استعراض ترومان1998(من اخراج بيتر وايلدر وتمثيل جيم كاري): تلفزيون الواقع

بلال سمير الصدّر
2024 / 11 / 29

لتتخيل انت كقارئ ان تكون في عالم افتراضي مكوناته هو استوديو سينمائي،وكل من حولك من قريب هم ممثلين،ومن بعيد هم اعضاء الكادر،ولكن هناك شيء واحد غير مألوف:هو انك لاتعلم ذلك!
حياتك مصورة بالتمام لمدة أربع وعشرين ساعة في اليوم وسبعة ايام في الاسبوع لمدة تزيد عن ثلاثين عاما...أنت تُستغل لتخلق برنامجا عن تلفزيون الواقع في الحقيقة انت لاتعرف عنه شيئا.
كريستوف(ايد هاريس)يقول في مقدمة الفيلم:
اصابنا الملل من مشاهدة الممثلين وهم يقيمون لنا المشاعر المزيفة،سئمنا من الالعاب النارية والمؤثرات الخاصة،رغم ان العالم الذي يعيش فيه-اي ترومان-هو مزيف في بعض جوانبه ولكن لاشيء مزيف في ترومان نفسه،لاتوجد نصوص ولابطاقات تلقين...لايكون دائما كشسبير ولكنه اصيل...أنها حياة لاشيء هنا مزيف،لاشيء في هذا البرنامج يعد مزيفا...
لكن لماذا تلفزيون الواقع...ما هو المثير في تلفزيون الواقع...؟!
تلفزيون الواقع هو احد ابتكارات الشاشة الصغيرة التي لاتنتهي،ولكن الأمر المثير للجدل أن تلفزيون الواقع يسلط بالعادة على اشخاص يتمتعون بشيء من الشهرة والقبول الاجتماعي...خذ مثلا كيم كارداشيان التي كانت حكايتها مزيفة اصلا لكي تجعل من نفسها نجمة من نجوم تلفزيون الواقع...؟!
وان كانت فكرة تلفزيون الواقع قديمة قدم السينما نفسها،حيث يشار إلى ان برنامج (ملكة ليوم واحد) عام 1945،كان اول برنامج عرض مفتتحا فكرة تلفزيون الواقع،لكن الفكرة في ذلك الوقت كانت متواضعة تكاد لاتمس تلفزيون الواقع بشكله الحالي.
لكن بعيدا عن التاريخ،والتأريخ،هل استطاع التلفزيون ان يهزم السينما في ذلك الزمن-زمن انتاج الفيلم قبل ربع قرن-خاصة ان الانترنت كان في اوج صعوده بحيث اصبح ضرورة اكثر من اي شيء في الحياة...؟!
هنا يبقى السؤال مراوحا مكانه من دون اجابة...؟!
كريستوف يتبنى ترومان منذ لحظة ولادته ليجعله البطل الوحيد في تلفزيون الواقع،وهو يضيف على حياة ترومان الافتعال،بل دعونا نقول كل الافتعال،فمع تحكمه بالمسارات المهمة في حياته يسلط عليه خمسة الاف كاميرا لتصوير هذه الحياة متبنيا مدينة (سي هايفن) ككادر ليس الا لتصوير حياة ترومان المسرحية،لكن المختلف اساسا هو ان ترومان لاعرف اي شيء عن هذا الاقحام المسرحي الذي يعيش فيه....
والخديعة التي يمارسها من حوله عليه ليست خديعة مزدوجة تتعلق بالذات وبالآخر،بل هي خديعة من اجل الخديعة ذاتها لخلق نمط اعلامي جديد جذب العالم الى درجة كبيرة،كما كل ما فيه متاح للبيع ....انه بحد ذاته امبراطورية اعلامية ايضا للاستهلاك...
من الصعب تحديد موقف ترومان عند حصول خلل في التقنيات كان تمطر عليه سحابة لوحده،فالمؤامرة ان كانت على وشك ان تكشف فهي لابد ان تكشف...لكن ما هو الممتع فعلا في تلفزيون الواقع...؟!
ان تشاهد حياة شخص ما-حتى لو كان مخدوعا مثل ترومان-بشيء من الوقع التقليدي...؟!
ما هو المدهش في حياة مثل حياة ترومان،وهو شخص تقليدي جدا لايوجد اي شيء ملفت للنظر في حياته...من الممكن القول فقط ان الممتع فقط بالنسبة للمشاهد هو البدعة...؟!
هذا النمط الجديد غير المألوف من الاسقاط السردي لخصوصية وحياة الشخص...نحن هنا غير مطالبين باهداف كبرى ولانريد طباعة الواقع مثلما طبعته ذات مرة الواقعية الجديدة....
انه النمط المختلف الذي سيفرقع ولكنه سيتبخر بالجو مثل اي موضة أو بدعة جديدة....

هناك اشخاص يرفضون هذه المؤامرة ويحاولن ايقاظه الى مايدو رحوله...إلى زيف ما يدور من حوله،وهو يتقبل هذه الايماءات حتى يصل الى درجة اليقين...ان عالمه هو عالم افتراضي من خلق شخص واحد.
يقول كريستوف:سي هايفن هي مايجب ان يكون عليه العالم،اعتقد ان مايزعجك ايتها المتصلة هو انه في النهاية يفضل ترومان كما تسميها...
ولاحقا يقول مخاطبا ترومان هذه المرة:
اسمعني يا ترومان،لاتوجد حقيقة في الخارج اكثر حقيقة من العالم الذي صنعته لك:نفس الاكاذيب...نفس الخداع)،ولكن في عالمي ليس لديك ما تخافه...اعرفك افضل مما تعرف نفسك.
ان قسنا الكلام السابق على طوباوية موعودة،فهذا مشكل جدا،فاي يوتوبيا اراد ان يخلقها كريستوف لشخص حقق من ورائه ناتج ما يعادل قرية صغيرة ...كيف تأسس يوتوبيا على الخداع...؟!
وعندما يقرر ترومان الرحيل،فهل هذا رفض لتلك الطوباوية وهو الذي حتى لايشعر بها...؟!
رحيل ترومان هو اصراراه على عودته الى عالم الواقع،الذي ربما-أو بالتأكيد-لايعرف عنه اي شيء،وربما لو جابه ترومان الواقع الحقيقي ربما رفض مغادرة هذه اليوتوبيا حتى لو كانت كاذبة،وربما ايضا رهين بأن يظل حبيسا داخل كهف افلاطون،ولكن هذا شيء لانستطيع الحكم عليه ابدا...
فيلم استعراض ترومان فيلم جيد بكل المقاييس ويستحق المشاهدة ولكنه ليس قنبلة زمنية على اية حال...
26/07/2024

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي