لمحات من تاريخ اتفاقات السلام

المنصور جعفر
2024 / 10 / 7

هذه بداية فكرة تحديد ودرس بعض ملامح تاريخ مفاوضات واتفاقات أفادت في تخفيض حدوث وتفاقم الحروب الدموية وزيادة التعايش والصراع السلمي.


تكوين الفكرة:

1- مكونات العرض:
مع/بعد مراعاة التقاليد الأكاديمية لانجاز التقارير والبحوث- يتناول هذا العرض :
1- أهداف فكرة تجميع بعض ملامح المفاوضات والاتفاقات،
2- عرض بعض المفاوضات والاتفاقات،
3- معيقات الاتفاقات،
4- مسهلاتة الاتفاقات،
5- مؤثرات موجبة على المباحثات وعلى التفاوض،
6- مؤثرات سلبية على التباحث أو على التفاوض،
7- ملحوظة على مفاوضات حرب السودان 2024،
8- باب دخول إلى سلام متكامل.
9- تصور المؤتمر الدستوري،
10- الخلاصة.

2- أهداف تجميع الملامح:
الهدف لأول: الإلمام بعناصر وعلاقات وبنى المباحثات والمفاوضات،
الهدف الثاني: بيان وتقديم اطر نظرية لدراسة تاريخ المباحثات المفاوضات،
الهدف الثالث: الإسهام في الجهود الهادفة لتخفيض العنف الدموي.

3- مادة العرض (أحداث واتفاقات):
عرض ملامح أحداث واتفاقات عرف بعضها بأسماء: 1- مكة 2- روما 3- ويستفاليا وبيريانيه 4- أوترخت 5- أمريكا 6- باريس 7- يالطا 8- "تكوين الأمم المتحدة" 9- كوريا 10- اتفاق أديس أبابا بين جنوب وشمال السودان 11- فيتنام 12- شط العرب 13- الدول العربية وإسرائيل 14- جنوب افريقيا 15 - لبنان 16- يوغوسلافيا.

4- البيان والتحليل:
اوضاح بعض الموضوعات والمؤثرات على فاعلية المفاوضات والاتفاقات وما يستفاد منها عند النظر إلى التفاوض السوداني ثم الختام بالاشارة إلى المخرج اللازم في بلاد ومجتمعات السودان لتجنب نواقص التفاوض والاتفاقات.

1- بعض الأحداث والاتفاقات:

1- بعض اتفاقات منطقة مكة:

(أ) ما قبل الإسلام:
تكون "إيلاف قريش" ثم "حلف الأحابيش" ثم حرب الفجار التي إمتدت من عام 590م إلى عام 590م وقد دارت بين حلفين هما "حلف المطيبين" (مهر اتفاقه الشفاهي بغمس في جفنة عطور) وإزاءه "حلف الأحلاف" ( وقد مهر بغمس الأيدي في جفنة دم) وتمركز في منطقة ثقيف ثم انطفأت الحرب.
اشتهر اتفاقان/حلفان هما: حلف "الفضول" و "حلف الأحلاف". وكان"حلف الفضول" مكي المركز و أساسه النظري رد الظلم عن كل مظلوم والتأسي في المعاش أما "حلف الأحلاف" فكانت عروة اتفاق عشائره الوحدة الحربية ضد من يعاديهم. بعد فتح مكة عام 630 م أصبحت عشائر حلف الفضول قيادة للإسلام وبقيت الأحلاف الاخرى بلا نشاط ثم تلاشت في العصر العباسي بتلاشي معالم عشائرها.

(ب) بداية الإسلام:
محادثات الرسول (ص) واتفاقه مع ضعفاء مكة ثم مع أهل ويهود المدينة ثم محادثته واتفاقه مع سادات قريش في الحديبية 15 مارس 628 اتفاقاً احترم سلطة قريش مقابل اعتراف قريش العملي بحق المسلمين في الاعتقاد. في كل اتفاق قدم (ص) وعوداً أخروية ودنيوية لكل مجموعة وبعد ان نظروها ووجدوها جيدة لهم قبلوها. وبها اتحدت غالبية مجتمعات نجد والحجاز بعمليات بناء وتمدد الدولة الجديدة في العالم القديم وكسر دوله المتهالكة المزدحمة بالصراعات والمظالم الطبقية والعنصرية. هزموها عسكرية وغيروا شكلها السياسي وجزئاً من طبيعتها الطبقية ومع الهجرات والتزاوج والتعايش تغيرت سحنة و ألسن جميع المجتمعات والبلاد التي أصبحت ضمن دول الخلافة الإسلامية وممالكها وأكثرها وفق طبيعة ذلك الزمان كان نتيجة أنشطة حربية واتفاقات تعايش.


2- السلام الرومي Pax Romana:
شكل آخر لتكون ونتائج الاتفاقات التي تنهي أو تمهد لأوضاع حربية وقد امتدت فترة هذا السلام المزعوم -مع خلاف في التقديرات- حوالى قرنين من الزمان منذ عام 27 ق.م إلى عام 180م

تسمية تلك الفترة بـ"السلام الرومي" Pax Romana تسمية دعائية صكها الأستاذ سينيكا عام 55م في تصوير موجب عن سياسة تحكم روما في كل البلاد حول البحر الأبيض المتوسط (بحر الروم) وتخفي هذه التسمية ان تحكم الروم كان تحكماً حربياً متفاوت الفترات ومتقطع بثورات وحروب مضادة وأحياناً يتجدد باتفاقات إخضاع مع المجتمعات التي عجزت عن هزم الروم.

كان قوام تحكم روما مزيج من انتصارات عسكرية واتفاقات يعقدها جنرال من الإمبراطورية مع ممثلي نخبة المجتمعات المغزوة. وكانت تلك الاتفاقات محاطة في روما باغتيالات اباطرتها وانقلابات ساستها وانقلابات جنرالاتها وبسياسة "فرق تسد" أما في المجتمعات المستعمرة فقد كان إستمرار كل اتفاق محاطاً بخطر انقلابات وثورات عادة ما تحدث قبل أو بعد كل اتفاق.



3- اتفاقات ويستڤاليا واتفاقات بريانيه:

(أ) ظروفها الحربية
أنهت عدداًمن الحروب أشهرها حرب الثمانين عاما بين النذرلاند وإسبانيا و حرب الثلاثين عاماً التي بدأت عام 1618، وهي حروب ازهقت ملايين الأرواح تحت رايات قومية وعقيدية و وطنية أو راية ولاء لحاكم، وكانت كل راية تواشج مصالح مباشرة أو غير مباشرة في وراثة حكم أو في تغيير حدود أو تبعية وخراج أراضي معينة ومن عليها وكذلك توسيع أو تضييق الحدود الجغرافية والحدود السياسية لبعض الممالك والملوك ومدى سيادة الإمبراطور أو سيادة الملوك في مناطق (حكمهم) وأساس شرعية السلطة وعلاقة ذلك بتفسير الإيمان المسيحي وجهة اعتماد شرعية التفسير.

كذلك تأججت هذه الحروب بصراعات الأوضاع السياسية والتجارية لرخص العمل والتجارة والغرامات والضرائب والتعويضات (القديمة والحديثة) وطبيعة ترتيبها. وقد كان تصادم هذه المصالح في شكل معارك متزامنة قد نقل أوروبا من حالة حروب بسيطة بين كيانين إلى حالة حرب كببرة متعددة المبررات والرايات وكانت حافلة بالمؤامرات الطويلة والواسعة وبالإنقلابات والمؤامرات الصغيرة وبالأخبار والأنباء المؤججة وكل أنواع المعارك والمقاتل والمذابح وكثير من النزوح التلقائي والنزح القسري داخل البلد الواحد والهجرة والتهجير من بلد إلى بلد آخر كما حفلت يتغيير الولاءات.


(ب) شكل الاتفاق:
في 24 أكتوبر 1648 مهرت اتفاقيتي ويستفاليا في مدينتي ايسنبروك ومونستر في إقليم ويستڤاليا في بروسيا شمال ألمانيا الحاضرة وذلك بعد محادثات ومفاوضات استغرقت خمسة أعوام بين منتدبين من الإمبراطورية الرومانية المقدسة (إسبانيا والنمسا) ومن عشرات الدويلات الجرمانية ومن هولاند وبلجيكا وأخرى و منتدبين من فرنسا ومن السويد، ومن ثلاثة وستون من الإمارات والدوقيات ومناطق ملتبسة التصنيف. وتجسد الاتفاق ذو الوثيقتين بمائتي مادة تناولت حدود الدول والسيادة الملكية تبعاً لقيام المفاوضين بموازنة أثقال القوى المجتمعية والقوى العسكرية والبنى الطائفية وأطماع الملوك ووضع السكان في بعض المناطق مع قدر من المساواة والحريات.


ى (ج) نقض الاتفاق:
تم نقض اتفاق ويستفاليا بتواصل الحرب بين فرنسا وإسبانيا منذ حوالى عام 1649 إلى عام 1659 آنذاك زادت كلا في الدولتين أنشطة المعارضين للحكم في الدولة الأخرى من ثم تواصلت الحرب بين هذين البلدين الكاثوليكيين حتى مهرا "صلح بريانيه" Pyrenees المعقود في 07 يوليو 1559. وقد شملت الحرب فترتين طولهما 24 عاماً ومع ما سبقها من تحالف السويد البروتستانتية مع فرنسا الكاثوليكية توكد سياسية أمور لدول وكذلك نشاط بابا الكاثوليكية لتهدئة الحرب كان نشاطاً سياسياً.


(د) بعض من هندسة وفنون ذلك الاتفاق:
تقسيم التفاوض إلى مراحل سهل تحديد نقاط التجاذب ونقاط التنافر وتحديد كيفية حلها. وقد ثُمن دور خبرة مسهلي التباحث والتفاوض في عقد الاتفاق وكان أشهر المسهلين برجواز النرويج وأكثر منهم عطاء وتاثيراً برجواز مدينة ومنطقة فينيسيا أول وأكبر منظومة جمهورية في بلاد أوروبا وإيطاليا تنتخب حكامها وسط كم من إمارات التوريث القديمة وبحكم ان فينيسيا كانت أكبر حرفي وتاجر دولي يربح بتهدئة الأمور زاد جهدها لإنجاح المفاوضات.

قبلت الدول وساطة فينيسيا نسبة لصلاتها المالية والتجارية معهم ولكونها علمانية إزاء البابا وسياسة الكنيسة صديقة لخصوم الكاثوليكية السياسية وأشهرهم إقطاعيو وبرجواز فرنسا وشمال ووسط أوروبا وأيضاً كانت نفس فينيسيا كدولة ومجتمع كاثوليكية جداً إزاء اليهود وممولة سخية لأنشطة الكنيسة من ثم واشجت الكنيسة والإمبراطور الاسباني وقريبة لملوكهما على البلاد التي (((يحكمانها))). بنفوذ نخبة فينسيا رعى صديقهم هم البابا الكاثوليكي ثلاثة أرباع اتفاقية ويستڤاليا بين فرنسا وإسبانيا وهولاند في أوسنبروك، من ثم بعد توافقهم إنتقل منتدبو إسبانيا وفرنسا إلى مونستير للتفاوض مع منتدبي مملكة السويد المسيحية البروتستانتية الكالفينية التي كانت رافضة منصب ووجود البابا ونفوذ الكنيسة الكاثوليكية.

شكلت هذه الاتفاقية بداية انتقال أوروبا من نمط تحكم الواحدية السياسية بأمور الممالك والتجارة والحرف إلى نمط تحكم الممالك والحرف في أجزاء مهمة من شؤونهم وبداية نهاية كثرة من الإقصاءات الطبقية والإثنية والقومية والسياسية المتحججة بتفاسير دينية المنبع أو الهدف بما فيها حجج التجار والحرفيين البروتستانت في تخفيف سيطرة الكاثوليك.



4- اتفاق أوترخت:
عقد اتفاق أوترخت عام 1714 وقد أنهى حروب وراثة عرش إسبانيا (1701 1713).

أوقف "اتفاق اوترخت" الحروب بين تحالف فرنسا وإسبانيا وتحالف إنجلترا والنمسا والدويلات الجرمانية وهولندا، لمراعاة شكليات تمسكت بها النمسا ألحقت باتفاق أوترخت معاهدتين هما معاهدة راستات ومعاهدة بادن.

كانت الحروب قد اشتعلت بين الحلفين نتيجة خوف حلف إنجلترا والنمسا من اتحاد إسبانيا وفرنسا في ملك واحد كان سليل من المملكتين أوصى له ملك إسبانيا بالعرش وبالتالي كانت ستتكون دولة عظمى تهدد وجود الدول الأخرى، من ثم قامت إنجلترا والنمسا وتوابعهما بمحاربة فرنسا وإسبانيا في أراضي وبحار بلاد النذرلاند وهولاند وفي بلاد إيطاليا وانتهت الحروب بالاتفاق على قبول الحلف الثلاثي سيادة عرش إسبانيا على ان لا تشكل فرنسا وإسبانيا إتحاد بينهما أو امبراطورية.



5- أحداث ومفاوضات تكوين أمريكا:

(أ) الظروف الحربية للاتفاقات الأمريكانية:
أحاطت ببداية وجود ونشاط الأوربيين في أمريكا عدة حروب في أوروبا وفي أمريكا نفسها أشهرها الحرب بين النذرلاند وحلفاءها وإسبانيا والحرب بين الجمهوريين والملكيين في إنجلترا ثم الحرب بين الهولنديين والانجليز اسهمت كلها مع أحلام السلام والثراء في هجرة الأوروبيين إلى أمريكا ولكنها مع أنانيات التملك التجاري حدت من تمازجهم في أمريكا بل زاد تقاربهم لمواجهة مقاومة السكان الأصليين. وكذلك زاد تقاربهم لمواجهة العسف التجاري والضريبي المفروض من دول المستعمرين إنجلترا وهولاند على أنشطة مواطنيها في أمريكا وإن كان دافعاً لبعض النزاعات داخل وبين مستعمراتهم وكان ذلك العسف مؤججاً تذمرهم من سيطرة دولهم وبداية لتنسيق تجمعاتهم واتحاد نشاطهم السياسي في شبه دويلات في الجزء الشمالي الشرقي ثم غالبية الجزء الشرقي من أمريكا,


(ب) أهم الاتفاقات:
بدات بنقاشات حول إستقلال كل مستعمرة وطبيعة اتحادها مع الدويلات الأخرى، وموضوعات تكوين الهيئات الاتحادية وحدود سلطتها وطبيعة وجود مركز لها ومدى ترواح عمله بين التنسيق والتنظيم وكثير من عناصر الايدولوجيا الجمهورية التي ذاعت وقويت في بعض مدن إيطاليا وفي غالبية المدن التجارية في أوروبا ثم في النذرلاند وإنجلترا واهم عناصرها حرية أعمال الحرف والتجارة وإلغاء الجزء الكاثوليكي من العنصرية الطائفية وسواسية الناس في الكرامة وغالبية تعاملات القانون. .


(ج) أسس الاتفاقات:
في فترة حوالى قرنين (1630 و 1789) و بتلقاء أوضاع المستعمرات وتأثير التمردات والثورات والانتصارات والاتفاقات ونظريات الحرية والحكومة الحديثة والحقوق والعقد الاجتماعي في أوروبا نشأت عبر الكلام اليومي ورسائل خطابة ومقالات الأفراد عناصر آيديولوجية متفرقة سرعان ما تجمعت مغذية توافق المستعمرين في النظر إلى الأمور بتأثير ثلاثة عوامل عليهم هي:

1- سخطهم على تحكم الدول الأوروبية وممثليها في معيشتهم،
2-العداوة للسكان الأصليين ورغبة التخلص منهم،
3- التطلع إلى حياة ومعيشة مستقلة كريمة وعادلة.

في تواريخ مختلفة نشأت في كل مستعمرة جمعية شبه برلمانية ومع زيادة التنافر التجاري بين غالبية سكان كل مستعمرة ومصالح تجارة وضرائب بريطانيا بدأت نخب كل مستعمرة في تكوين مؤتمر "كونغرس" يناقش شؤونها.


(د) تكوين الاتفاقات:

1- المؤتمر القاري الأول: كان غالبية أعضاء مجالس المستعمرات من أصحاب الأعمال الكبيرة الذين عانوا من تقييد إنجلترا لتجارتهم معها ومن كثرة ضرائبها عليهم وعندما تأجج الاختلاف وتحول إلى معارك اجتمع بعض أعضاء الكونغرسات في "قاعة النجارين" في فيلادلفيا عام 1774 وناقشوا حاجات السكان والمستعمرات ومواجهة عنف الاستعمار وعنف مقاومة السكان الأصليين وقرروا ان للمستعمرات حق إصدار قوانين وفرض ضرائب على تجارة بريطانيا ومقاطعة بضائعها. وسمي ذلك الاجتماع بإسم فخم "المؤتمر القاري الأول".

2- المؤتمر القاري الثاني: وسط استعار المعارك انعقد "المؤتمر القاري الثاني" عام 1775 الذي حدد إجراءات تلبية حاجات وآمال المستعمرين بداية تكوين حكومة وجيش وحدد العام 1776 سنة لإعلان إستقلال المستعمرات عن السيطرة البريطانية وقد إنفض عام 1781 حيث إنعقد المؤتمر الدستوري.

انتهت حرب الإستقلال المعروفة بإسم الثورة الأمريكية باتفاقي باريس 1783 و 1784 الأول بين بريطانيا والدول المتحدة الأمريكية والثاني بين بريطانيا والدول التي دعمت كفاح وإستقلال الأمريكان وهما إسبانيا وفرنسا وملحق مع هولندا. من ثم أصبحت الدول المتحدة الثلاثة عشر من أول الدول التي بدأت ظاهرة الكفاح الشعبي المسلح للتحرر من الاستعمار ومن أول الدول الجمهورية أي المنظمة تجارتها وحكومتها بشكل لا ملكي قوامه قرارات ممثلي الجمهور (كانت هولاند هي الدولة الأولى في التحرر وفي الجمهورية 1581).

(هـ) الاتفاق على الدستور:
بعد المعارك الحربية والديبلوماسية لتثبيت الإستقلال انعقد المؤتمر الدستوري في 25 -05-1787 وانتهت أولياته في 17-09-1787 وتمت آخر مصادقة على أعماله في 29-05- 1790 وان كانت مشاوراته قد بدأت في 25-03- 1785 وانفضت في 10-01- 1791.

اختلفت النظرات إلى الدستور الأمريكي ومشروعية إصداره ومشروعية سلطة الموافقة عليه وتصديقه وكيفية انفاذه. بيد ان ذلك الدستور والسلام الأمريكي ترسخ بزيادة وثيقة الحقوق إلى مواده عام 1791 وزاد الرسوخ بانصهار الحياتين الدستورية والمجتمعية بالحرب البريطانية الأمريكية عام 1812 ثم بالحرب الأهلية الأمريكية (1861 1865) وبحملات تهجير أو إبادة السكان الأصليين وحروب أخرى تتالت داخل وخارج أمريكا الشمالية في غالبية قارات العالم.

(و) بعض النقاط الخلافية في اتفاقات تكوين الدولة الامريكية:
1- تناقض نشاط الدولة وحريات الأفراد في التملك والتجارة 2- تناقض بعض شرعيات ومشروعيات تكوين الدولة ونوع اتحادها كونفدرالي أو فيدرالي؟ فإن كان اتحاد دول مستقلة فهي وحدة كونفدرالية قابلة للحل أو للإنسحاب منها وان كانت دولة اتحاد بين ولايات فهي فدرالية بإمكانها تغيير مهمات مركزها. وقد انكشفت هذه التناقضات بالحرب الأهلية وبخلافات على واحدية الدولار وعلى مشروعية البنك المركزي وعلى قرارات المجلس الانتخابي لاختيار الرئيس وعلى تكوين المحكمة العليا.


6- مؤتمر باريس للسلام 1919:

(أ) ظروف عقد مؤتمر باريس (الحرب العالمية الأولى):
انعقد مع نهاية الحرب العالمية الأولى التي دارت بين دول بريطانيا وفرنسا وروسيا وإيطاليا واليابان وأمريكا وصربيا والجبل الأسود ورومانيا وبلجيكا واليونان والبرتغال وتوابع بريطانيا الهند وجنوب واستراليا وكندا وجنوب افريقيا وكثرة من الدول و المستعمرات في آسيا والصين وفي أمريكا اللاتينية في جهة وضدهم دول المركز/ المحور القديم إمبراطورية النمسا وألمانيا والمجر ومملكة بلغاريا والإمبراطورية الإسلامية التي كانت تشمل بلاد كثيرة في البلقان وآسيا وإفريقيا.

بدأت الحرب العالمية الأولى من نزاعات قوميات/أقليات البلقان (يوغوسلافيا) وحروبهم ضد بعضهم وضد الإمبراطوريات المحيطة بهم والنافذة في بلادهم وهي الإمبراطورية الإسلامية وإمبراطورية النمسا- المجر- ألمانيا وإمبراطورية روسيا، وقد اشتعلت الحرب بعد قيام شاب صربي باغتيال أرشيدوق النمسا وشن إمبراطورية النمسا المجر ألمانيا الحرب على صربيا بشكل أدى لتدخل روسيا من ثم تدخلت باقي الدول وفقا لتحالفات أو ثارات أو أطماع أو بالتبعية. وكانت أول حرب غي التاريخ عجت بالطائرات والدبابات والغازات السامة.

دارت أهم معارك الحرب العالمية الأولى في أوروبا منذ 28 يوليو 1914 إلى 11 نوفمبر 1918 وقد اشترك فيها حوالى 70 مليون عسكري قتل منهم حوالي 9 مليون وقتل معهم 7 مليون من المدنيين و إليهم حوالى 50 مليون انسان اخرين -على الاقل- ماتوا جراء وباء الانفلونزا الاسبانية والجوع.

كشفت تلك الحرب اهتراء المبادئي الليبرالية وعدم وجود نظام دولي وباثر من محاولات إلغاء هذه السلبيات قويت الفكرة الشيوعية بثورة اكتوبر 1917 الاشتراكية العظمى التي عمت بلاد الروسيا وقضت على النظام القيصري حدثت تمردات وانتفاضات وثورة في بعض مناطق ألمانيا انتهت بها مع نهاية الحرب الإمبراطورية الألمانية النمساوية المجرية 1918 وأيضاً تضعضعت الإمبراطورية الإسلامية قبل ان تنهار تماما عام 1923 ومن ثم بدا ارتفاع دور الدول/الولايات المتحدة الأمريكية في العلاقات الدولية سما مبدأ نبذ الاستعمار وحق القوميات في تكوين دولها وبدأ تكوين نظام عالمي.

(ب) تفاصيل إنعقاد مؤتمر باريس:
بعد انهزام قوات ألمانيا نتيجة دعم أمريكي للحلف البريطاني الفرنسي لجأ قيصر النمسا- المجر- ألمانيا إلى هولندا من ثم أعلنت هدنة في 11-نوفمبر 1918 مددت ثلاثة مرات إلى يوم 19 يناير 1918 وقبل انتهاءها بيوم عقد في 18 يناير 1919 مؤتمر في باريس بين كل دول الحرب لختم تلك الفترة الحربية من تاريخ أوروبا والعالم.

إنعقد المؤتمر بجهد أمريكي كان قوامه كسر العسكرية الألمانية وإهداء السلام للشعب الألماني ثم اتفقت أمريكا وإنجلترا وإيطاليا على عقده في سويسرا لكن نتيجة إصرار فرنسا الجريحة على الانتقام من إهانات ألمانيا لها تم تغيير المكان وقبول العرض الفرنسي باستضافة المؤتمر.

عقد مؤتمر باريس 1919 في نفس تاريخ ومكان تتويج وليم الأول إمبراطوراً مباشراً على كل بروسيا وبافاريا (وبشكل غير مباشر على النمسا والمجر وفرنسا) فبعد أن هزم الجيش الألماني الجيش الفرنسي (1870) دخل فرنسا وغير حكمها ثم قام بتتويج الإمبراطور الألماني في 18 يناير 1871 في قاعة المرايا في قصر فرساي قرب باريس في إهانة كبرى لفرنسا توالت مع إهانة هزيمة جيشها. ومع ما سبقها من هزائم وأضرار دأب الجرمان على إلحاقها بجيرانهم الفرنسيين. من ثم كان انعقاد المؤتمر في باريس مشوباً بثقافة الإنتقام من ألمانيا أكثر من عناية كبراء ذلك المؤتمر ببحث أسباب الحرب والمسؤولية عنها ووضع برامج موضوعية لمساواة وتعاون المجتمعات.

لم تتم دعوة روسيا التي كانت في أوج ثورتها وبجهد أمريكي وافقت اليابان وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا على الإئتمار لإنهاء الوضع الحربي وبدء ترتيب جديد لأمور العالم وقد كونت هذه الدول الخمسة لجنة عليا أدارت المؤتمر وافقت هذه اللجنة على حضور جميع الدول مع حرمان الدول المهزومة من حق الاعتراض وكانت غالبية القرارات المهمة في المؤتمر هي قرارات معاقبة الدول الخاسرة.

اجتمع في باريس وضواحيها ممثلو أكثر من 32 دولة وشبه دولة وكيان سياسي وانجزوا بـ 52 لجنة خمسة اتفاقات شملت تفكيك إمبراطورية ألمانيا والنمسا والمجر وتفكيك الإمبراطورية الإسلامية بقطع أجزاء من هذه الإمبراطوريات وتكوين دول جديدة كانت ناهضة للاستقلال من تحكم هذه الامبراطوريات وانتهى المؤتمر في يناير 1920 بانعقاد "عصبة الأمم" كأول منظمة في التاريخ تجمع دول العالم.

كان ذلك المؤتمر الطويل حجاً عظيماً للأطماع الإستعمارية في تقاسم مستعمرات الدول المهزومة والحصول من مجتمعاتها على كل شيء كما حجت إلى المؤتمر آمال الإنسانية في انهاء أسباب الحروب وخلق مقومات عالم أكثر عدالة وسلماً. أو كما قال رئيس وزراء بريطانيا حين سئل عن طبيعة دور إنجلترا في نتائج المؤتمر وإتسامها بالحقد على ألمانيا اكثر من اتسامها بالموضوعية والعدالة ؟ أجاب قائلاً:(( لا بأس ليس سيئاً فقد كنت (بريطانيا) بين المسيح ونابليون)) فلسبب ما أرادت أمريكا إستقلال كل المجتمعات اما باقي الدول الكبرى ففضلت سلب ممتلكات الدول المهزومة.


(ج) أهم عوامل فرض ذلك السلام:
ارتبط إنتصار الحلفاء على دول المحور المركزي للقارة الأوروبية وهي امبراطورية ال هابسبورغ وإمبراطورية ال عثمان وإمبراطورية ال رومناف وإنكسار هذه الامبراطوريات بثلاثة عوامل:

1- سيادة حالة النخبوية بالوراثة على أمور الحكم والادارة العامة، حيث يتولى أفراد من نسل كبراء هذه الدول مناصب مهمة في إدارة شؤون الدولة السياسية والإدارية والإعلامية والمالية والعسكرية.
2- ضعف التماسك والنشاط الداخلي بسبب المركزية الشديدة للنظام الطبقي ونظام الإدارة المحلية حيث تعيش أقلية من الناس والمناطق في ترف باستغلالها موارد كثرة من الأقاليم وجهود الطبقة الكادحة.
3- إرتباط اقتصاد الدول المهزومة بالنفوذ المالي والاقتصادي الأجنبي فإمبراطورية آل عثمان كانت مرتبطة بالتمويل الألماني والإنجليزي وارتبطت إمبراطورية آل هابسبورغ بالتمويل الأمريكي والإنجليزي بينما ارتبطت إمبراطورية آل رومانوف بالتمويل الفرنسي والألماني. من ثم واجهت هذه الامبراطوريات مواقف صعبة في حربها ضد الدول الممولة لها.


(د) الاتفاقات الخمس التي قررها المؤتمر:

1- اتفاق فرساي، 28 يونيو 1919، ألزم ألمانيا المسؤولية عن بداية الحرب وفرض عليها تعويضات تعجيزية قيمتها 269 مليار مارك ذهبي وقلص تعداد وعدة الجيش الألماني واقتطع أراضي من ألمانيا وجردها من مستعمراتها في إفريقيا والصين.

2- اتفاق سان جيرمان، 10 سبتمبر 1919، ركز على النمسا التي كانت قد أخضعت تحت جبروت بروسيا عام 1866 قرر انفصال/إستقلال المجر وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا وبولاند عن النمسا.


3- اتفاق نويي، 27 نوفمبر 1919 مع بلغاريا ضم شرقها ليوغوسلافيا وغربها البحري إلى اليونان.


4- اتفاق تريانون، 4 يونيو 1920 الذي فصل سلوفاكيا وترانسفينيا /رومانيا ويوغوسلافيا عن المجر.


5- اتفاق سيفر، 10 أغسطس 1920، مع الدولة العثمانية وعدل باتفاق لوزان في 24 يوليو 1923 مع الجمهورية التركية قرر الاتفاق الأول اقتطاع كل الاراضي التي تتكلم مجتمعاتها لغة أغير التركية مما أدى إلى رفض تركي بقيادة أتاتورك ونهاية نظام الخلافة من ثم تم حل تركيا من القيود الاقتصادية والعسكرية,




(د) آثار من الاتفاقات والمؤتمر:
لم تصدق أمريكا على قرارات المؤتمر وعقدت في عام 1920 معاهدات منفصلة مع ألمانيا والنمسا والمجر. سياسة أمريكا مع حق القوميات في تقرير مصيرها أرادت وضع جميع المستعمرات تحت وصاية دولية مشتركة تؤهلها للاستقلال. قوبلت هذه السياسة بمعارضة فرنسية بريطانية ناقشت عدم توافر عناصر "القومية" في مجتمعات كل البلاد منبهة إلى ان الفكر القومي في البلاد المتداخلة القوميات يؤجج النزاعات. وان الأفضل تقسيم ملكية مستعمرات ألمانيا ثلاثة فئات أدناها تملك مباشر ووسطها تملك الجيران وأعلاها قبل الإستقلال توضع في نظام الوصاية.

أيضاً تنازعت فرنسا بين تحجيم ألمانيا والتعاون معها ضد الهيمنة الانجلو ساكسونية لبريطانيا وأمريكا، أما إيطاليا التي خسرت قرابة المليون انسان فتعشمت آنذاك في إنفاذ اتفاق لندن 1915 بمنحها أراضي مجتمعات ايطالية تسيطر عليها امبراطورية النمسا وألمانيا المجر ومستعمرات أخرى لذا عندما تقرر إستقلال دول هذه المناطق غادرت إيطاليا المؤتمر متهمة بريطانيا وفرنسا بالخيانة وازدهرت فيها النزعة الفاشستية، أما ألمانيا فقد تواصلت مع أمريكا وازدهرت فيها النزعة النازية.

عموماً فارق المؤتمر فكرة العدالة والحقوق وانشغل بنقل مقاليد القوة الدولية من ألمانيا إلى بريطانيا وفرنسا من ثم جاء تكوين ونشاط "عصبة الأمم" وقيادتها مشوبا بالأنانية الاستعمارية ورغبات السيطرة وعدم وضوح مبادئي التقدم السلمي وغياب البرامج.

بعد نجاح محدود في عشرينيات القرن العشرين انتهت "عصبة الأمم" بقيادة دولها الأربعة بريطانيا واليابان وإيطاليا وفرنسا إلى فشل ذريع في الثلاثينيات بحكم خروج اليابان وإيطاليا الحربي على قراراتها وبحكم فشلها في لجم أو ردع ألمانيا، وبحكم انقطاع موارد عمل المنظمة وتوقف أعمالها وإغلاق أبواب مكاتبها خلال الحرب العالمية الثانية.


7- اتفاق يالطا

(أ) ظروف "اتفاق يالطا":
سبق "إتفاق يالطا" انعقاد "اتفاق الأطلسي" في أغسطس 1941 و"اتفاق موسكو" سبتمبر/أكتوبر 1941 ثم اتفاقات "أركاديا" (واشنطن) 1942 للتنسيق العسكري والسياسي بين أمريكا وبريطانيا وتوابعها وعدد من الدول الأوروبية ونشاطهم جمعة ضد ألمانيا وحلفاءها. وفي هذين المؤتمرين بدأ تصور وإسم "الأمم المتحدة" في الظهور على مسرح السياسة الدولية وأمور تنظيم أوضاع العالم.


(ب) قوام وقررات اتفاق يالطا:
نتج اتفاق يالطا عبر إجتماع إستمر من 4 إلى 11 فبراير 1945 في مدينة يالطا السوفييتية الخلابة وكان الاتفاق عبارة عن كلمة شرف بين إتحاد الجمهوريات السوفييتية الإشتراكية وبريطانيا والولايات المتحدة على خطوات نهاية الحرب العالمية الثانية وهي محاكمة قادة النازيين وتقسيم ألمانيا وعاصمتها وتكوين منظمة الأمم المتحدة. وقد تأسس نجاح الإجتماع والاتفاق بتوالي الانتصارات الحربية الكبرى والمذهلة التي حققها الجيش السوفييتي.


(ج) الأثر الجانبي المدمر للسلام:
مع تمهيده لتأسيس نظام للأمن والسلم الدوليين كان التقارب الأمريكي السوفييتي من العوامل التي سبقت زيادة في نشاط بريطانيا ضد هذا التقارب وتخريبه بغسهامها في اإنهاء عهدي الرئيسين الأمريكي روزفلت والسوفييتي إستالين وتأجيج حرب باردة بين قطبي العالم.

بدأت "الحرب الباردة" بنشاط الامبريالية الانجليزية لتخريب التقارب السوفييتي الأمريكي ثم قادتها أمريكا معها وتمثلت في شبكة عمليات متنوعة لحشد الموارد السلمية والدعائية والعسكرية في العالم الغربي وتوابعه وتنشيط هذه الموارد تحت شعار "التصدي للخطر السوفييتي" ضد كل الأفكار والأنشطة الثقافية والنقابية والسياسية والتحررية والتعاونية التي تغذي أو يحتمل أن تغذي فكرة إزالة الإستغلال الرأسمالي لكادحي العالم وشعوبه.

أدت الحرب الامبريالية الباردة ضد أفكار وأنشطة الاشتراكية إلى تخريب كثرة من نضالات الشعوب ومشروعات التحرر الوطني والتنسيق الإقليمي وعرقلت التطور العلمي والفكري المتناسق للعالم والإستخدام السلمي للمعرفة والتكنولوجيا من ثم زادت الفروق الطبقية والفئوية والإقليمية والدولية وحولت سياسية غالبية دول العالم إلى سياسة دفاع عسكري زادت بها التوترات والأزمات والحروب.


8- اتفاقات تكوين الأمم المتحدة::

(أ) تفاهمات دومبارتون اوكس:
مع توالي إنتصارات السوفييت عقدت مباحثات بين أمريكا وبريطانيا مع الاتحاد السوفييتي انتهت في 21 أغسطس 1944 ومع الصين دامت من 29 سبتمبر إلى 7 أكتوبر 1944. مهدت هذه الاجتماعات لـ"اتفاق يالطا" في فبراير 1945 وانتهت إلى عقد "اتفاق سان فرانسيسكو" في 26 يونيو 1945 الذي اكمل وضع ميثاق وتكوين "منظمة الأمم المتحدة".

في دومبارتون اوكس تفاهمت بريطانيا والصين وأمريكا والاتحاد السوفييتي على تكوين منظمة عالمية للدول الحلفاء في الحرب هدفها تحقيق الأمن والسلم تتكون من مجلس الأمن وقوات عسكرية ومحكمة وجمعية عامة وسكرتارية ومجلس اقتصادي إجتماعي ومنظمات صحة وتعليم الخ. كما رتبت هذه التفاهمات إجراءات تكوين وعمل كل هيئة.

تبلورت هذه التفاهمات في صيغة "كلمة شرف" أي دون أي نص يلزم بها كاتفاق أو دستور بل اتفاق على بناء نظام عالمي جديد بمنظومة ترتيب متكاملة بدلاً للوضع القديم الذي أكلته الحرب العالمية الثانية وبدلاًً للفشل الذريع الذي باءت به "عصبة الأمم",

(ب) اتفاقات سان فرانسيسكو:
نتجت من اجتماعات متفرقة ضمت مندوبين من 50 دولة في قاعات ومسارح مدينة سان فرانسيسكو بين 25 أبريل إلى 26 يونيو 1945 وانتهت بإعلان عن اتفاق المندوبين على "ميثاق الأمم المتحدة" ومعالم تكوين وعمل منظومتها، وذلك بعد جدل ضعيف حول تمتع الدول الخمس بحق النقض.

(ج) ما بعد تأسيس الأمم المتحدة:
أدى تأسيس هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها إلى أربعة أمور: 1- تأسيس ما يشبه الإدارة العالمية لبعض الشؤون الدولية، 2- تحكم بعض الدول في أمور عالمية، 3- تكون وضع قياسي جديد في الشؤون والعلاقات الدولية، 4- تغير وزيادة صراع النخب داخل كل دولة وكذلك بين الدول بزيادة في التنافس أو التعاون مع أو ضد نخبة أو دولة أو مجموعة دول أخرى.

(د) النتيجة العامة:
أسهم تأسيس الأمم المتحدة في بناء منظومة معرفة ورصد دولية وتحديد عدد كثير من المؤشرات المفيدة لتدعيم أنشطة تنمية تغذي السلام وتخفض عدد وتأثير كثرة من سلبيات الطبيعة الخام أو من الطبيعة الاجتماعية وبالتالي تحسين نوعية الحياة والتنمية البشرية.

جملةً، جعلت أنشطة هيئة الأمم المتحدة وأنشطة عالمية أخرى البشرية على مبعدة من لحظة الدمار الشامل بمقدار ربع ساعة أو عشرة دقائق وفق ما يسمى بـ"ساعة يوم القيامة" وهي تسمية مرصد لنموء وتفاقم تناقضات العالم واقترابها من حالة الاصطدام والانفجار النووي أو أي نهاية مماثلة.


9- اتفاق الهدنة الكورية:

(أ) من تاريخ الحرب:
انفجرت "الحرب الكورية" في 25 يونيو 1951 وانخمد لهيبها في 27 يوليو 1953 باتفاق هدنة بين طرفيها الطرف الكوري الشمالي والطرف الأمريكي وتوابعه (20 إلى 30 دولة). وكانت هذه الحرب لهيب اشتعال قديم بدأ بإستعمار اليابان شبه جزيرة كوريا عام 1905 وسعيها لاستعباد وإلغاء هوية مجتمعاتها، من ثم اشتعلت المقاومة في الشمال الجبلي القليل الإمكانات وخضعت نخبة الجنوب ومع انسحاب اليابان في عام 1945 حاولت أمريكا وبريطانيا وحكام الجنوب وال-ول التابعة السيطرة على الأمور لكن الشمال قاوم كل المحاولات الأمريكية القيادة ورد بقوة على القوات الغازية. وألحق بها هزائم كبيرة رغم استخدامها تقنيات الحرب الجرثومية.


(ب) طبيعة التفاوض:
لم يقدم شمال كوريا أي تنازل عن مبدأ سيادة الكوريين على شؤونهم ولزوم انسحاب القوات الأمريكية والبريطانية وباقي الدول ولم تتنازل أمريكا عن هدف تنحي الشيوعيين من حكم شمال كوريا.


(ج) نتيجة المفاوضات:
في 27 يوليو 1953 وقعت الكوريتان إتفاق هدنة نص على 1- وقف اطلاق النار، 2- اعتماد خط العرض 38 حداً فاصلاً بين الدولتين وسط حزام عرضه كيلومترين محرم فيه أي نشاط عسكري (منطقة ممنوعة السلاح)، 3- تبادل الأسرى.

بقى التقسيم الحربي بين دولتي كوريا حتى الآن (2024) عدا وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمنطقة منزوعة السلاح، بقيت كل المعالم غير النارية للحرب ولم تتم أي لقاءات بين شقي كوريا إلا في عامي 2000 و2007 ثم لقاء في 2018 مهد لقمة في نفس السنة بين كوريا الشمالية وامريكا.


بقيت الأوضاع المتوترة بين دولتي كوريا مصدراً لتغذية التوتر العالمي قبل وبعد الحرب الباردة ومثلت مثل الشرق الاوسط قنبلة موقوتة تهدد وجود العالم خاصة مع زيادة الاستفزازات العسكرية والإعلامية التي تمارسها أمريكا وبريطانيا واليابان وتايوان وكوريا الجنوبية والفيليبين ضد الصين وكوريا الشمالية إما لفصل تواشجهما أو لتخريب علاقات الدولتين مع روسيا ومع باقي دول العالم.

كانت كل حلقة من السلسلة الطويلة من الإستفزازات التي تمارسها دول المعسكر الإمبريالي ضد كوريا الشمالية تقابل برد حاسم من كوريا الشمالية لكن هذا الوضع الخطر على السلام العالمي يتداخل مع احتمالات سالبة تهدد في الحاضر والمستقبل الوضع السلمي الهش في المنطقة.



10- فيتنام:

(أ) من تاريخ الحرب:
بعد إنتصار الفيتنام على فرنسا في 1954 بدات حرب فيتنام ضد التدخل الامريكي في 1 نوفمبر 1955 وانتهت بعد حوالى 20 عاماُ عشية 1 مايو 1975 وقد شملت فيتنام وكمبوديا ولاوس وأجزاء من تايلاند وشاركت فيها ضد الفيتناميين وسكان كمبوديا ولاوس جيوش أمريكا وأستراليا ونيوزيلندا وقوات الحكام الموالين لأمريكا في كوريا الجنوبية والفلبين وتايلاند وتايوان وجنوب فيتنام ولاوس وكمبوديا.

(ب) معالم اتفاق باريس للسلام 1973:
كان اتفاق باريس للسلام في 27 يناير 1973 خاتما لعدد من جولات التفاوض بدات في 10 مايو عام 1968 وقد نجح الاتفاق في تحقيق السلام لبضعة ساعات اذ تم خرقه من الجانب الأمريكي ومن جانب الفيتناميين، وكان التفاوض لبناء الاتفاق قد تم بين ممثلين لقوات وحكم الثورة الشعبية في الجنوب وداعميهم من شمال فيتنام في جهة وفي الجهة الضد قوات وحكومة جنوب فيتنام والحكومة الأمريكية.

(ج) أهم بنود الاتفاق الفاشل:
وقف إطلاق النار وتكوين لجان رقابة عسكرية مشتركة ولجنة دولية من كندا والمجر وإندونيسيا وبولاند وانسحاب القوات الأمريكية وحلفاءها من فيتنام وكمبوديا ولاوس وإزالتها الألغام وإطلاق الأسرى ووقف التمدد العسكري لفيتنام الشمال في الجنوب وتكوين مجلس إنتقال يدير انتخابات في جانبي البلد. في اول مايو 1975 كانت فيتنام قد ألحقت الهزيمة باخر قوات أميركية في البلاد.



11- محادثات جنوب وشمال السودان:

(ا) معالم المفاوضات:
دارت أربعة مفاوضات في أعوام 1947، 1965 و1972 و2003 وكانت بين ممثلين لنخبة كل مجتمع وتراوحت بين موضوعات تنوع ووحدة وظروف الدولة والمساواة وإجراءات الإصلاح والتمييز الإيجابي والحكم الذاتي وتقرير المصير والإستقلال.

(ب) الوسطاء والأصدقاء:
كان لبريطانيا وكينيا ويوغاندا وتنزانيا وإثيوبيا ومنظمة الوحدة الإفريقية ثم الهيئة الحكومية الافريقية للتنمية (إيقاد) أدوار مهمة في أمور الحرب والسلام لين جنوب وشمال السودان وهي أدوار تفاوتت في الزمان والنوع والفاعلية.

(ج) عراقيل داخلية:
عدا تفاوض عام 1972 ونجاحه المعروف بإسم "اتفاقية أديس أبابا" كانت الإختلافات داخل كل طرف وكذلك الاختلافات بين كل وفد وجمهوره كل وفد وقيادته سمة عامة في باقي المفاوضات أخرت نجاحها.

(د) التطور السياسي للتفاوض:
في مؤتمر جوبا عام 1947 اتفق الجنوبيين والشماليين على وحدة السودان وفي مؤتمر الخرطوم عام 1965 تحددت موضوعات النزاع وفي مؤتمر أديس 1972 تم الاتفاق على الحكم الذاتي والتمييز الإيجابي ونجحت المعاهدة في إقرار حالة سلام دامت عشرة سنوات.

بعد خلافات جنوبية-جنوبية و شمالية-جنوبية اشتعلت الحرب عام 1983 لكن في عامي 1987 و1989 توافقت غالبية القوى السياسية على عقد مؤتمر دستوري يعيد هيكلة الدولة على أسس المساواة ثم انقطعت الجهود بانقلاب الإسلاميين العسكري في 1989.

تعددت وتنوعت المبادرات في الأعوام من 1991 إلى 2001 حول الحوار ثم السلام من الداخل والشراكة الموجبة وعلى حق تقرير المصير من ثم تم الاتفاق في ماشاكوس 2002 و نيفاشا 2003 على شراكة يتبعها استفتاء على تقرير المصير وانتهى ذلك لإستقلال جنوب السودان 2011 عن السودان، ولكن بعد فترة من الإستقلال تحولت القلال والنزاعات الصغيرة في جنوب وفي شمال السودان إلى إنفجارات عسكرية كبيرة بأسباب ترتبط أيضاً بمظالم تقسيم السلطة والموارد.




12- اتفاق شط العرب:

(أ) معالم الاتفاق:
عقد الاتفاق المشهور بإسم "شط العرب" بين العراق وايران في 6 مارس 1975 في الجزائر واقر به العراق بان حدوده النهرية مع ايران هي منتصف شط العرب واقرت إيران ان توقف النشاط المضاد لقوانين العراق المنطلق من أراضيها وان تكون حدودها البرية مع العراق وفق اتفاق القسطنطينية 1913 وقرارات لجنة رسم الحدود بين إيران والدولة العثمانية 1914.

أثمر توافق الجزائر اتفاقا مفصلا عقد في 13 يونيو 1975 متضمناً ثلاثة موضوعات: 1- تعيين الحدود البرية 2- تعيين الحدود النهرية 3- إجراءات أمن الحدود. وقد أكدت مادته الخامسة ان خط الحدود البرية والنهرية المتفق عليه ((لا يجوز المساس به وأنه دائم ونهائي)) وفي 12 مارس 2019 أعلنت الدولتان إعادة العمل باتفاق شط العرب بعد ان قامتا على حدة بالغاءه عام 1980.


(ب) الوسطاء والأصدقاء:
في عام 1975 لعبت الجزائر الدور الأعظم في عقد "اتفاق شط العرب" ومنذ عام 2020 حثت الصين الدولتين على بعث وتحقيق الاتفاق.



(ج) عراقيل:
عانت المراسلات والمباحثات من عقابيل التوتر السياسي داخل كل دولة ومن التوتر والنشاط العسكري المضاد المتبادل بين الدولتين. أما عملية ضبط الحدود بين البلدين وهي عملية قديمة بدأت في القرن السابع عشر فعانت من مشكلات عدداً أهمها:
1- تباين النشاط الاداري المحلي واختلافه عن الوضع الدولي،
2- تغير مجاري النهيرات،
3- تغير حركة المجتمعات واختلاف التعامل السياسي مع الأكراد كمجتمع أو كوردستان كمنطقة،
4- تأثير التدخل البريطاني وتعديلاته الحدود في العشرينيات والثلاثينيات.


(د) الوضع السياسي لبداية ومآلات الاتفاق:
منذ آلاف الأعوام كان التداخل والتنافر بين مجتمعات البلدين يصعب تعيين حدود قاطعة بينهما خاصة في منطقة شط العرب والأحواز حيث ضمت بريطانيا غالبية مناطقها الغنية بالنفط إلى إيران فزادت نزاعات، كما عمرت الخلافات باتفاقات تعالج أجزاء من أزمة مجتمعات الحدود وتترك أجزاء أخرى من ثم اتسمت العلاقات بين الدولتين بتوالي الإتفاقات والحروب. وفي معاهدة 1937 أصبحت غالبية شط العرب ملك العراق لكن إيران الشاه ألغت ذلك الاتفاق في 19 أبريل 1969 بإوعاز بريطاني أميركي.

نتيجة لتوتر الأوضاع الدولية والإقليمية وداخل الدولتين صار الخلاف الحدودي بينهما على ملكية تلك المنطقة الصغيرة مثار توترات وحروب تصل بعض تقديرات عدد قتلاها إلى ثلاثة ملايين ويصل تقدير تكاليفها المالية الوطنية اكثر من مائة مليار من كل دولة من الدولتين بينما وصل تقدير الأموال الأمريكية التي بذلت في شؤون حروب منطقتها الكبرى إلى تريليونات الدولارات.

















13 مباحثات ومفاوضات الدول العربية وإسرائيل،

(أ) تاريخ الحروب وبداية الاتفاقات:
بدأت أمور الحرب والسلم في الشرق الاوسط بتتالي بعض معارك غزو واتفاقات إذعان أولاً في بدخول فرنسا الجزائر عام 1830 ثم دخول إنجلترا عدن عام 1839 وإستولاءها على مصر وامتداداتها حتى الصومال عام 1882.

زادت الأمور سوءاً مع تقسيم وتوزيع مستعمرات الإمبراطورية العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى ومعاهداتها ومنها في العالم العربي اللغة قطعت بعد الحرب اوضاع خاصة لسواحل شبه الجزيرة العربية وبقيت دواخل اليمن وعمان ونجد والحجاز بإستقلالهم القديم مع نفوذ انجليزي أما الشام (سوريا الكبرى) فاخذتها فرنسا بينما أخذت إنجلترا العراق ومصر و ضفتي نهر الأردن ثم قامت إنجلترا وفرنسا بتحويل أجزاء من هذه البلاد العربية والممتلكات العثمانية إلى بلاد شبه مستقلة: حيث قسمت الشام إلى سوريا ولبنان وقسمت ضفتي نهر الأردن بلدين فلسطين والأردن، وجرى محو الوجود العثماني المصري في الجزيرة العربية والسودان والصومال، كذلك تم ضم جزء من العراق إلى إيران وجزء من سوريا إلى تركيا واتبعت مشايخ الخليج إلى إدارة الهند إضافة إلى ضم إيطاليا ليبيا وإريتريا وجزء من الصومال وجرى لفترة فصل جنوب السودان عن شماله إضافة لفصل السودان الفرنسي عن السودان البريطاني. ووسط أتون هذه التقسيمات القديمة جاء قرار الأمم المتحدة في عام 1947 بتقسيم فلسطين .

أشعل قرار تقسيم فلسطين حروبا بين الدولة الإسرائيلية وكل من الفلسطينيين ومصر والأردن وانتهت جولة معارك 1948 بتحقق وجود إسرائيل ثم في 1956 لعبت المقاومة المصرية والإنذار السوفييتي دوراً حاسماً في هزيمة العدوان الثلاثي الإسرائيلي البريطاني الفرنسي على مصر، وبعده بعقد من الومان تمكنت إسرائيل بمساعدة الأقمار الإصطناعية الأمريكية من تحديد وضرب كل المطارات الحربية المصرية والسورية والأردنية ومن ثم تمكن الطيران الإسرائيلي من ضرب الجيوش الثلاثة وهزيمتها واحتلال أراضي سيناء وجزء من الهضبة السورية والضفة الغربية حتى هزمته نفس الجيوش عام 1973 من ثم بدأت مباحثات ومفاوضات السلام.

أضعفت مشروعات واتفاقات تحقيق السلام الوضع الفلسطيني والعربي وقوت الجانب الإسرائيلي.من اول بداية لاتفاق التفريق بين فلسطين و الأردن عام 1921 إلى مباحثات فض الاشتباكات 1947 1949 ومبادرة روجرز 1970 كما أدت مفاوضات السلام منذ 1973 الى 1993 واختها في 2000 و2020 إلى انقسام الدول العربية وتقسيم القضية الفلسطينية حول ترتيباتها وحول الاستراتيجية العامة للحرب والاستراتيجية العامة للسلام ثم زادت انقسام الفلسطينيين.

(ب) بعض من فن وهندسة المفاوضات:
مقابل فتات للنخب الإسرائيلية والنخب العربية تم توقيع اتفاقات أعطت الشرعية لإسرائيل وأنشطتها التجارية و لأنشطتها العسكرية في قمع واضطهاد غالبية الفلسطينيين وأنشطتهم باعتبارهم وأنشطتهم "اعداء للسلام". وكانت أهم تكتيكات تحقيق هذه النتيجة هي تنويع وتقسيم وجدولة القضايا الكبيرة ثم تفريق وتقسيم القضايا الأصغر وربطها بحل القضايا الأكبر أو فصلها عنها.


(ج) جهود واتفاقات السلام:
تكونت مفاوضات السلام واتفاقاته الكبرى بين بعض الدول العربية وإسرائيل بسبع جولات هي:

1- مبادرة روجرز الأمريكية:
قدمت في 5 يونيو 1970 وقامت على وقف إطلاق النيران بين مصر وإسرائيل لفترة 90 يوماً ومفاوضات لتنفيذ القرار 242. استجاب الطرفان للمبادرة في 8 أغسطس 1970 ثم تحللا منها في 4 فبراير 1971 حيث عادا إلى حالة "اللاسلم واللاحرب".

2- مباحثات فض الاشتباك 1073 1977:
بموجب قرارات مجلس الأمن المتتالية بالأرقام من 336 إلى 340 والمصدرة منذ 22 اكتوبر 1973 إلى مباحثات إسرائيل ومصر لتحديد مواقع الجيوش باتجاه تراجع القوات الإسرائيلية نحو حدود 1967 وكانت عروتها خطين أحمرين بين الجيوش بينهما منطقة عازلة وانعقدت في 28 أكتوبر 1973 ثم في مؤتمر جنيف 21 ديسمبر 1973 واتفاقه الشكلي الأول في 18 يناير 1974 على وقف إطلاق نار وتثبيت أوضاع القوات على الخطين ثم اتفاقية فض الاشتباك الثانية في 1 سبتمبر 1975 التي حددت نقاط ومواقيت التنفيذ وبينهم تم اتفاق فض الاشتباك بين مواقع الجيش السوري والجيش الإسرائيلي 1975.

3- زيارة السادات إلى القدس وكامب ديفيد:
زار الرئيس المصري السادات إسرائيل في 19 نوفمبر 1977 ومهدت الزيارة للقاء وكامب ديفيد واتفاق دوله الثلاثة في 26 مارس 1978. وقد تأسس اتفاق كامب ديفيد على مبادرة الرئيس الأمريكي كارتر التي شملت خمسة معالم هي:
(أ) أن تشمل كل جيران إسرائيل،
(ب) أن تؤطر بالقرار 242،
(ج) إكمال إجراءات اللازمة لتحقيقه،
(د) فتح الحدود والتجارة للإسرائيليين والعرب،
(هـ) يسمح للفلسطينيين بتأسيس حكم ذاتي مستقل وليس دولة.

■ عملياً وفرت الاتفاقات إعترافاً بشرعية إسرائيل وبدأت إجراءات توفير السلام الإقتصادي الإجتماعي لها قبل ان تقوم إسرائيل بإرجاع الأراضي التي احتلتها عام 1967 وقبل أي إرجاع وتأمين حقوق في الفلسطينيين وقضيتهم وهي القضية الأساس التي أوقدت الحروب في المنطقة من ثم كانت آثار المفاوضات واتفاقات السلام في المدى البعيد حامية لوجود إسرائيل ونشاطها داخل المنطقة العربية.

■ اما في المدى القريب فقد مكن اتفاق كامب ديفيد مصر تدريجياً من استعادة الباقي من سيناء وجزء مهم من سيادتها عليها وسبق ذلك مرور سفن إسرائيل مايو 1979 في قناة السويس واستقبال سفير مصري في تل أبيب في 24 فبراير 1980 وسفير لإسرائيل في القاهرة في 26 فبراير 1980 وإنهاء حظر التعامل التجاري والمدني بين البلدين. زاد تشجيع الإستثمار الاجنبي ورفع الحظر على إسرائيل إمكانات نشاطها وتغلغلها في الإقتصاد والمجتمع المصري عبر واجهات اوروبية و امريكية ودولية.

■ بتأثير اختلاف اوضاع القوات وتباين اطراف وزمان وموضوعات المفاوضات القديمة ثم تاثير اختلافات مصر وسوريا على وقف إطلاق النار وفض الاشتباك وجنيف 1974 ثم تأثير "كامب ديفيد" ظهر تفاوت ترتيب الإستراتيجيات والتاكتيكات داخل كل طرف خاصة الطرف العربي الذي غلب عليه التفرق وسياسة رد الفعل المنفرد وأدى هذا التفاوت في تقدير الاستراتيجيات ومتطلباتها إلى ضعف عربي كبير في مباحثات واتفاقات السلام (الأربعة) اللاحقة وهي:
4- "اتفاق أوسلو" 13 بين إسرائيل والفلسطينيين، 13 سبتمبر 1993
5- "اتفاق وادي عربة" بين إسرائيل والأردن، أكتوبر 1994،
6- قمة كامب ديفيد الإسرائيلية-الفلسطينية، 11 إلى 25 يوليو 2000،
7- اتفاقات ابراهام بين إسرائيل ودول الإمارات والبحرين والسودان والمغرب 2020.

(د) الوسطاء وطبيعة نشاطهم:
لعبت أمريكا الدور رئيس في عمليتي الحرب والسلام بداية بممارسة ضغوط على مصر ودعم إسرائيل 1967 ثم بعرض إغراءات إقتصادية وعسكرية على الدولة المصرية وبشغل الدولة السورية بأزمات مع جيرانها وداخل سوريا، وتصعيد بعض الاختلافات والخلافات العربية، والاستعمال الدبلوماسي البارع لامكانات علم النفس ووهم "كسر الحاجز النفسي" والتمويل والبترودولار والإعلام.

لعبت دول غرب أوروبا فرنسا وألمانيا وبريطانيا وقليل من إيطاليا وإسبانيا بحكم أنشطتها في المنظومة المالية والإعلامية ومنظومة التسليح وأنشطة المخابرات و الدعاية دور المساعد الرئيس لقيادة أمريكا لعملية السلام. وقد وقفت الدول الغربية ضد الجهود السوفيتية التي تبدأ بضرورة اقراؤ إسرائيل بحقوق الفلسطينيين.

سارت جهود أمريكا وغرب أوروبا على خط الفصل النفسي والعملي بين أزمة الوضع الفلسطيني (أساس الحروب) والنزاعات الإسرائيلية مع الدول العربية بعد حرب 1967 فبشكل تدريجي تم تحويل الحالة المصرية من نتيجة من نتائج الأزمة الفلسطينية إلى لعب دور مقدمة لحلها ثم نقلت الأنشطة المصرية من حال أو حالة حامي الفلسطينيين إلى حال حليف لهم ثم استغلت خلافات الفلسطينيين لتحويل دور مصر إلى حال/حالة حليف لبعضهم ثم إلى حال أو حالة وسيط وأحيانا إلى حال مراقب.

(هـ) النتيجة العامة:
بزيادة الإرتباط الأمريكي المصري تم تحويل القضية العربية الفلسطينية مع إسرائيل وجعلها ملحقا هامشياً بقضيتين: قضية حدود وتعامل مصر وإسرائيل وقضية أقل أهمية بين إسرائيل والدول العربية الأخرى فعلى هامش القضية الرئيسة مع مصر والقضايا الهامشية مع باقي الدول العربية وضعت قضية فلسطين وحصرت في كيفية إدارة إقليمين هما مدينتين كبيرتين اي "رام الله" و"غزة".

رغم كثرة الكلام عن قرار مجلس الأمن 242 تبلورت اتفاقات السلام كإنهاء رسمي/شكلي لحالة الحرب وحرية لنشاط البزنس الصهيوني الارتباط في دول السلام العربية مقابل إرجاع جزء من أرضها المحتلة 1967 مع بضعة اشارات إلى أزمة حقوق الفلسطينيين. أي ان عمليات السلام اهتمت باطفاء الحرائق الصغيرة وتركت مصدر النيران مشتعلاً.


(و) النتيجة المعاصرة (2024):
مع التأجيل الناعم المستمر لضرورة إعتراف إسرائيل وتأمينها حق الفلسطينيين في تأسيس دولة لهم تفاقمت الأزمة الأمنية بين الكيانات الفلسطينية والكيان الإسرائيلي وانتهت في عام 2024 إلى حرب كبيرة بين جيوش إسرائيل وأمريكا وبريطانيا وتوابعها في جهة والفلسطينيين في الجهة الضد مع عون متقطع لهم من منظمات في لبنان واليمن والعراق وايران. بشكل عام تفاقمت أمور انهاء هذه الحرب التي صارت مهددة بنشوب حرب اقليمية وعالمية و إبادة عددة كثير من الفلسطينيين والبشر.



14- مفاوضات اتفاق جنوب إفريقيا:

(أ) ظروف النزاع:
كانت بلاد جنوب افريقيا حواكير أو ممالك قبيلية تعيش حياة مكتفية حتى عام 1488 عندما وصل الاوروبيون إلى المنطقة ثم بدأوا الحرب ضد المجتمعات الإفريقية قبل أن يتصارع الاوربيون في نزاعات بينهم انتهت لتكوين أربع دول مستعمرات كبرى (ناتال ونهر اورانج وترانسفال والكيب) بعد "حرب البوير" في 1899 بين المستعمرين الهولنديين والمستعمرين الانجليز نشأ قوام الدولة الواحدة.

عرفت الفترة منذ عام 1500 إلى عام 1990 باحتكار الأوربيين الأرض والسلطة ومنع أي وجود افريقي فيها إلا لخدمة الإرادة الإستعمارية وهو النظام المعروف باسم "الأبارتايد" أو الفصل العنصري وتم تقنينه عام 1917 وبقوة اكثر عام 1948 حيث قيد وجود وحركة الأفارقة في المدن الأوروبية وامتداداتها بينما تركت لغير الأوروبيين مناطق حكم ذاتي لا موارد لها رغم ان الدولة تأخذ ضرائب من الأفارقة ومن الأوروبيين لكنها تمنع الأفارقة حقوق الاقامة والحركة والتعليم والعلاج إلا وفق شروط التمييز العنصري.

بشكل وئيد اتخذ النضال الإفريقي سمات متنوعة أهمها:

(أ) سمة النضال الطبقي بالمطالب والمذكرات والإضرابات والتظاهرات والمعارض والمهرجانات والنشاط الثقافي والسياسي الدولي والعنف الدفاعي، واشهر واجهاته "المؤتمر الوطني الافريقي" وهو اطار سياسي لنضالات اتحاد النقابات ومنظمة التحرير والحزب الشيوعي ومعهم اتحاد الشباب واتحاد النساء.

(ب) سمة قومية بعضها مضاد لكل الأفكار الاثنوسياسية وآخر جامع افريقي مضاد لعموم الأفكار والأنشطة الأوروبية. وأشهر واجهاته "الجامعة الإفريقية".

(ج) نضال متفرق في بعض مجالات الثقافة الكتابية والصحفية والفنية شملت مائزين في هذا المجال وبعض مجالات الدين وأهمها الكنيسة الكاثوليكية وسط المسيحيين والطائفة الاسماعيلية وسط المسلمين وجماعات يهودي ة معادية للصهيونية والارتباط بين ثقافات الحكم العنصري والنازية وإسرائيل وإضافة إلى نضالات التحرر من العنصرية والاستغلال والتبعية أنشطة اخرى للجمعيات الخيرية والجمعيات المدنية.

بشكل عام زاد معدل التصادم بين النظام العنصري وهذه الأنشطة وسط حالة من الضغط العالمي في قضايا المساواة والعدالة الاجتماعية أدت إلى انقسامات في النظام العنصري والى وحدة في النضال الإفريقي ضده بشكل يهدد انفجاره بافناء وجود الاوروبيين نفسهم ما جعل حكمهم يفضل
انهاء نظام التمييز العنصري مقابل ابقاء الموارد الاقتصادية المالية في يد الأوروبيين.

(ب) المباحثات:
1- مع ارتفاع رايات النضال الافريقي في العالم عقدت في عام 1974 مباحثات بين فريق حكومي وفريق قبيلة افريقي مثله حاكم حاكورة كوا-زولو-ناتال انتهت إلى الإقرار بوجود أزمة في علاقات المجتمع والدولة وأهمية حلها سلمياً بمشاركة كل مجتمعات جنوب افريقيا وهو ما استفاد به العنصريون الأوروبيون في في تفريق النضال الإفريقي.

2- في عام 1982 مع اشتداد النضال العسكري الافريقي عقدت لقاءات متفرقة بين قيادة الأمن والسجين نيلسون مانديلا حسنت اوضاع المعتقلين والمسجونين الأفارقة.

3- في عام 1985 بدات سلسلة ندوات بين داكار في السنغال وكوزن هاوزن في ألمانيا اسهمت بعد تحديدها نقاط الاختلاف في وضع أطر الحلو

4- اتفاق "قمة ريكافيك" بين الدول الأمريكية المتحدة واتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية على احالة قضايا الديموقراطية إلى ارادة شعوبها لكن وفق انتقال ليبرالي دفع جهود تسوية الصراعات بتركيز في مسألة جنوب افريقيا على موضوع المساواة والحريات السياسية.

5- أعلن الحكم العنصري في فبراير 1990 إلغاء نظام التمييز العنصري في مختلف المجالات التي كان سائدا فيها وإطلاق سراح المناضلين الأفارقة وإجراء انتخابات وفي عام 1994 انتهت الانتخابات إلى فوز كاسح للنضال الأفريقي وتوليه أعمال إدارة الدولة بينما بقيت المصالح الاقتصادية والمالية الكبرى في يد الأوروبيين والشركات الأجنبية المعفاة من الضرائب وصار على الحكومة الافريقية القوام تحسين اوضاع معيشة الافارقة بدون اهم موارد بلادهم.




(ج) الوسطاء:
لم تتوفر أي وساطة دولية بحكم ان النظام العنصري كان متمتعاً بتأييد الدول الإمبريالية وكان يرفض التعامل مع الدول الاشتراكية التي كانت تعتبره نظاما عنصرياً معادياً لقيم التعايش السلمي وكرامة الانسان ووجهاً من وجوه النازية. كما ان الفترة من عام 1975 إلى عام 1985 من تاريخ أنشطة السلام في العالم كانت فترة تركيز على قضايا الشرق الأوسط لكن كما كل نضالات السلام شكل العنف الحكومي وردود الفعل الضخمة على جرائمه عاملاً مهماً من عوامل تقدم أطراف النزاع في إجراء مباحثات تخفف الصدام من ثم نمى التعامل السلمي.


(د) هندسة وفنون التسوية:
اتفقت جهود التسوية على عزل قضية الحكم والمساواة في الحقوق السياسية عن قضية العدالة الاجتماعية وإبقاء سيطرة الأوروبيين وهم 8% من السكان على 90 % من موارد البلاد.


(هـ) نتيجة التسوية:
تولي الافارقة إدارة أمور الدولة دون موارد سهل التغلغل الاجنبي وزاد الصراعات الإفريقية.


15- لبنان،

(أ) طبيعة النزاعات والحروب اللبنانية:
منذ أيام الإمبراطورية الاسلامية العثمانية كان لبنان مركزاًٍ لتجمع أقليات إثنودينية وطائفية يضبطها باشوات وعسكر الإمبراطورية بالحديد والنار وإمازات معنوية ومالية لسادة كل طائفة اقلها للشيعة في عام 1860 انفجرت نزاع دموي كبير بين المسلمين والمسيحيين بدأ قديماً بين النخب ثم سرت ناره فتدخلت الدول الأوروبية التي كانت تؤجج الصراع وشكلت مع العثمانيين لجنة دولية غيرت نظام حكم المنطقة بين عامي 1861 و 1918 حتى أصبح "متصرفية جبل لبنان" يحكمه مسيحي أجنبي.

قبل وبعد اتفاقات سايكس-بيكو 1917 ونهاية الحرب العالمية الأولى ومؤتمر باريس 1919 ثم نهاية الباقي من الإمبراطورية الاسلامية العثمانية كان ولم يزل لبنان جزئاً نسبياً من سوريا الكبرى خاضعاً معها للحكم الفرنسي إلى يوم 1 سبتمبر 1920 حيث أعلن الجنرال الفرنسي غورو وجود لبنان بشكل مستقل عن سوريا الفرنسية الانتداب وعن شمال فلسطين، وقد كانت سوريا والعراق وشرق نهر الأردن تحت المُلك الهاشمي.

بدأ استقلال لبنان عن فرنسا في 22 نوفمبر 1943 وحظي باعتراف الدول منذ 1 يناير 1944 لكن القوات الفرنسية لم تنسحب منه إلا في عام 1946 وفي عام 1948 استولت إسرائيل على بعض مناطق جنوب لبنان كما دفعت واندفعت إليه جموع من المهجرين واللاجئين الفلسطينيين.

في عام 1958 ومع إعلان الوحدة العربية بين مصر وسوريا تحول حكام لبنان المسيحيون إلى جانب المعسكر الإمبريالي وحلف بغداد وفي يوليو 1958 استدعوا القوات الأمريكية كما تأهب الأردن لضرب سوريا وزاد ضغط إسرائيل على الجنوب وكان الفلسطينيون قبل وبعد حرب 1967 قد بدأوا الإنتباه إلى تنظيم أنفسهم وزادت عمليات المقاومة الفلسطينية التي كانت تعقبها ضربات انتقامية إسرائيلية.

كانت المنطقة العربية ولبنان وجنوب لبنان في حالة تحول إقتصادي وإجتماعي، ومع الضغطين الفلسطيني والإسرائيلي على السياسة اللبنانية سخنت نزاعاتها القديمة بين نخبتي المسيحيين والمسلمين وبين الكادحين اللبنانيين وسادة الأراضي والطوائف والدول الداعمة لكل فريق.

انفجرت الأوضاع اللبنانية في شكل نزاع مركب اختتم بـ"اتفاق القاهرة" 3 نوفمبر 1969 ثم تجدد النزاع بانفجار الحرب الأهلية في 13 أبريل 1975 فغزو إسرائيل لبنان وفرضها اتفاق 17 مايو 1983 بين سلطة لبنان الشكلية وأمريكا وإسرائيل ثم إلغائه وتجدد النزاع حتى ما بعد إتفاق الطائف 1989.

(ب) اتفاقات لبنان الحديثة:
منذ القرن التاسع عشر تكاثرت النزاعات والاتفاقات في لبنان وبحكم طبيعة موقع لبنان وامتدادات تركيبته السكانية والسياسية وقد واشجت نزاعاته واتفاقاته عناصر محلية وإقليمية ودولية. وكانت أهم اتفاقاته بعد استقلاله عام 1946 هي: 1- إتفاق الهدنة اللبنانية الإسرائيلية 1949، 2-- اتفاق القاهرة 1969،- 3 اتفاق خلدة 1983، 4- اتفاق الطائف 1989، 5- اتفاق تسوية الحدود البحرية 2023 ، وبالامكان تفصيل هذه الاتفاقات على النحو الآتي:

1- اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل :
كانت جزئاً من اتفاقات الهدنة العربية الإسرائيلية وختم تفاوض لبنان وإسرائيل في 23 مارس 1949 في بلدة رأس الناقورة اللبنانية، وقد تضمن الاتفاق: (أ) إقرار الطرفين عدم استخدام القوة في تسوية القضية الفلسطينية، (ب) ألا تعني هذه الهدنة نهاية حقوق لأي من الدولتين ازاء الأخرى أو منع مطالبة بالحقوق، (ج) وقف أي أعمال حربية أو المساعدة عليها (د) تحجيم القوة العسكرية اللبنانية على الحدود إلى عدد ونوع محدود من الأسلحة.

اختلف حول كون الهدنة اتفاقاً مستقلاً أو انها جزء من إتفاقات الهدنة؟ وبالتالي مدى إرتباط بدء ونهاية كل حالة بسيادة الدولة منفردة أو بالموقف العربي؟ من ثم شمل الاختلاف مدى استمرار أو شرعية "إتفاق الهدنة" بعد حرب 1967 وإحتلال إسرائيل لمناطق لبنانية.

2- اتفاق القاهرة 1969:
في القاهرة في 3 نوفمبر 1969 بين ممثلي لبنان والثورة الفلسطينية برعاية مصر لتسوية النزاع بين القوات الفلسطينية والقوات اللبنانية. وقد نشأ ذلك النزاع بعد هزيمة الدول العربية في حرب 1967 ثم الانتصارات المتفرقة المصرية في معركة "راس العش" 1 يوليو 1967 ثم قيام زوارق مصر بتدمير البارجة "إيلات" 21 اكتوبر 1967 وانتصار الفلسطينيين في معركة الكرامة 21 مارس 1968 من ثم اتقدت روح الثورة على الهزيمة وتأجج معها الانتظام الفلسطيني وإصطدمت أموره بعراقيل عسكرية لبنانية هددت الوجود الفلسطيني فكان اول نزاع في الصف العربي بعد الثورة العربية في الحجاز والشام.

إتجه الفلسطينيون لبناء مراكز سياسية وتنظيمات ومدارس تدريب عسكرية في معسكرات اللجوء في الأردن وسوريا ولبنان لكن القوى العسكرية اللبنانية قررت في 28 سبتمبر 1968 منع تنمية المقاومة في "مخيم نهر البارد" من ثم (مع ذكريات خيانة فلسطين) هاج اللاجئين الفلسطينيين وأنصارهم وطردوا القوة العسكرية اللبنانية وفي اليومين اللاحقين احتلوا 76 وحدة عسكرية لبنانية (نقاط جيش ونقاط شرطة وجمارك ومخابرات). وقامت الدنيا.


باجتهاد مصر جمال عبدالناصر لحل الأزمة إتفق الطرفان في القاهرة على: (أ) تنظيم علاقاتهم بداية بحق الفلسطينيين في تنظيم وجودهم سياسياً وعسكرياً، (ب) إستقلال أنشطة الفلسطينيين داخل المخيمات، وحرية الدخول والخروج منها والتعامل التجاري والطبي معها (ج) تنظيم تمركز الفلسطينيين في بعض مناطق جنوب لبنان، (د) إحترام سيادة الدولة اللبنانية وعودة أنشطتها ومقراتها العسكرية خارج المخيمات.

تم إلغاء "اتفاق القاهرة" 1968 بـ"اتفاق خلدة" (1983) اللبناني الإسرائيلي قبل ان يلغى عام 1984 من ثم بقى اتفاق القاهرة ساريا حتى ألغي في 21 مايو عام 1987 وان بقيت كثير من مفاعيله.


3- اتفاق خلدة (1983):

(ا) ظروف الاتفاق:
بعد 7 أعوام من الحرب الأهلية اللبنانية وبحماية امريكية غرب أوروبية قامت إسرائيل في عام 1982 التي كانت تحتل مناطق كثيرة في جنوب لبنان بالتقدم شمالاً واقتحام بيروت، من ثم عقد اتفاق بين السلطة الشكلية اللبنانية وإسرائيل في 17 مايو 1983 في بلدة خلدة.

(ب) الوسطاء والمسهلين:
رغم ارتباطهم بالطرف الإسرائيلي وقوات حزب الكتائب لعب الأمريكان والفرنسيين دور الوسيط كما لعبت القوات الإسرائيلية وقوات حزب الكتائب وقدراتهم على الإغراء وعلى التهديد الدور الرئيس في عقد الاتفاق وإجازته. زمن ثم سرعة انهياره بعد انسحاب القوة الاسرائيلية وضرب القوات الامريكية والفرنسية وانسحابها .

(ج) قوام الاتفاق:
بعد بدء الاتفاق بتوكيد إحترام أمور السلام والعدالة وسيادة الدول وحقوق الإنسان نص على:
(أ) إنهاء حالة الحرب بين الدولتين، (ب) وقف جميع الأعمال العدائية، (ج) انسحاب إسرائيل من لبنان في فترة شهرين ثلاثة، (د) تكوين لجنة مشتركة مع أمريكا ومكاتب اتصال تابعة لها تقود إنفاذ بنود المعاهدة، (هـ) إلغاء جميع المعاهدات والقوانين المخالفة للاتفاق (و) وقف كل الأعمال العدائية (ز) تأسيس منطقة عازلة داخل لبنان.

(د) نتائجه:
تحت أسنة أسلحة قوات اسراليل وقوات الكتائب عقدت جلسة برلمان في 14 يونيو 1983 أقرت الاتفاق أعقب التصديق عليه رفع الناس السلاح ضده وعقدوا جلسة للبرلمان ألغت الاتفاق في 5 مارس 1984 وبقيت إسرائيل محتلة 158 قرية وبلدة في جنوب لبنان حتى 25 مايو عام 2000 حيث اضطرت الى الانسحاب منه.


4- اتفاق الطائف (1989):

(أ) ملامح الاتفاق:
صدق عليه مجلس النواب اللبناني في 5 نوفمبر 1989 وأقره مجلس الأمن الدولي مرتين في 11 و22 نوفمبر 1989 ودعم مجلس أوروبا في 9 ديسمبر 1989 وقد عقدت أهم مفاوضاته في مدينة الطائف السعودية بين (كافة) القوى السياسية اللبنانية برعاية سوريا والسعودية تحدوهم القوى العظمى المتحالفة معهم. وأصبحت له قيمة تأسيسية ودستورية لاستقرار لبنان.

(ب) الوسطاء وفن وهندسة الاتفاق:
تم الاتفاق برعاية السعودية وقد نسقت مشاوراته كل من المغرب والجزائر، وكان تسوية ورضوى لشيوخ السياسة القديمين ومغامريها الجدد. وقد لعب قادة الأديان دوراً مهماً في تسوية الأمور. ورغم كلامه عن الديموقراطية والمساواة إلا انه شكل إطاراً لتجديد النظام الطائفي اللبناني.

(ج) بنود الاتفاق:
شمل الاتفاق نصوصاً وكدت على: (أ) استقلال لبنان ووجوده العربي وأنه جمهورية ديمقراطية برلمانية، (ب) العلاقة الخاصة مع سوريا، (ج) تحرير كامل أراضيه وحق مقاومة الاحتلال، (د) زيادة عدد أعضاء مجلس النواب إلى 128 ومناصفة مقاعده ومقاعد مجلس الوزراء الـ30 بين المسيحيين والمسلمين [رغم انخفاض نسبة المسيحيين في المجتمع إلى 40%] (هـ) خفض السلطات المنفردة لرئيس الجمهورية وإلتزامه برأي الكتل البرلمانية في إختيار وتعيين رئيس الوزراء ومنع الحكومة من إتخاذ قرار حال تغيب ثلث ⅓ أعضاء مجلس الوزراء، (و) تكوين مجلس دستوري ومجلس اقتصادي اجتماعي (ز) تبعية قيادة الجيش لمجلس الوزراء وحل جميع الميليشيات الوطنية وغير الوطنية ونزع أسلحتها والإقرار بالحق في مقاومة الإحتلال ومحاربته.

(د) النتيجة العامة لاتفاق الطائف:
ختم الحرب الأهلية التي بدأت عام 1975 بإقراره ترضية عددية لتمثيل كتل المسلمين في السلطة العليا بعد حوالى 150 عاماً من شبه هيمنة عائلات مسيحية، وبهذا جدد النظام الطائفي، كما وكد الاتفاق جزئاً من إرتباط أوضاع لبنان وصراعاته بأوضاع الصراع الإقليمي والدولي وفشل انفراد طائفة أو كتلة أحزاب بإدارة أموره. من ثم بعد انسحاب سوريا من شؤونه زادت فيه مختلف أنواع الإضطرابات وتعطلت فيه كثرة من أمور الدولة السيادية والخدمية وصارت اموره تحتاج إلى اتفاق جديد وغالبا إلى ثورة شاملة متنوعة ومتزامنة ومتكاملة.

بشكل عام مع استمرار الحرب الاسرائيلية الأمريكية ضد مقاومة المجتمعات والدول العربية بقيت عوامل تجدد التوترات القديمة بين القوى اللبنانية وبالإمكان وصف النتيجة الحاضرة لاتفاق الطائف بانه خروج للبنان من مآسي الحرب الداخلية المفتوحة والموت والجروح السريعة ولكن بقي الوضع ككل اقل من ان يكون عادلاً ومحققاً لاستدامة سلام.


5- اتفاق تحديد الأعمال البحرية بين لبنان وإسرائيل (2022):

(أ) ملامح الإتفاق:
انعقد في 27 أكتوبر 2022 بين مناديب إسرائيل ولبنان وأمريكا والشركة الفرنسية عبر مفاوضات ورسائل إلى الوسيط الأمريكي وشركة توتال الفرنسية، ورغم ان طبيعته ترتيب مصالح اقتصادية تواشج اقتسام أعمال النفط والغاز لكن تم تعريفه بانه اتفاق لرسم الحدود. وإضافة إلى صعوبات تصنيفه فقد واجه الاتفاق صعوبات وشكوك في حساب مساحة المنطقة الاقتصادية لكل طرف.

(ب) هندسة الاتفاق وفنون تفاوضه وصياغته:
1- بدأت إرهاصاته منذ لقاءات لجنة الأمم المتحدة لمراقبة الحدود في عامي 1996 و2000 ثم نشطت في أعوام 2010 و2012 و 2020 و 2021 و 2022.

2- شيد الاتفاق في فترة شبه حصار اقتصادي على لبنان وتوتير علاقاته مع سوريا ومع الدول الخليجية وتدهور الأوضاع المالية والسياسية الداخلية في لبنان ونشاط إسرائيل العملي والإعلامي في بدء إستثمار الثروة البحرية من ثم تحت إلحاح حاجات المجتمع والدولة والسياسة تقدم لبنان بعرض اقتسام أعمال النفط البحرية وفق خط 23 بدلاً لخط 29 على ان تقتصر الأعمال على النفط والغاز.

3- قام الاتفاق على اخذ الشركة الفرنسية من لبنان على 17% من عائدات الإستثمار بينما لا توجد نسبة ثابتة لها من نشاطها في الجزء الإسرائيلي بل تعمل فيه بإرادة إسرائيل مع ضمان امريكي لعملها.

4- تغيير حساب منطقة بداية وزاوية خط تقسيم وجعله فاصلاً بين المنطقتين أو بين الحقلين حصر لبنان بين خسارة مساحة إستثمار أو خسارة زمن إستثمار.

5- سهل الإتفاق إستثمار المنطقة لكنه إستثمار نفطي في منطقة حرب مشتعلة.

6- عدم وجود حدود زمنية لتجديده.

7- في 29 سبتمبر 2024 صرح وزير الطاقة الاسرائيلي ايلي كوهين لاذاعة الجيش الاسرائيلي برغبة اسرائيل في تغيير الإتفاق أو إلغاءه.


(ج) الطبيعة والنتيجة العامة لكل إتفاقات السلام في لبنان:
إتسم وجود لبنان وصراعاته واتفاقاته بتعدد وتداخل عناصره العامة الاقتصادية السياسية والإجتماعية الدولية والإقليمية والإثنوطائفية والحكومية والشعبية وبتنوع وتداخل ثقافاتها بحيث ان كل صراع يشمل كتلة من التعقيدات تأخذ محاولات تحديده وحل أزماته زمناً طويلاً تتعقد فيه جوانب أخرى من الأزمة.

نتيجة لتعقد أزماته وطول فترة حلها اتسمت جميع اتفاقاته بالهشاشة والتآكل ومن ثم نموء سياسة أو ثقافة نخبوية سلبية خلاصتها افتعال أو تاجيج الأزمات والكسب منها. من ثم صار بلداً مازوماً بظروف وثقافة تكوينه واستمراره تحتاج إستدامة السلام فيه لإلغاء تقسيماته الطبقية وأشكالها المختلفة.

كذلك يواجه الكلام عن تحقيق الاتفاق فوائد مالية كبيرة على طرفيه مستقبلاً مظلماً مع حقيقة اتجاه دول العالم إلى الاستغناء عن أنواع الوقود الأحفوري واتجاهه إلى استعمال الطاقة المتجددة والسيارات الكهربية وتكامل الصناعات وزيادة اقتصاد استهلاك الطاق.




16- اتفاقات سلام يوغوسلافيا:

(أ) ظروف تكون وصراعات يوغوسلافيا:
تشتهر منطقة البلقان والجزء الشرقي من البحر الأدرياتيكي بعدد كثير من المجتمعات اشتهرت بها مناطق قومية هي صربيا ومونتينيغرو وكرواتيا وبوسنيا وهيرزوغوفينيا وسولفينيا ومقدونيا وألبانيا وكوسوفو، إلخ.

تأثر تكوين يوغوسلافيا بموقعها المشترك في العالمين القديمين الرومي والفارسي أو الشرق والغرب وبجمعها عدداً من العوالم الاثنولغوية السلافي واللاتيني والتركي والمزيج، أيضاً جمع تكوين مجتمعات يوغسلافيا العالمين الدينيين المسلم والمسيحي والعالمين المسيحيين الاأورثوذكسي والكاثوليكي، كما تأثر وجودها بالقوى والتحالفات والنزاعات العثمانية والجرمانية وما إلى ذلك من حروب واتفاقات وتغيرات عالمية.

بالإمكان تقسيم تاريخ يوغوسلافيا إلى ثلاث فترات قديمة ووسط وحديثة:
الفترة الأولى بدأت بتكون لبنات الدولة بجهد الصرب عام 1171م ثم احتلال العثمانيين لها عام 1483م فمنازعة الدول الأوروبية لهم وكذلك تنازع الدول الأوروبية عليها حتى نهاية الحرب العالمية الأولى وقرارات مؤتمر باريس 1919 واتفاقاته المواشجة وضع يوغسلافيا.

الفترة الوسيطة منذ 1929 ثم الحرب العالمية الثانية وسيطرة النازيين وألمانيا ثم تحرير البلاد وهزيمة ألمانيا وتأسيس دولة الإتحاد الإشتراكي بين البلاد اليوغسلافية،

الفترة الحديثة التي بدأت بنهاية التنظيم الإشتراكي للدولة وعودة الممايزات الطبقية والأنانيات القومية وتفكك مجتمعات ودول يوغوسلافيا والتدخل والتحكم الإمبريالي في غالبية شؤونها.



(ب) صراعات واتفاقات تأسيس يوغوسلافيا:
بعد عصر استعمار دام خمسمائة عام بفعل الدول الجيران الاسلامية والروسية والنمساوية-الألمانية -المجرية والبلغارية وحالة من التمردات المتفرقة الرأسية والافقية في مناطق وفترات مختلفة بدأت يوغوسلافيا الحديثة وعاشت ثلاث عهود كدولة موحدة أولها عهد ملكي منذ عام 1918 إلى عام 1945 وكان عهداً خاضعاً للنفوذ الألماني اللغة وعهد جمهوري منذ عام 1945 إلى 1992 وامتاز باستقلالية ونوع قومي من اللامركزية ونوع اقتصاد شبه تعاوني وإشتراكي ثم عهد تفكك استمر منذ عام 1992 إلى عام 2008.

مع نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918 إنعقد مؤتمر باريس للسلام عام 1919 وأقر تكوين نظام ومنتظم عالمي وبداية جديدة لعالم الدول بتصفية الامبراطوريات المهزومة وهي إمبراطورية آل هابسبورغ التي كانت تجمع المانيا النمسا والمجر، وإمبراطورية آل عثمان الإسلامية بينما كانت الثورة الاشتراكية العظمى عام 1917 قد دفنت امبراطورية آل رومانوف الروسية. وقد كانت لكل إمبراطورية من هذه الإمبراطوريات تأثيرات كبيرة على أوضاع مناطق وأقاليم يوغوسلافيا.

توزعت تصفية الإمبراطوريات التي أفادت تكون يوغوسلافيا على أربعة مقررات نبعت من الدول الاربعة انجلترا وفرنسا واليابان وايطاليا التي سيطرت على مؤتمر باريس وهي: (أ) مقررات سان جيرمان 10 سبتمبر 1919 التى أنهت ارتباط وتحكم المانيا والنمسا والمجر في تشيكيا ويوغوسلافيا وبولاند (ب) مقررات نويي 27 نوفمبر 1919 التي شملت ضم شرق بلغاريا إلى مملكة يوغوسلافيا، (ج) مقررات تريانون 4 يونيو 1920 التي فصلت يوغوسلافيا وسلوفاكيا ورومانيا عن المجر، (د) قرارات سيفر 10 أغسطس 1920 ازاء الدولة الإسلامية واتفاق لوزان 24 يوليو 1923، حيث أسهمت كل هذه المقررات في تكوين قوام يوغوسلافيا منذ عام 1918 إلى فترة التفكك 1992 2008.

كما كثرة من الدول التي كونتها مقررات مؤتمر باريس كانت مملكة يوغوسلافيا مملكة مضطربة بشكل عمودي وشكل أفقي: فمنذ عام 1929 إلى عام 1943 توالى عليها ثلاثة ملوك أغتيل الأول عام 1934 وتم اسقاط الثاني في 1939 وانسحب مهاجراً الملك الثالث عام 1941 بعد يومين من تنصيبه بانقلاب، بعد حدوث انقلاب مضاد له بتزامن مع إعلان كرواتيا الإستقلال ودخول جيوش ألمانيا والمجر والنمسا وإيطاليا رافعة راية حماية الأمن والنظام في كرواتيا ومناطق يوغوسلافيا وقد رافقت تغييرات العهد الملكي تغييرات في مناصب الحكومة والجيش وما يواشجهم من أمور تراخيص التجارة وأمور إدارة الخدمات والعلاقات الداخلية.

إضافة للإضطراب العمودي ازاء سلطة الحاكم والمركز فايضاً تعرضت مملكة يوغوسلافيا لتمرد قوات "الأستاذي" جيش/ميليشيا (دولة) كرواتيا وأدى لتقتيل حوالى مليون يوغسلافي بتزامن مع غزو/دعم ألمانيا والمجر وايطاليا وبلغاريا للحاكم القديم ولـ(إستقلال) كرواتيا في نفس الفترة كما شهدت المناطق اليوغوسلافية الأخرى تحركات عسكرية موالية للنظام القديم أو لجانب فيه أو تطمح لتحسين وضعها/ وضع نخبتها.



في الفترة من عام 1941 إلى عام 1943 صار اليوغوسلاف خمسة أقسام:
(أ) أنصار استقلال كرواتيا المضادين لمكونات يوغوسلافيا،
(ب) حكام متذرعين بـ"المحافظة على الدولة"،
(ج) انصار الملك وقراراته،
(د) الشيوعيون،
(هـ) جماعات غايات إقليمية أو محلية محدودة.

استند أنصار إستقلال كرواتيا وأنصار الاتحاد في تحكمهما إلى دعم قوات الدول النازية الألمانية المجرية والنمساوية وقوات الدولة الفاشستية الإيطالية وقوات مملكة بلغاريا وهي مزيج من النازية والفاشستية، وكان غالبية الملكيين من الجيش المهزوم والنخبة الصربية بتراتبياتهم القديمة يعتبرون النازيين والشيوعيين أعداء للدين والوطن وانتهوا إلى التحالف مع النازيين الألمان ضد الشيوعيين. وفي الجهة المضادة للغزاة والاستعمار النازي والتمييز العنصري وهي جهة عموم الشعب جمع نضال الشيوعيين غالبية فئات ومناطق يوغسلافيا وقد كانت ايديولوجيا وتضحيات ومعارك وانتصارات الشيوعيين سنداً كبيراً لهم في كسر وتدمير قوات "الأستاذي" الكرواتية واجبار الجيوش الألمانية والمجرية والبلغارية والإيطالية والميليشيات المحلية المساندة لهم على الانسحاب.

بهذا النضال وتضحياته وانتصاراته نهض الشيوعيون بالدور الأعظم في تحرير وتأسيس الدولة الجمهورية الاشتراكية الاتحادية ليوغوسلافيا حيث أناط منتدبي مناطق يوغوسلافيا قيادة أعمال المقاومة والتحرير بالمحارب القديم الضابط المهندس سكرتير رابطة الشيوعيين جوزيف بروز تيتو.

قام الرفيق موسى بجادي بتنسيق "لوائح فوكا" من ثم تم إعلان تأسيس الدولة اليوغوسلافية الإشتراكية بقرارين من مجلس التحرير الأول في 25 نوفمبر 1942 والثاني في أواخر نوفمبر عام 1943 وتم اكمال تحقيق القرارين في نوفمبر عام 1945. وتم تكوين جمعية تشريعية أجازت دستورا ليوغوسلافيا حدد طبيعة وجود الدولة وهيئاتها بعد خمسمائة عام من نضال شعوبها المتنوع ضد الاستعمار والطغيان الاقطاعي وضد تسليع ضرورات الحياة وإمكانات العمل والمعيشة.

اتفاق البداية:
من المنطقي إعتبار ان اتفاق مندوبي أقاليم يوغوسلافيا في 25 نوفمبر 1943 هو الاتفاق المؤسس لإتحاد النضال اليوغوسلافي للتحرير والتنمية الذاتية المشتركة،

منذ تبلور ذلك الاتفاق شكلت عمليات التحرير والتنمية أساس السلام والإزدهار النسبي الذي عم بلاد يوغوسلافيا بعد مئات السنين من الاستعمار وهو سلام وازدهار استمر حتى نمت في أقاليم يوغوسلافيا عوامل الرأسمالية والأنانية واشتعلت فيها الحرب أواخر ثمانينيات القرن العشرين.

(ج) بعض ظروف وملابسات النزاعات:
لعبت أوضاع وسياسات يوغوسلافيا دورا مزدوجاً في قوام العلاقات الدولية والداخلية حيث كانت أول قوة اوروبية تتحدى الامبراطوريات القديمة وترفض السيطرة الامبريالية الحديثة وتهزم جيوش المانيا وإيطاليا ومسانديهم وتؤسس دولة اشتراكية ثم صارت أول دولة تنتقد ابتلاع النخب البيروقراطية والتكنوقراطية لتطور الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي وكذلك كانت يوغوسلافيا أول دولة يقوم اقتصادها على التمويل الذاتي وشراكة المنتجين في الأرباح وأيضاً كانت من الدول الأولى التي واشجت الفكر القومي بالفكر الاشتراكي أو العكس وقد أدت هذه الأوليات إلى: تكون دور جديد ليوغوسلافيا في العالم وفي الوضع الإشتراكي العالمي وفي تأسيس كتلة عدم الإنحياز وفي علاقات التنمية.

رغم الاختلافات الكثيرة في النظر إلى طبيعة هذه المواقف فإن كثرة التركيز عليها في وسائط الثقافة السياسية والمعرفة في يوغوسلافيا وفي العالم الثالث وفي العالم الاشتراكي وفي مراكز الامبريالية كان تركيزاً أدت كثرته إلى تغبيش النظر إلى عوامل سالبة داخل البناء اليوغسلافي واعمال علاجها.

1- من الأسباب الأولى للنزاعات:
تواشج نموء الأوضاع السلبية في يوغوسلافيا من تكثف الفروق بين الثقافة الوطنية القائمة على الترتيب الإستراتيجي والثقافة المحلية القائمة على ترتيبات جزئية متفاوتة، إضافة إلى فروق التعامل النخبوي مع الاختلافات القاعدية والتعامل الشعبوي مع اختلافات ومصالح النخب. في أحيان أخرى تركت كثير من الفروق دون علاج تجنباً للمشاكل.

تمثلت أهم العوامل الدولية لتفكك اتحاد جمهوريات يوغوسلافيا في تطور الحرب الباردة ضد الاشتراكية العلمية التنضيد وكل ما يغذيها وكل ما نتج منها. وبعدما كان الغرب يشيد باختلاف اشتراكية الدولة اليوغوسلافية عن بعض المثل السوفييتية صارت قواه خارج وداخل يوغسلافيا تقدم إدارتها وكل شؤونها في صورة سالبة.

أما أهم العوامل الداخلية لتفكك نظام ووجود يوغوسلافيا فتمثلت في زيادة الفروق والتناقضات بين القيم الثقافية والدستورية للآيديولوجيا الإشتراكية وعيوب التحكمين البيروقراطي والتكنوقراطي في الأحزاب والدول الإشتراكية الفلسفة والهدف. والتنظيم المختلط للاقتصاد

عند تأمل تاريخ يوغوسلافيا في عهديها الليبراليين العهد الملكي (1918-1945) و العهد الإشتراكي (1945 - 2008) وتأمل قضايا بناء الإشتراكية في "بلد" واحد او في "دولة" واحدة (فرق خطير في المعنى أو الوصف أو في الترجمة بين دالة كلمة بلد ومفردة دولة)_ يتبين وجود ضرورة لإنتقال متكامل ينهي ويبدأ: (أ) ينهي مرحلة الترتيب الفردي لأمور الأرض والري والصناعة وتوزيع جهود الانتاج ونسب توزيع ثمراته (پ) يبدأ مرحلة ترتيب إجتماعي لتوزيع الأرض والري والصناعة وطاقاتهم وجهود انتاجهم وثمراته. مع تبين أو عدم تبين هذه الضرورة يتحقق أو ينخفض إحتمال فشل الساسة والحكام في إرضاء جميع أطراف الصراع الطبقي.


2- بداية الفشل الكبير:
بدا الفشل الكبير بإخفاقات واشجت إختلاف بعض فئات مجتمع الريف واختلاف فئات مدينية في العاصمة أو المدينة المتحكمة في تحديد وترتيب الإجراء الضروري اللازم للانتقال من ثم تفاقم الإخفاق تفاقم الإخفاق بحكم توالد صراع النوعين الاقتصاديين دون حسم. سواء كانت تلك الصراعات تشبه صراع جينات أو صراع هرمونات أو صراع نفسي، ومدى تضمنها أمور مستقبليات وأمور مرجعيات وأمور أخرى طلطميس يصفها متكلمو النخب في ظروف معينة بأنها "هوية" أو "ثقافات".

من المهم لفرز صراعات يوغوسلافيا الانتباه إلى المعنى الشمولي وليس المعنى الجزئي لتعبير "انتقال متكامل" أي انتقال متزامن لكل موارد المعيشة و العمل، انتقلا يترك سياسة الكيل بمكيالين والفحص بمنظارين طبقيين.


(ب) تحقق الفشل في نظم الإنحياز أو عدم الانحياز الطبقي بتناقض الترتيبات الفردية والترتيبات ألاجتماعية في أمور المعيشة وفي أمور العمل فقد تمثل هذا التناقض في ان أمور السكن والعلاج والتعليم والمواصلات والاتصالات والمؤونة والتثقيف والترفيه تكون حرة وفردية التسعير بينما كانت عملية الانتاج وكسب العيش مقيدة! أو في ان موارد المعيشة كانت منظومة ومرتبة بصورة اجتماعية بينما تركت أمور الانتاج حرة/عشواء جراء أنانية وتفرق تقديرات كل فرد أو مجموعة!

(ج) واكب هذا التناقض النظري والواقعي فشل كثرة من المحاولات الإصلاحية قادتها شرائح مدنية وأخرى عسكرية من النخب المهنية النافذة في الأحزاب الثورية ودولها، زامن فشل تلك الإصلاحات محاولتها تلبية حاجات الطبقيين النقيضتين بترك جزء من الإنتاج (أو/ و) جزء من المعيشة حراً لأنانية فرد أو مجموعة وضبط أجزاء أخرى من المعيشة ومن الإنتاج.

محاولة تنفيذ رأيين متناقضين عمل يشبه محاولة إنسان السير إلى جهتين مختلفتين في نفس الآن. وقد واشج هذا النوع من التناقض السياسي -مع عوامل أخرى- ظاهرة تحول نخبة البرجواز من المستوى الأول البسيط لوجودهم كباعة خدمات متفرقين وصعودهم إلى المستوى الأعلى لهرم البرجزة أي إلى المستوى الرأسمالي.

تواشجت صراعات يوغوسلافيا مع تناقض إقتصادي وسياسي للمجتمع في اقتسام الموارد والجهود والثمرات وطبيعة تمكن أهل البلاد من حقوق السكن والطاقة والتموين والمواصلات والتعليم والعلاج والثقافة والترفيه والأمن إلخ ومدى إرتباط الاقتسام الواقعي للموارد وخيراتها بسياسة الدولة أو إنفصالها عنها وطبيعة الإدارة المنظمة لهذه السياسة.

في يوغوسلافيا وكثرة من الدول الليبرالية المعيشة والاقتصاد يسهل تبين ظاهرة التناقض المعيشي والإقتصادي السياسي وتسببها في تآكل تماسك المجتمع والدولة وحتى تآكل الثورة والدولة وتسهيل تدخل الرأسمالية العالمية فيها ونموء تيارات الانشقاق والانعزال وتيارات الانشقاق والخصام والعداوة وأمور هذا التناقض الاجتماعي الاقتصادي السياسي وثقافاته تعد اموراً سالبة وغير موجبة عند تقييم طبيعة التقدم الاجتماعي. لكن هذه الأمور على أي حالة استقرت أو نمت في الذهن فإن ظاهرة التناقض تواشج تحكم خمسة نقاط في وجود ونموء هذه التناقضات وتفاقمها وهي:
(أ) ان غالبية رواد سياسة المساواة من الطبقة الوسطى/صغار البرجواز،
(ب) تمويل مجانية هذه الحقوق بضرائب على أنشطة رأس المال وابتكار وتنمية اقتصاد حكومي،
(ج) تموت سياسة الإصلاح بعد نجاح البداية بدخولها مرحلة تباين وإضطراب يتحول إلى فشل متفاقم،

(د) نموء مقامات ومصالح رواد الكلام عن المساواة في الحقوق ونموء النشاط الدولي ضدها،

(هـ) تغير ثقافة وسياسة وسائط الإعلام وانقلاب كثرة من رواد المساواة في الحقوق وانتقالهم إلى المطالبة بزيادة خصخصة أمور المعيشة والإقتصاد داعين إلى حرية المتاجرة بها.

(و) ارتباط اجهزة الأمن ديبلوماسية والدولة بخطاب كراهية القطاع العام أو تبخيس دوره رافضين السواسية في الحقوق وتنظيم موارد وقرارات الدولة مروجين لخصخصة ضرورات المعيشة والحياة وتحويل الحقوق الإجتماعية الى بضاعة تجارية يتحكم فيها من يملك تمويلاً أكثر!

- تتفق الفئات المهنية المسيطرة على أمور الثقافة والإعلام والسياسة والعدالة والحكومة والأحزاب الثورية على حل الأزمات بأسلوب يسمونه "اقتصاد مختلط" لكن بحكم التركيبة الطبقية لكل البنى الفوقية فإن هذا الاختلاط إلعكر لا ينتهي إلى صفاء بروليتاري بل بحكم تبرجز ثقافته وقيادته يتحول تدريجياً إلى نظام ليبرالي صرف تسوده ميليشيات مدنية الشكل تتحكم بهدوء أو تتحكم بتوتر في كثرة من أنواع تجارته وثقافاته وسياساته وعسكرياته.

واقعياً ترابطت الحريات التجارية الصغيرة وتحولت إلى حرية رأسمالية مستترة ثم علنية تبلغ قمتها بتحولها إلى سيطرة على الدولة وتابعة مباشرة للبنوك والشركات العظمى ففي يوغوسلافيا وغالبية الدول الاشتراكية الهدف تجمعت الحريات التجارية الصغيرة مثل حريات بيع الأطعمة وحرية بناء و تسعير السكن وحرية تسعير العلاج وكل حريات تجارة الخدمات وتعايشت مع نظم حكومية أقوى منها أو أضعف لكنها كاقتصادات مختلطة غذت هيمنة الفئات الوسطى وبعد فترة تحكم ونموء اتجهت أمور ومصالح الفئات الوسطى إلى التناقض وقاومتها بتحالف مع بعض عناصر الحكم بعض فئات من الطبقة الكادحة ومن الطبقة المالكة من ثم تجمعت هذه المقاومات وتحولت إلى تغيير حاد.

تحولت أزمة رفض ظلم فئوي أو طبقي إلى أزمات أكبر وأعنف أضعفت الدولة والمجتمعات محاولة إرضاء كل أطراف الصراع الطبقي في فشل دخلته حكومات يوغوسلافيا منذ عام 1948 وفق دستور البلاد الذي أراد يناء الدولة بأسلوب إرضاء كل الطبقات!

في فترة 1987 1989 مع تداخل أزمات الصراع الدولي والصراع الوطني أقرت نخب الجماعات الشيوعية الحاكمة في يوغوسلافيا وشرق أوروبا بعجز أسلوب حكمها البسيط عن حل هذه التناقضات الكثيرة المتداخلة وفتحت الأبواب لاستفتاءات وانتقادات وانتخابات ليبرالية النوع تتحكم في غالبية نخبة أحزابها وفي أنشطة إعلامها أكبر مصالح التجارة الرأسمالية العالمية.

في دول شرق أوروبا وهي دول مؤسسة بقرارات مؤتمر باريس 1919 لتفكيك الإمبراطوريات القديمة قادت هذه الإجراءات الليبرالية التي اقترحتها النخب بنقل دولها من حالة اشتراكية متعثرة التنضيد إلى حالة ليبرالية تجارية أكثر تعثراً. فمع تفاقم الأزمات الدولية والوطنية زادت تجارة الإعلام بنشاط مسموم ضد كافة الافكار الإشتراكية والوضع الاتحادي للدولة. ومع نموء ثقافة الأنانية اتجهت النزعة القومية الي الابتعاد عن أفكار التجمع والتنضيد الوطني متحولة إلى نزعات عنصرية اثنية أو دينية أو مناطقية ثم تواشجت مع جماعات و روابط ذات اتجاهات عنفية. من ثم تغلبت افكار الأنانية على أفكار الإشتراكية في كل الانتخابات في جمهورية كرواتيا وفي جمهورية سلوفينيا وفي جمهورية بوسنيا و هيرزوقفيينيا.

نمت حالة من التسمم القيمي والإعلامي من وفاة النظام القديم وتم تعليق كل أخطاءه على الأجهزة الأمنية والعسكرية من ثم بدأ القادة الجدد في الجمهوريات الثلاثة عهدهم بإبدال قادة أو تبعية بعض القوات فيها وتحويلها من فروع للقوة الاتحادية إلى روافد لها أو للجمهورية المنفردة. وانتهت الامور إلى عنف مناطقي تحول إلى نزاعات ثم إلى حرب مع أو ضد وحدة واستقلال الجمهورية أو الاقليم.

بنزاع الانانيات خسر سكان كل جمهورية دماء كثيرة حكمهم الشعبي المحلي واستقرارهم وسادتهم حالات نزوح وتهجير وفقد أعمال ووظائف ومدخرات ومجانية حقوق السكن والعلاج والتعليم والانتقال والترفيه وأصيبت إمكانات الإنتاج والمعيشة والتجارة الوطنية بسيطرة الشركات الرأسمالية الألمانية والنمساوية والايطالية والتركية والانجليزية والامريكية على الموارد وعلى زمام أمور السكان. وزامن هذه المصائب التدخل الإمبريالي السياسي والحربي لقطع روابط الانتظام والاتحاد بين الجمهوريات اليوغوسلافية بحجة دعم وقف إطلاق النار وإجراء أو تعزيز ترتيبات سلام تمنع تجدد النزاعات.

النتيجة العامة ان كل جمهورية يوغوسلافية صارت منعزلة عن أخواتها وسيطرت على شؤونها القوى التجارية والعسكرية الأجنبية إضافة لعيوب النظم السياسية والإدارية أزمات متوالدة صارت بها الأمور في بلاد يوغوسلافيا عام 2009 شبه لامور نفس البلاد عام 1919.


(د) أهم اتفاق سلام بين كيانات يوغوسلافيا:

1- اتفاق دايتون:
شكل "اتفاق دايتون" المنعقد عام 1995 أكبر وأهم جهود (السلام) في بلاد يوغوسلافيا وقد صاغته جهود أمريكية وبريطانية وألمانية وفرنسية وروسية زعمت إنهاء الحرب بين الكيانات الإثنوسياسية الثلاثة المتقاتلة الكروات والصرب والبوسنة. وكانت أمور "اتفاق دايتون" قد بدات في أغسطس وسبتمبر 1995 واختتمت في أكتوبر نوفمبر 1995 وتم التوافق والتوقيع الكامل عليه في باريس في ديسمبر 1995 وأجريت بموجبه انتخابات في يناير 1996.

2- اهم مواد الاتفاق:
بعبارات توافق كان عنوانه تمهيد للسلام في البوسنة وهريزوقفينيا اقر ممثلو جهوريات كرواتيا وصربيا ووسنيا وهريزوقفينيا (أ) حقوق البوسنة وكل جمهوريات يوغوسلافيا في حفظ تكوينها العام كجمهوريات، (ب) حق أقاليمها ومناطقها في المحافظة على هويتها الاثنوسياسية، (ج) تشكيل إدارة جمعية لكل جمهورية ولكل إقليم وكل منطقة على أساس التمثيل النسبي لمكونات كل منها على ان تتخذ قراراتها بالإجماع.

بلغة أخرى قام الاتفاق بتفكيك صلات الوجود العام لإتحاد جمهوريات يوغوسلافيا ثم أنهى الصلات الداخلية لكل جمهورية بضمانه إستقلالها كما ربط وجود ونشاط كل مكون يوغوسلافي بنوع من أنواع الوصاية والسيطرة الامبريالية.


3 - هندسة اتفاق دايتون وتنضيده:
تشكل الاتفاق كنتيجة من السلبيات التاريخية لبناء يوغوسلافيا ومن الجهود الحديثة لإضعافها وتمزيقها. فكان بناءه جامعاً لمهمتين: مهمة الإجهاز على وجود الصيغة اليوغوسلافية ومهمة بدء سيطرة إمبريالية على المنطقة اليوغوسلافية والعالم الثالث,

ارتبط تفكيك الاتفاق لجذور التعاون والاتحاد اليوغوسلافي بما سبقه من جهود إمبريالية لتشجيع الخلافات داخل كل فكرة ودولة اشتراكية الهدف وتنمية السلبيات داخلها وإدخالها مرحلة الأزمات بدعم الأنانيات ووشج النزاعات المتفرقة،

من ثم بعد تجمع وتصادم الأنانيات وانفجارها جاءت فترة قيام الدول الامبريالية بإنهاء الباقي من حيوات أفكار وهيئات وجود يوغوسلافيا وقامت بذلك في شكل جهود سلام حاربت أهم مقومات وجود المجتمعات والدولة اليوغوسلافية وهي التواصل المنتظم داخل كل جمهورية وبين الجمهوريات.

تم بناء الاتفاق عبر مرحلتين كانت الأولى عبارة عن مباحثات متفرقة الأماكن والأطراف والموضوعات عمدت إلى اثارة وفرز وإنتقاء نقاط معينة، ومرحلة ثانية لتعميد نخب الأحزاب القومية ممثلة لكل القوى اليوغوسلافية وجعل وجود الدستور والاتحاد اليوغوسلافي هامشياً.

زامنت أنواع من تدخل الدول الامبريالية السياسي والإعلامي والمالي ثم العسكري في شؤون يوغوسلافيا مرحلة اعتماد صيغة الانانية القومية الضيقة بربط المباحثات والتفاوض بممثليها كبديل وقتل بطيء للصيغة الوطنية والدستور والأنشطة الإتحادية.

لعبن التسمية المراوغة للاتفاق وهي "اتفاق الاطار العام للسلام في البوسنة والهرسك" دوراً مهما في نداة الاتفاق من أي نقض دستوري حيث قام الاتفاق بتحويل وضع جمهورية بوسنيا وهيرزوقفينيا (البوسنة والهرسك) المضطرب إلى معبر شرعي لتقسيم/قتل يوغوسلافيا وتحويل كل جمهورية إلى كانتونات وتحويل كل كانتون إلى بانتوستانات مجتمعات مستقلة جاعلاً من إرادته الأوروبية- الأمريكية مركزا لتقرير كل أمر يتعلق بيوغوسلافيا من ثم أخفت التسمية بداية حالة الاستعمار والاجهاز اللطيف على وجود يوغوسلافيا.

اتسمت المباحثات الأساس بتفرق موضوعات ومحاور التفاوض المكانية والزمانية وعلى التناول السلبي لوجود إتحاد بين جمهوريات يوغوسلافيا وتفكيك وقطع الصلات بينها وتفكيك الصلات الداخلية في كل جمهورية. وربط كل مكون يوغوسلافي بنوع من أنواع السيطرة الامبريالية.

أسهمت أنشطة الإعلام التجاري وتمويلاته وأرباحها في تغذية الثقافة الأنانية والتفرد وانحيازها للغرب وتغليب معالمها على معالم الثقافة الوطنية والإشتراكية والإاد وعلى قيم إستقلالية الدولة وعدم الانحياز وبذلك أسهمت في تمكين العناصر القومية شبه العنصرية من التحكم في كافة الأمور بما في ذلك تغيير اوضاع الجمهوريات والأقاليم والكانتونات.


(هـ) النتيجة العامة لصراعات يوغوسلافيا و اتفاق دايتون:
1- شكل اتفاق دايتون نهاية فعلية ورسمية لاتحاد الجمهوريات اليوغوسلافية بزعم انهاء حالة الحرب التي اصطنعت القوى الامبريالية أحزابها القومية وقواتها الإعلامية والعسكري.

2- مثل الاتفاق البداية القانونية لإخضاع بلاد يوغوسلافيا ومجتمعاتها ومواردها للنفوذ الأجنبي الألماني والبريطاني-الأمريكي والفرنسي-الإيطالي والتركي والى تعاون وتنافس قواهم ومصالحهم على امتصاص موارد وفوائض الجمهوريات اليوغوسلافية.

3- جعل الاتفاق يوغوسلافيا مطيةً لخطط حلف الناتو ضد مجتمعات ودول نركيا وروسيا وقنبلة أمان أمريكية تهدد احتمال توافق اوروبا مستقبلاً على نشاط مضاد للمصالح الامبريالية.


(و) وجه فلسفي في جدل الواقعية السياسية أو عندما تنقلب الاشياء إلى ضدها:
انتهت ثقافة وحالة الأنانية القومية واتفاق السلام بين نخبها إلى حالة تبعية وخضوع للإستعمار وإلغاء يومي للهوية المعيشية والثقافية لكل واحدة من مكونات يوغوسلافيا لصالح هويات تجارية سياسية ورأسمالية وعسكرية اجنبية تستهلك كل أسس واشكال وجود وتقدم تلك المجتمعات المزيج من الحضارات الشرقية والغربية وتحويلها من جسور مفتوحة الاتجاهين إلى جسر يمنع الحركة من الشرق إلى الغرب بل فقط يسمح بمرور القيم والمصالح الغربية إلى دواخل مجتمعات التمازج كمرحلة تصفية اقتصادية سياسية وعسكرية لمجتمعات السلافية والمسيحية الارثوذكسية والاسلام التعايشي، خاصة بعد النجاح الغربي الكبير في مرحلة أولى بفرض سيطرته عبر تكسير الروابط الثقافية والسياسية الإعلامية والواقعية بين قيم العقلانية الاجتماعية والوطنية والتقدم الاشتراكي للمجتمعات.

واشج اتجاه تفريق ثم تصفية يوغوسلافيا استغلال الاستعمار لأجزاء من ثقافة "عدم الانحياز" التي كانت النخب اليوغوسلافية في العهد الاشتراكي تبرر بها سياسة إرضاء كل الطبقات مبررة ذلك بحب السلام وتجنب الصدامات الداخلية وحماية استقلالية نشاط الدولة من التدخلات الخارجية،

بزعم الحياد/الانفتاح الطبقي امتنعت روابط الشيوعيين اليوغسلاف منذ عام 1948 عن اتخاذ إجراءات اكثر إشتراكية واكثر ديموقراطية تضاد الأنشطة التجارية الصغيرة وأنانياتها من ثم ازدحمت البلاد ومجتمعاتها بأنشطة وافكار الأنانية الفردية والاقليمية القومية وبالتراكم تحولت هذه الأنشطة والأفكار إلى نزعة قومية متطرفة وعنصرية غذت النزاعات والصدامات الداخلية وحولتها إلى حروب فتحت على مجتمعاتها أبواب الغزو الاقتصادي والعسكري الأجنبي وقيام هذا الغزو بإلغاء تدريجي لوجود الدولة الاتحادية وكينونة استقلال وكرامة مجتمعاتها وأفرادها.


















3- مؤثرات كسب القوة وإرساء السلام:

عبر التاريخ ارتبطت عمليات الحرب والسلام بتحقيق مصالح معينة لأطرافها بداية بشن الحروب لفرض أو لمنع سيطرة طرف على موقف ما في منطقة ما أو التفاهم على تحقيق المصلحة بطرق اخرى.

أ- بداية الحروب وآليات كسبها:
عملياً يبدأ كل طرف الحرب بإنذار وبحشد وتنظيم قواه المادية والبشرية لإنجاز مهمة صد/قتل الأعداء وهدم إمكانات قتالهم وبالتالي إخضاعهم واذعانهم لإرادة الطرف المنتصر ومنعهم من مقاومتها لذا إرتبط شن حرب دموية والانتصار فيها بأمور مؤثرة على ميزان القوة وأهمها:
(أ) طبيعة أو نوع قيام طرفيها بتحديد وحساب مصالحه وترتيب فوائدها،
(ب) وزن الإمكانات والموارد اللازمة لتحقيق المصلحة أو النصر المحقق لها وحساب التكاليف والخسائر المباشرة والخسائر الآجلة المواشجة كل محاولة لتحقيق هذه المصلحة بشكل معين،
(ج) طبيعة تعامل كل طرف مع أرض ومناخ منطقة الصراع ومع الموارد المادية والبشرية والمادية وطبيعة استخدامه لكل مورد على حدة أو إجمالاً مع موارد أخرى بنسق معين.

ب- بدايات السلام وآليات إنهاء القتال:
عادة ما تقف الحرب بتحقيق انتصار عسكري لطرف واستسلام خصمه أو بعجز الطرفين عن مواصلة القتال وقنوعهم إما بتجميد الأمور أو الإتجاه عبر طرف ثالث إلى تهدئة النزاع وحل بعض أمور الأزمة التي ولدته وهو الأسلوب الذي تكونت به غالبية اتفاقات السلام، وأهم عوامل نجاحها هي:

(أ) وجود مناخ سياسي وثقافي وإعلامي ممجد السلام والتفاوض ورافض للحرب وتقديمه السلام كاختيار وليس أمراً مفروضاً من جهة ما.

(ب) مكاسب أو وعود بمكاسب لطرفي النزاع النخبويين وحلفاءهما ولممثليهم في التفاوض،

(ج) تقديم استعداد الطرفين للتفاهم كبديل موضوعي للحرب غض النظر عن مضمون الإتفاق والموقع التاريخي للنزاع أو طبيعة تسويته.

(د) يبدأ إنجاح مباحثات ومفاوضات السلام إما من موضوعات يسهل الاتفاق عليها وصولاً إلى اتفاق كبير أو من اتفاق على مبادئي عامة كبرى ثم ترتيب تفاصيلها في التفاوض.


ج- التقييم الشائع:
تؤثر أشكال الحرب وأشكال مفاوضات السلام على تقييم فعالية كل منهما فأعمال الحرب أو أعمال التفاوض المركزة على الفوز بنقاط صغيرة تنتهي إلى زعم نجاح كبير بحساب عدد القضايا دون تسوية القضية الكبرى، أما نوع الحرب أو التسالم المهتم بتغيير نقطة لكبرى أولاً فينتهي إلى نجاح يمهد لحسم القضايا الصغيرة. لكن الانتصار في حرب أو تحقيق سلام ليسا حالة نهائية بل هما نتيجة سياسية لتراكمات متنوعة وطويلة سرعان ما تتغير.


4- مؤثرات مهمة في وقف التنازع وعقد اتفاقات السلام:

4/ 1- نوع البداية:
تؤثر طبيعة بداية أي عمل على طبيعة وجوده أو تقبله لذا كان بناء اتفاقات السلام وفق مبادئي هندسة كل بناء هو البداية المنطقية لنجاح الاتفاق.

شملت البداية المنطقية لمباحثات ومفاوضات السلام مسح وتحليل وتحديد نوعية الحاجات والإمكانات وأرضية الاتفاق ومواده وقدرات تشييده ثم تحديد ورسم الأهداف وحسابات التكاليف بترافق مع وضع خطط مختلفة لبناء الاتفاق ثم حشد متنوع لموارد بناءه وبدء العمل وتنفيذه، ووفقاً لهذه الهندسة النمطية بنيت غالبية اتفاقات السلام مواشجة ثلاث مراحل وهي:
(أ) مرحلة استكشاف نقاط وأطراف النزاع /التفاوض،
(ب) مرحلة باحثات تحدد نقاط التباين والاختلاف، وترتيب العاجل والآجل، و نوع الجهد اللازم لحلها،
(ج) مرحلة مفاوضات تتناول القضايا والموضوعات اللازمة لوقف خسارة عدم الاتفاق.

4/ 2- أمور تقنية-سياسية نجحت مباحثات ومفاوضات السلام:

(أ) حضور كبير لموضوع النزاع / الإتفاق في وسائل الإعلام،

(ب) مناخ موجب للتباحث والتفاوض على إنهاء كل أو بعض نقاط النزاع،

(ج) تزكية كل طرف للآخر وإبداء الثقة في عزمه وقدراته،

(د) قيام الجهة المديرة للتباحث والتفاوض بتجويد تخطيط وإدارة توقيت وإجراء كل مهمة.


4/ 3- طبيعة التاثيرات المؤدية للنجاح:
(أ) من مزيات تدويل الإعلام عن بدء عملية صنع اتفاق سلام إعطاء أطرافه وممثليهم مكانة عالية في وطنهم والعالم وتبجيل مهمتهم وهو تبجيل يدفع المفاوض لإنجاح التفاوض أما تهميش التفاوض فيدفع المفاوض للركود والنأي بوضعه الوظيفي عن المخاطرة مع أو ضد جناح في سياسة/سلطة بلده.

(ب) تبادل كلمات الترحيب وتوكيد حسن النوايا في البداية والاشادة بقوة ودور الخصم تحسن تعامل المفاوضين مع القضايا وتسهل التفاهم بينهما،

(ج) التوافق على إتجاه الإشارات الأولى لتحريك النشاط السلمي أما إلى جهة الموضوعات الصغيرة أو إلى القضية المبدئية فالاشارة تحدد اتجاه حركة التفاوض.



5- موضوعات تسهل الاتفاق وتمهد لصنع اتفاقات السلام:

(أ) شملت بدايات صنع السلام موضوعات سهل الاتفاق عليها مثل:
إمدادات مياه الشرب،
إسعاف الجرحى،
الطاقة،
الإيواء والإغاثة بالطعام/الأدوية، ومقاومة الأوبئة،
عمل مراكز الإسعاف والمرافق الحيوية،
سلامة الأطباء والممرضين وسلامة وعمال ومهندسين الأعمال الحيوية،
دعم سلامة بقاء أو خروج أو رجوع بعض النازحين،
إطلاق أو تبادل بعض الأسرى،
جدولة مباحثات/مفاوضات لاحقة،
الاعداد للقاءات أو تكوين لجان تمهيدية وترتيب أمور سيرها،
الأمور التقنية اللازمة للمباحاثات والمفاوضات (الاماكن، التاريخ، السفر والإقامة والتكاليف).
تقريب أو ابعاد أطراف دولية معينة.


(ب) في غالبية جهود السلام في القرن العشرين شملت المحادثات الأولى بعض من هذه الموضوعات ثم من اتفاق طرفي النزاع على بعضها توسعت إمكانات التفاهم بينهما على باقي الموضوعات.


(ج) لعل السبب في سهولة اتفاق طرفي نزاع دموي علي هذه الموضوعات الحيوية هو طبيعتها المفيدة لوجود وانسانية الطرف القابل بها وادراكه نفعها في تضميد خسارة من خسارات الحرب أو حتى لإظهار إنسانيته ضمن محاولة كل منهما إخفاء أنانيته وتوكيد بعده عن الوحشية.

أيا كان سبب إتفاق أطراف الحرب على هذه الموضوعات فقد ثبت بالتكرار ان كل اتفاق على بعضها يخفض حدة النزاع ويقود إلى إتفاقات أكثر تمهد لابعاد النزاع عن الوحشية وتقريبه إلى المحاججة المنطقية المستندة إلى القانون أو قيم العدل المعروفة أو التي يتم التفاهم بشأنها لتثبيتها في وثيقة سلام متفق عليها.








6- بعض الموضوعات الكبيرة:

(ا) الحق والقوة، تغيرات تاريخية:

في الزمان القديم تلازم الحق والقوة تلازم النهار والشمس ثم تغيرت الظروف والأوضاع والفهوم السياسية بحضور أسس ومفاعيل عقد اتفاق الحديبية 15 مارس 628 في الشرق العربي اللغة وما تلاه من خروق وكذلك باختلاف مواضعة الامامة والعدل والسياسة في منصب الخليفة لأكثر من 1400 عام وتغليب ولاية "ذو الشوكة" على ولايةمن هو أعلم منه وأكثر فقهاً في الدين، كذلك حضر التباين بين الحق والصلاح والقوة بمحاكمة المسيح ومنه التباين بين الاباطرة ذوو الجيوش والمعارك الدموية ولب المسيحية وكذا تباين الكنيسة والصلاح بقيام الملك فيليب ابرابع المكني ب"العادل" باعدام فرسان المعبد عام 1307 وكذا مباينة الكنيسة والعدل منذ 10 نوفمبر 1517 بعد قرون من تصويرهما ككينونة واحدة مقدسة، أسس ومفاعيل معاهدتي ويستفاليا في 15 مايو و 24 أكتوبر 1648 في الغرب الأوروبي، وقتل الكاهن والعالم والوزير والمختلس توماس موور في 6يوليو 1535 وكذلك قيام البرلمان باعدام الملك شارلز الأول في 30 يناير 1649 حين كان أي ملك تجسيدا للحق والقوة والشرعية، كذلك ثورات عدد من البلاد والمجتمعات الأوربية ضد سادتها (الشرعيين) حيث تباين وضع الحق ووضع القوة بعد قرون من تلازمهم.

بشكل عام في كثرة من التعاملات والنزاعات الدولية الكبيرة كسد أسلوب ربط وجود الحق والزود عنه بسمات التعميم والإطلاق والامتداد اللانهائي والشمول الكلي حيث بشكل وئيد تراكمت حوادثه وعناصره وتنوعت ثقافاته أصبحت النسبية في نمط الإرتباط بين فكرة أو أحقية ما وفكرة معينة أو يوضع معين هي ديدن وصف وتعيين الحق وديدن التميز والقوة ولم تعد الشرعية تحتاج إلى اطلاق العلاقة بين الشيء وحتلته وموضعه .


بهذه النسبية تغذت امكانات عقد المصالحات وابرام اتفاقات السلام فمع تحول كثرة من الخلافات على حدود دولية إلى نزاع دموي وفشل طرفيها بالحرب في تحقيق نصر حاسم على الطرف الآخر تتبين حالتان تحكمان تحقيق السلام بين الطرفين هما:

■ انسحاب كبير للمهزوم على الأرض،

■ اتفاق الطرفين على طبيعة نظام وترتيبات إنهاء الحرب قبل أو بعد تكوينهما لوضع انتقالي لوضع جديد سلمي (يضمن) إستمرار الإتفاق والسلام.

من ثم فإن قضية الانسجاب أو قضية الاتجاه إلى عقد اتفاق أصلحت هي المسألة الحاسمة لأزمة الصراعات المتفاقمة.



7- معوقات المباحثات والمفاوضات والاتفاقات:

ارتبطت كثرة من الحروب ومن أعمال السلام بعوامل تاريخية مختلفة يواشج بعضها موضوع النزاع/الاتفاق أو وصفه أو يواشج طبيعة لغة وصف أو شرح ما يلازمه سواء في حالة هجوم أو في حالة نفي ودفاع، ومن هذه العوامل:

1-صيغ لغة أو استعمال كلمات تبدل التحديد والتبسيط بالجمع والشمول والتعميم أو تتعامل بصيغ تبسيط أو اختزال في أمر يحتاج إلى الشرح والزيادة في التبيين والفرز.

2- انفصال طرف أو انفصال الطرفين عن الواقع الحربي،
وعن الواقع السياسي.

3- تفريق القضايا ونسيان أو إهمال ترابطها، أو دغمها واهمال تفرد كل منها،

4- تطويل أو اختصار التباحث حول بعض القضايا من ثم تختلف امكانات لحمها مع باقي القضايا،

5- استعمال الصيغ اللغوية الحادة أو المؤذية لأخد الطرفين أو مؤذية للوسيط.



8- بعض منجحات التفاوض:
1- توكيد أهمية الهدف الكبير وأهمية وجود الطرف الآخر واعتبار ان قوته وامكاناته و(تفهمه) أمراً حيوياً لتحقيق السلام ليس فقط لقضية النزاع بل ولتأمين العالم من شرور تفاقمها واتساع مساحتها وتطور أدوات قتال الطرفين.

2- تنسيق في جمع أو تفريق الموضوعات ومزامنة بحثها.

3- الحساب السريع لعناصر الاختلاف حول كل موضوع ووضوخ امكانات تسويته.



9- ملحوظة عن مباحثات ومفاوضات الوضع السوداني:
اختلف الوضع السوداني عن المعالم المألوفة في العالم لبداية تسوية النزاعات والحروب، فمعلوم ان التسوية تبدأ بحضور عسكري وسياسي مشهود في الواقع لكل طرف لكن اختلف الوضع في حالة السودان بان المباحثات والمفاوضات نجري بين طرف يملك ولا يحكم وطرف عسكري لا حكومة له، لكنه متمكن من أهم مقاليد الحكم والملك وهي القوة العسكرية المنتصرة.

من ثم فان وضع الطرفين في ميزان واحد يضر الطرفين ولا يحقق الهدف الرئيس للتفاوض وهو تقديم تنازلات حيوية لا يملك أي من الطرفين سوى قليل منها كما ان تأجيل احد المسارين العسكري أو السياسي يضر تقدم نفس الطرفين في المسار الآخر.



10- عمل متكامل يبدأ السلام:
تتعرض الاتفاقات للتاكل مع غياب أو تغييب وجود وملحوظات ثلث أو نصف القوى السياسية، لذا يشكل عقد مؤتمر دستوري من غالبية القوى وليس من كل قوى الصراع مقدمة فعالة تتيح إنهاء كثرة من أسس التباين والصراع. على ان تحال باقي الإختلافات إلى لقاءات واتفاقات جزئية تجود وتبسط فوائد الاتفاق الدستوري على المسأئل الكبرى المتعلقة بنوع الحكم والحكومة وتنوع البناء الإقتصادي ونوع الإنتظام والثقافة الإجتماعية اللازمة لهذا الإقتصاد وتنظيم عمل سلطاته.


في هذا السياق تساعد صورة تقريبية للمؤتمر الدستوري على استخدام معالمه في بناء عمل متكامل يحقق الاستقرار والتغير السلمي الفعال لفترة طويلة، وتتمثل هذه الصورة والفكرة التقريبية لعقد وانجاز أعمال المؤتمر الدستوري في الآتي:

1- هدف المؤتمر الدستوري:
وضع موجهات عامة لتجديد المجتمع والدولة وأمورهم الاقتصادية والإدارية والحكومية والتشريعية والقانونية.


2- تكوين المؤتمر الدستوري:
من خشوم بيوت المعيشة والدولة وهي فئات العمل المعيشي: (الرعاة، الزراع، الحرفيين والعمال، المهنيين) ومجتمعات العمل العام: (المجتمع الأكاديمي، المجتمع العدلي، المجتمع العسكري، مجتمع الحركة التعاونية، مجتمع التنظيمات النسوية، المجتمع التجاري، المجتمع المدني، مجتمع الإعلاميين، المجتمع الديبلوماسي، مجتمع المعاشات، مجتمع المغتربين) وممثلين لللمحليات وممثلين للأحزاب.


3- موضوعات المؤتمر الدستوري:

(أ) طبيعة الاقتصاد:
1- الاختيار بين أسلوب ضبط النشاط التجاري أو أسلوب حرية النشاط التجاري؟

2-الترتيب الاجتماعي للمعيشة وللاقتصاد إختيار أسلوب واحد من أسلوبين: إما أسلوب التنمية المتوازنة أو أسلوب حرية المتاجرة؟

3 - اعتماد مؤشرات مهمة في تصميم وتقييم نجاح خطط وأنشطة الإقتصاد:
(أ) خفض مستمر لتكاليف ضرورات المعيشة،
(ب) زيادة مضطردة في الإنفاق على البحث العلمي والتعليم والصحة العامة ولوازمهما،
(ج) زيادة عدد وتنوع مشاريع التنمية،
(د) تخفيض الموارد والجهود المهدرة.

4- دعم القطاع التعاوني:
في مختلف المجالات وبكل الوسائل ومنحه أولية قصوى وتخفيض كافة الضرائب عليه


(ب) شكل اللامركزية؟
هل تكون القرارات وأمور التحصيل والتمويل في كل الأمور الإدارية والشؤون الإقتصادية غير المرتبطة بدول اجنبية، قراراً وتمويلاًت من الأقاليم إلى المركز أو يبقى وضع اقرارات والتمويلات كما هو من المركز إلى الأقاليم؟ (مع ضرورة التنسيق في الحالين بين طرفي التمويل).


(ج) شكل الحكم المركزي وتنظيم التنمية؟
1- الرئاسة: هل تكون رئاسة الدولة رئاسة فردية لشخص واحد يتحمل مسؤوليتها وينسق تخصصات أعمال الدولة؟ أو تكون رئاسة جمعية من ثلاثة رؤوس يمثل كل منهم قوة معينة؟ أي ممثل لقوى العمل وممثل لمجتمعات العمل العام وممثل للأحزاب؟

2- تعيين وزراء الحكومة ورئاسة الحكومة: هل تقوم هيئات كل فئة عمل بتصعيد مرشح من ممتازيها ليتولى وزارة عملها ثم ينتخب كل المرشحين من بينهم رئيساً لهم يصبح رئيساً للوزراء أو أن تقوم الهيئات الممثلة في البرلمان بإنتخاب رئيس الوزراء؟ أو ترشح ثلاثة شخصيات ليختار رئيس الدولة منهم رئيساً للوزراء؟

3- المركز كحاصل عمل الأقاليم أو الأقاليم كفروع للمركز؟

4 - تقييم كفاءة الحكم بأربعة مؤشرات الزيادة المستمرة للإنفاق على البحث العلمي على التعليم والصحة ولوازمهم والخفض المستمر لتكاليف ضرورات المعيشة، وزيادة عدد وتنوع المشاريع الضرورية التنمية، وتخفيض حجم الموارد والجهود المهدرة.
.

(د) شكل البرلمان:
هل يكون برلماناًً واحدي التمثيل تحتكر غالبيته الأحزاب أو متنوع التمثيل تمثل فيه بشكل مباشر مع تمثيل للمحليات وتمثيل الاحزاب قوى المعيشة: (الرعاة، الزراع، الحرفيين والعمال، المهنيين)، ومجتمعات العمل العام: (المجتمع الأكاديمي، المجتمع العدلي، مجتمع الحركة التعاونية، المجتمع العسكري، مجتمع التنظيمات النسوية، المجتمع التجاري، المجتمع المدني، مجتمع الاعلاميين، المجتمع الديبلوماسي، مجتمع المعاشات، مجتمع النازحين، مجتمع المهاجرين والمغتربين) كلهم في هيئة جامعة يضاف إليها تمثيل الأقاليم في نفس البرلمان بغرفة مختلفة يمثل فيها كل إقليم بأربعة نواب؟


(هـ) طبيعة القوانين:
يحصر العرض و النقاش حول مسأئل هل تكون قوانين محسنة لمعيشة المجتمع موطدة للتنمية والسلام أو تكون متغيرة وفق مصلحة الحكام أو بعض النخب منتجة لخلافاات جسيمة حول هدف وفلسفة عمل الدولة أو طبيعة المجتمع أو الثقافة تحرثهم الحكومات أو تؤجج عنفهم ثم لا تزرع شيئاً؟



4- انعقاد المؤتمر ونوع النقاش وكيفية إصدار وإعلان قراراته وطبيعة إلزاميتها؟

(*) حضور المؤتمر الدستوري:
حضور رمزي كختام لنشاطات قاعدية يتم فيه اعادة إعلان قرارات كل فئة من فئاته (فئات العمل + مجتمعات العمل العام + المحليات + الأحزاب) أي تنحصر مهمة ممثلي كل فئة في توصيل رأيها في المسائل الخمسة الرئيسة وهي: 1.طبيعة توجيه الاقتصاد؟ 2. طبيعة الحكم؟ 3. شكل المركزية؟ 4. طبيعة تكوين البرلمان والحكومة؟ 5. طبيعة القوانين؟

(أ) القرارات:
قبل إنعقاد المؤتمر تحدد كل هيئة فئة قاعدية لممثليها رأيها إزاء كل موضوع من الموضوعات الخمسة معلنة رأيها في الصحف والوسائط العامة قبل المؤتمر ثم تصعد هذه القرارات موثقة عبر ممثليها إلى هيئة المؤتمر الذي يجمع أو يرجح الآراء في كل موضوع.

(ب) الجلسات:
جلسة لكل موضوع، بحكم ان النقاش التفصيلي يسبق إنعقاد المؤتمر وإن عقد المؤتمر لتجميع الآراء ومناقشة بعضها وتسوية أو تنسيق الإختلافات بين بعضها.

(ج) خير الكلام ما قل ودل بالمختصر المفيد:
يقصر التعبير والنقاش في كل مسألة على الرأي الختامي لكل هيئة أو كتلة: رأي لفئات العمل والمعيشة ورأي لمجتمعات العمل العام ورأي للمحليات ورأي للأحزاب.

(د) التقرير والتدبيج والإلزام:
يصدر قرار المؤتمر القومي الدستوري في كل مسألة بإعلان فوري مباشر في حلسة كل موضوع ويوثق بنشرة إعلامية موجزة ثم في الختام تدبج سكرتارية المؤتمر كل القرارات في وثيقة ختامية توزع على الأعضاء وتجاز منهم بأغلبية الثلثين لتكون كل موادها توحيهات ملزمة للجنة وضع الدستور الجديد وأعمال كل الحكومات القادمة كأول وثيقة توجيه شعبي لكل أعمال المجتمع والدولة وصيغ الدستور والقانون، مثلها مثل كل الوثائق الموجهة للدساتير وأعمال الحكم والإدارة العامة في كل الدول الفعالة في العالم.

إنتهى التصور الأولي لفكرة المؤتمر الدستوري.



ختام الكلام :

بين حشد وعرض ملامح اتفاقات السلام ان كل اتفاق مثل عملية تاريخية موضوعية متطورة المواد والأساليب والبناء، وقد أسهمت وتسهم في خفض وتيرة الحروب الدموية خلال الألف عام الماضية وان زيادة دراساتها تتيح للأجيال القادمة إمكانات أكبر لتخفيض نقاط تآكلها وتقليل حالات الإنقلاب على بعض بنودها أو استعمال أحدها كمضاد لسريان الإتفاق وهدم أوضاع السلم وما إليه من عدل وحرية من القهر والإستغلال.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي