|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عادل الكنوني
2024 / 11 / 29
تعد سوسيولوجيا رؤية العالم إحدى الأدوات الفعالة لفهم كيف يتم تشكيل وعي الأفراد والجماعات، وكذلك كيفية إدارة هذا الوعي داخل المجتمعات عبر أنظمة التعليم والسياسات العامة. يشمل هذا التحليل تناول دور النخب والسيطرة على الوعي الجمعي من خلال تشكيل المناهج التعليمية وتوزيع الأدوار في المجتمع، وهو ما يُسهم في تحويل الأفراد إلى كتلة تابعة لا تسعى للتغيير ولا تمتلك القدرة على التفكير النقدي. من خلال تطبيق سوسيولوجيا رؤية العالم، يمكننا أن نفهم العلاقة بين التعليم والسيطرة على الوعي، لاسيما في الدول النامية.
النخب والسيطرة على الوعي الجمعي
النخب تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل وعى المجتمعات عبر ما تفرضه من سياسات تعليمية واقتصادية. فهي لا تكتفي بتوزيع الثروات، بل تسعى أيضًا إلى تحجيم القدرة العقلية للأفراد لتظل سيطرتها ثابتة. عن طريق توجيه المناهج التعليمية وتحجيم الفكر النقدي، تُسهم النخب في خلق مجتمع يسير وفقًا لقيم موروثة أو مشروعة من أعلى، ما يساهم في إضعاف القدرة على التفكير المستقل. وعليه، تصبح هذه المجتمعات مجتمعات تابعة، ليس فقط اقتصاديًا، بل فكريًا أيضًا.
دور التعليم في تعزيز السيطرة على الوعي
تعتبر المناهج التعليمية الأداة الرئيسية التي يمكن للنخب من خلالها توجيه الأجيال القادمة نحو إضفاء الشرعية على النظام القائم. فالدول المتقدمة مثل فنلندا واليابان، على سبيل المثال، تعتمد على تعليم يعزز التفكير النقدي والابتكار، ما يسمح للمجتمع بالتطور والابتكار. في المقابل، في العديد من الدول النامية، يتم تقليص إمكانيات التعليم والتركيز على تحجيم الفكر النقدي والتوجيه نحو حفظ المعلومات دون فهم عميق، مما يؤدي إلى تكريس التبعية وتراجع القدرة على التفكير النقدي.
مقارنة بين التعليم في الدول المتقدمة والدول النامية
الدول المتقدمة مثل الدول الإسكندنافية والولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على أنظمة تعليمية تشجع على التفكير النقدي والتحليل المتعمق. على سبيل المثال، تُدرس المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان وحرية التعبير، مع توفير بيئة تعليمية تحفز الطلاب على التفكير المستقل. في المقابل، في العديد من الدول النامية، لا يزال التعليم التقليدي يعتمد على أساليب التلقين والذاكرة، ما يُعيق قدرة الأفراد على التفكير النقدي، ويؤدي إلى تعزيز الانقياد للمؤسسات القائمة.
التحكم في الوعي من خلال التعليم والسياسات التعليمية
من خلال سوسيولوجيا رؤية العالم، يمكننا أن نفهم كيف تساهم الأنظمة التعليمية في توجيه الأفراد نحو تبني فكر محدد. هذا الفكر لا يعكس بالضرورة واقعهم، بل يعكس مصالح النخب التي تسعى إلى الحفاظ على هيمنتها. فالبرنامج التعليمي في الدول النامية غالبًا ما يكون خاضعًا لأجندات سياسية واقتصادية تعزز من سلطوية الأنظمة وتضع قيودًا على التفكير النقدي، وبالتالي تبقى المجتمعات في حلقة مفرغة من التخلف والفقر.
نماذج و أمثلة على تأثير التعليم في تكوين الوعي
في دول مثل فنلندا، يتم الاهتمام بتطوير المهارات العقلية للطلاب على غرار التفكير النقدي والتحليل المنطقي، ما يجعل الأفراد قادرين على التفكير بشكل مستقل. لكن في دول مثل مصر أو دول أفريقيا جنوب الصحراء، يظل التعليم محصورًا في توجيه الطلاب لحفظ المعلومات دون تحفيزهم على التفكير النقدي أو الإبداعي، مما يؤدي إلى عدم القدرة على التغيير والمساهمة في النهضة الاجتماعية والاقتصادية.
التعليم والمناهج في الدول الرائدة والمتخلفة: التأثير على الوعي والتحكم فيه
إن تفاوت ترتيب الدول في المؤشرات التعليمية يعكس بشكل واضح حجم التحكم الذي يمارسه النظام التعليمي في تلك الدول على الوعي الجمعي. على سبيل المثال، تشير مؤشرات التعليم إلى أن الدول التي تحتل مراتب متقدمة في هذه المؤشرات مثل فنلندا وكوريا الجنوبية توفر بيئة تعليمية تحفز التفكير النقدي والإبداع. في المقابل، فإن الدول التي تحتل مراتب متدنية في نفس المؤشرات، مثل معظم دول العالم الثالث، تعكس نظمًا تعليمية تقتصر على الحفظ والتلقين دون تشجيع على التفكير المستقل. هذه الأنظمة التعليمية تسهم في تشكيل وعي قاصر يعجز عن تحليل الواقع أو السعي نحو التغيير.
---
المراجع:
1. عادل الكنوني. "سوسيولوجيا رؤية العالم: الثقافات الاجتماعية والأنماط الفكرية." (2024). الحوار المتمدن.
2. لوتكا، مارغريت. "سوسيولوجيا رؤية العالم: الثقافات الاجتماعية والأنماط الفكرية." (2011). دار السوسيولوجيا.
3. غرامشي، أنطونيو. "نظرية الهيمنة." (2005). الدار العربية للعلوم ناشرون.
4. باورد، مايكل. "التعليم ونظام الهيمنة في المجتمعات الحديثة." (2002). دراسات في سوسيولوجيا التعليم.
5. إينغرام، ليزا. "التعليم في الدول النامية: دراسات مقارنة حول أثر التعليم على الوعي المجتمعي." مجلة سياسات التعليم. (2018).
6. جونسون، ساندرا. "التعليم والسياسة في الدول النامية." (2020). دار نشر أكسفورد.