انطلقت من فرنسا، فإن جذورها أمريكية لأن الولايات المتحدة تحاول حماية هيمنتها على صناعة أشباه الموصلات، عبر تكثيف الحرب التجارية ضد الصين، وما القانون الفرنسي لمكافحة الإرهاب سوى واجهة أو صدى للقرارات والممارسات الأمريكية، ووجه القضاء الفرنسي رسميًا للمتهمين تهمة "الارتباط الإجرامي" و"نَقْل معلومات تكنولوجية إلى الصين، مخصصة للصناعة العسكرية"، بموجب تقرير قدّمته شرطة مكافحة التجسس الفرنسية التي تتهم رجل الأعمال الصيني بالإرتباط بصناعة الدّفاع في الصين، وتتهم فرنسا اثنين من المعتقلين بنقل معلومات تكنولوجية إلى الصين، ضمن مسار استمرار الحرب الاقتصادية والتّكنولوجية التي يتم تَسْوِيقها للعموم في إطار "التجسس الاقتصادي الصّيني في قطاع أشباه الموصلات".
تُشارك دول الإتحاد الأوروبي بنشاط وحماسة في حرب أشباه الموصلات التي تخوضها الولايات المتحدة ضد الصين التي رَدّت عبْر حَظْرِ تصدير المواد الخام الاستراتيجية إلى الولايات المتحدة، مثل الغاليوم والجرمانيوم والأنتيمون، بسبب احتمال "استخدام هذه المواد في تطبيقات عسكرية محتملة"، وشَدّدت الصين، خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2023، الضوابط على صادرات الغرافيت، وهو مادة خام رئيسية لصنع بطاريات السيارات الكهربائية، وأقَرّت، خلال شهر أيلول/سبتمبر 2024، تقييد تصدير الأنتيمون الذي يمكن استخدامه في المعدات العسكرية مثل صواريخ الأشعة تحت الحمراء والأسلحة النووية ونظارات الرؤية الليلية، بالإضافة إلى مادة مقوية للرصاص والدبابات، وتشترط الحكومة الصّينِيّة على المصدرين تقديم مستندات تتضمن اتفاقيات التصدير، وأوصاف وشهادات المستهلكين النهائيين والاستخدام النهائي المقصود، ومعلومات حول الشركة المستوردة، ولكن حجم الصادرات لم ينخفض كثيرًا بسبب تداخل المصالح، إذْ لا ترغب الصين في حرمان سلاسل التوريد الأمريكية من المعادن المهمة، لأن ذلك سيدفع الولايات المتحدة إلى البحث في أماكن أخرى عن موادها الخام، ولا تهدف الصين سوى استخدام المعادن النّادرة والحيوية كورقة مساومة في المفاوضات التجارية المحتملة، بينما يريد ترفض السلطات الأمريكية المنافسة، وهي مبدأ أساسي في الإقتصاد الرأسمالي، وتريد الولايات المتحدة فَرْضَ قوانينها على شُركائها وجميع دول العالم...

2 التكنولوجيا في خدمة الإحتلال
تواطؤ غوغل وأمازون في الجرائم الصهيونية ضد الإنسانية في فلسطين
تزامن نَشْرُ تقرير منظمة العفو الدّولية بشأن ثبوت تنفيذ الإبادة الجماعية المُتعمّدة والمُخَطّط لها سَلَفًا مع ظهور المستندات جديدة تُثْبِتُ أن شركة غُوغل وقّعت عقدًا مع الحكومة الصّهيونية بشأن مشروع Nimbus للخدمة السَّحابية الذي لا يخضع لسياسة شروط الخدمة العامة للشركة – أو غَيْر مُقيّد بالقواعد واللّوائح العامّة للشركة - التي تَحْظُر الاستخدامات التي تؤدي إلى الحرمان من الحقوق أو الإصابة أو الوفاة أو غيرها من الأضرار، لكن تظهر الوثائق الداخلية للشركة أن العقد الموقع بين الطّرَفَيْن، منذ سنة 2021، لا يخضع لهذه الشروط – التي تحظر الاستخدامات التي "تنتهك أو تشجع على انتهاك الحقوق القانونية للآخرين"، أو للغَزْو أو ما قد يسبب الوفاة أو الأذى الجسيم أو الإصابة للأفراد أو المجموعات" - بل يخضع العقد لسياسة "مخصصة" صاغها الطرفان، ويوفر العقد الذي وقعته شركتا غوغل وأمازون بقيمة 1,2 مليار دولار للحكومة الصّهيونية وجيشها إمكانية الوصول إلى أحدث أدوات الحَوْسَبَة السَّحَابِيّة وأدوات الذكاء الاصطناعي، وفق تعليق وزارة المالية الصهيونية على الصّفقة، مما أثار احتجاجات داخل شركة غوغل وأمازون وخارجهما، بسبب النطاق العسكري لمشروع نيمبوس (Nimbus )، واستخدام الجيش الصهيوني هذه التقنية لتنفيذ المجازر والإبادة في غزة...
نَبَّهَ مُحامي "غوغل" قبل تقديم الشركة العَرْض وقبل الفَوز بالعرض وقبل توقيع العقد بأكثر من شهر، بالنتائج المُترتّبة عن تقديم الخدمات السحابية للحكومة الصهيونية التي تفرض تغييرات من جانب واحد على شروط الإستخدام، لتفقد غوغل أي سيطرة على استخدام برنامج (Nimbus )، وسبق أن أصْدَر مُقَرِّر الأمم المتحدة المعني بفلسطين، خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر 2024، نداءً عاماً "للحصول على معلومات بشأن تورط القطاع الخاص في ارتكاب جرائم دولية تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، والفصل العنصري، ونظام الفصل العنصري"، ويندَرِجُ "توفير الخدمات التكنولوجية المتقدمة من قبل Google وAmazon Web Services للحكومة الإسرائيلية من خلال مشروع Nimbus، ضمن انتهاك التزامات عدم انتهاك حقوق الإنسان..."

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي