لماذا الكون ؟

سعود سالم
2024 / 10 / 12

أركيولوجيا العدم
العقل المحاصر
١٩ - لماذا هناك أي شيء

ومسالة قِدَم العالم من أهم المسائل الفلسفية الكبرى التي شغلت بال الفلاسفة منذ البدايات والإرهاصات الفكرية الأولية. والتفكير الفلسفي هنا يعني بكل بساطة محاولة طرح مجموعة من الأسئلة الوجودية والميتافيزيقية الكبيرة مثل لماذا نحن هنا ولماذا وُجد العالم؟ ولماذا كان هاك كينونة ولم يكن هناك عدم؟ وبإختصار لماذا هناك كائن بدلا من لاشيء؟ وهو السؤال الجوهري في الميتافيزيقا، وهو أوسع الأسئلة، وأعمقها، وأكثرها أصالة حسب البعض، وسؤال عبثي لا معنى له حسب البعض الآخر. ويستند الفكر الديني المعاصر على الاكتشافات العلمية الجديدة ليأكد الإعتقاد بحدوث العالم وكونه مخلوقا من قبل قوة إلهية تتحكم في الكون والبشر. فتمدد الكون -أو توسعه المستمر- بشكل مذهل وبسرعة لا تتصور ( الإنفجار العظيم )، أصبح ذريعة ليستنتجوا أن هذا التوسع كان قد نشأ نتيجة حركة أولية حركتها قوة معينة وحسب نظام معين، وأن هذا التوسع لا بد أن يصل إلى مداه النهائي، ثم يعود الكون مرة أخرى للتقلص بعد انعدام القوة الدافعة لهذا التوسع وهو ما يسمى بـ (الإنكماش العظيم)، وعندئذ سيؤدي إلى ارتباط الأجرام السماوية وتجمعها في نقطة المركز. إن كونًا هذا شأنه في التمدد والتوسع، ثم مآله إلى الانكماش والتقلص لا بد أن تكون قدرة "الخالق" هي التي كانت وراء البداية وستكون سببا في النهاية، فلا يمكن للعدم أن يوجد بداية ونهاية لشيء .. ففي الإسلام إذا ليس هناك عدم ولا عدمية، الخلق تم من المادة الموجودة، السماء والأرض كانت شيئا واحدا ففتقهما الله ليصنع السماوات السبع والأرض ثم خلق الملائكة من النور والشيطان من النار والإنسان من الطين إلى آخر الأسطورة. وتبدو هذه القضية، حدوث العالم أو قدمه، التي أعتبرها الكثير قضية محورية، لا تعدو أن تكون حوارا ليس بعيدا عن السفسطائية ولم يؤدي إلى تقدم الفكر الفلسفي ولو خطوة واحدة، ذلك أن معالجة هذه القضية، من قبل الفلسفة أو علم الكلام أو الفقه ظلت محاصرة داخل القلعة الدينية القرآنية وكان الهدف منها، في أغلب النصوص هو البحث عن أدلة عقلية لوجودالله.
النظريات الدينية المعاصرة والتي تقول بالخلق وتكوين العالم في لحظة معينة من تاريخ الكون، وأن النظريات العلمية الحديثة توجد أصولها في الكتب المقدسة ومذكورة في القرآن، هي مجرد فرضيات لا تستند إلى أي أساس علمي أو لاهوتي، ويحاول بعضهم تأويل نظريات نشوء الكون مثل نظرية الإنفجار الكبير بما يتناسب مع السرد الأسطوري وإعطاءها محتوى دينيا، رغم أن هذه النظريات لا تقول بخلق الكون من العدم ولا بفناء المادة. فنظرية الـ big-bang لا تدعي أن العالم قد خلق من العدم، بل من حالة مادية أولية مكثفة لدرجة لا نستطيع اليوم تخيلها، ولكنها مادة في جميع الأحوال كانت متواجدة قبل أن تنفجر وتكون العالم بما فيه من كواكب وشموس ونجوم ومجرات.
إن فكرة العدم واللاشيء تبدو من الأمور "اللامفكر فيها" في التراث الكوزمولوجي والفلسفي الإسلامي رغم ضرورة العدم لإثبات عملية الخلق كما وضحنا سابقا. ذلك أن فكرة دوام المادة وعدم قابليتها للفناء تبدو من الأفكار المستحيلة بالنسبة للعقول المحاصرة والمغلقة. ذلك " أن أظهر حقائق الوجود وأثبتها وأصحها هي وجود الله الخالق البارئ المصور، ولا يستطيع إنكار ذلك أو حتى الشك فيها عاقل منصف "، وجود الخالق يستلزم وجود المخلوق، وهذا المخلوق هو العالم أو المادة عموما، ولكي تكون مخلوقة فلابد أن تأتي من لا شيئ بقدرة "الله الخالق البارئ المصور". هذا هو المنطق الذي يسيطر على أغلب العقول المحاصرة في جميع مجالات الحياة المعاصرة، من المدارس إلى المساجد والمعابد إلى الأكاديميات والجامعات والمعامل والصحافة والأدب .. إلخ. ويستندون في إعتقادهم هذا على حجج هشة ومقلوبه رأسا على عقب، حيث القرآن هو الدليل على قدسية القرآن وهو الدليل على وجود الخالق والمبدع للكون. حيث يقول أحدهم مستندا إلى حديث رواه البخاري : وحسبنا في ذلك آية واحدة من كتاب الله، تكفي مريد الحق لرفع الشك والريب، فهذا جبير بن مطعم كان كافراً، فسمع النبي يقرأ سورة الطور فلما بلغ هذه الآية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ. قال: كاد قلبي أن يطير. . فكان سماعه لهذا الآيات الكريمات سبباً في إسلامه وهدايته، وكاد قلبه أن يطير من حسن هذا البيان وروعته، وفصاحته وبلاغته، ومن وضوح الحجة وسطوع الحق، فإن معناها: أم خلقوا من غير خالق، وذلك لا يجوز؛ فلا بد لهم من خالق، وإذا أنكروا الخالق فهم الخالقون لأنفسهم، وذلك في الفساد والبطلان أشد؛ لأن ما لا وجود له كيف يخلق؟

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي